تقدمية الحمقى
تقدمية الحمقى …” على الفلسطينيين أن يغشوا نببيذهم بقليل من الماء”
جملة تعود إلى جيل السبعينات من التصريحات الأمريكية، التي تعتبر الفلسطينيي هو المسؤول عن إنجاز السلام وليس اسرائيل. أو هو العقبة الكأداء!
هو النوع من مفردات ” البار” الأمريكي ، لا يأخذ بعين الاعتبار فكرة النبيذ على أنها منفّرة لياسر عرفات، الذي قد يبتلع ماء ملوناً في حفلة سلام، على أنه نبيذ المضيفين ( كما حدث في كامب ديفيد وحديقة البيت الأبيض، لاحقاً …) ولكن الفكرة قد لا تعجب اسماعيل هنية، أو خالد مشعل، لأن التشدد المسلح، قد يصبح لاحقاً، في ظل ربيع مصر على الأقل ، التراخي بقفازات: ” صافح وطالب!” وممكن ، بسبب محمد مرسي، الكلام عن العصير.
لكن الذي تعنيه العبارة “الآمرة” تحديداً هو “تصكيك” التنازل عن أرض فلسطين التاريخية ما عدا 22% من الضفة (محذوفاً منها المستوطنات وأماكن عسكرة الجيش الاسرائيلي)
كان ذلك ممكناً في السبعينات، ثم أصبح عسيراً في الثمانينات، ثم غدا موجعاً في التسعينات، وهو اليوم أشبه بالمستحيل في القرن الواحد والعشرين :
فلقد تخلّى الاسلام الراديكالي عن جهادية مستدامة من أجل فلسطين ( انظر علاقات مصر الجديدة بها) .
لقد تخلى الثوريون، جماعة “انقلاب على دبابة”، عن تحرير أي شيء .
الربيع العربي ، لم يكد تظهر منه بنفسجة واحدة داسها الشتاء القارس. وأول سنونو دل على قدومه… أسقطته العصبيات الجديدة، والهواة.
ثمة أجيال قادمة، ثقافتها تأسست على التهميش، وفي لغة البطالة والتذمر، والاحتراب، بوصفه وسيلة ” ترفيه الغضب”
حتى الأجيال الفلسطينية لم تعد تخزّن الحق بوصفه مقدساً، والمكان بوصفه وطناً.
……………
اليوم، وبعد خمسة مواعيد لسقوط نظام دمشق…على لسان كلينتون (وزيرة الخارجية)…يتراجع المنسوب في التصريحات ويغدو فجأة، المجلس الوطني السوري ، مصدراً “لتخريب الحركة في سورية”، و”البديل ضروري”.
لقد أطعمت كلينتون، في احتفالات النصرة للشعب السوري…كميات من الجوز الفارغ، لشخصيات المجلس ، فتوردت خدودهم وآمالهم… والآن :” نحن لا نسلح المعارضة لأننا لا نعرف، لو فعلنا، إلى أية أيدٍ سيذهب هذا السلاح؟” هذا علني ومؤكد أمريكياً. ويذكرني بجملتين شهيرتين، من ينساهما، لا يعرف شيئاً في السياسة سوى أنها، ليست ” فن الممكن” فقط ، بـل “فن احتراف التنازلات”.
الجملة الأولى قالها ماو تسي تونغ في الأربعينات بعد تحريره للصين: “إرضاء الامبريالية الأمريكية أصعب من معاداتها”!
والجملة الثانية : ” الباحثون عن حصان في البيت الأبيض، لن يجدوا سوى… رسناً لهم” !
حسناً… لكي تكون في الجملة الأولى قادراً على العدوان… يجب أن تحترم سور الصين، وتقدر على إطعام مليار بني آدم..
ولكي تكون فاهماً ما الذي تعنيه الجملة الثانية… لا ينبغي أن ترسل زوجتك الحامل (وأنت وزير أو قائد سلطة ، أو معاد شفوي لأمريكا) لكي تلد لك هناك …جواز سفر!
يجب ، أيضاً، أن تقرأ نصوص الأمريكيين الذين يعرفون بلدهم أكثر منك ، ويقولون لك ، بكل وسائل الإيضاح : هذه امبراطورية وليس بلداً متحضراُ : بعد خمسمائة عام تقريباً حصل فيه الزنجي على المساواة بكلب، والمرأة حصلت على حق النشوة الجنسية ، دون أن يعتبرها الكاهن : عاهرة!
………….
من الرخاوة العربية التقدمية والرجعية.
ومن الأدبيات الشفوية الأمريكية اللاتينية
ومن عالم ثالث، انقسامه الطبقي، يؤدي إلى بؤس الملايين
ومن خيبات الأمل، في الثورات، والفجائع بالثورات المضادة…
من كل ذلك أراد أحدهم أن يرد الجملتين آنفتي الذكر
فيقول:
” إن معاداة أمريكا هي تقدميّة… الحمقى!”