تنحي حمدوك يثير مخاوف من سيناريو استبداد شبيه بحكم البشير
تسود مخاوف في السودان من عودة النظام الاستبدادي بقيادة العسكر في سيناريو يعيد إلى الأذهان الحكم الفردي الذي طبع ثلاثة عقود من حكم الرئيس المعزول عمر حسن البشير الذي قدم للسلطة في العام 1989 بانقلاب عسكري دعمه الإسلاميون.
وتأتي هذه المخاوف بعد استقالة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك من منصبه على وقع احتجاجات عارمة رافضة لاتفاقه مع قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان الذي أعاده لرئاسة الحكومة بعد أن عزله البرهان لفترة.
وبتنحيه عن منصبه، أخلى حمدوك الساحة للعسكريين في البلد الغارق في العنف منذ الانقلاب الذي أطاح برموز السلطة المدنيين في أكتوبر/تشرين الأول، فيما تتصاعد الخشية من العودة إلى نظام استبدادي.
ومنذ انقلاب الفريق أول عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول قُتل 57 متظاهرا بحسب لجنة الأطباء المركزية المؤيدة للديمقراطية وتعرضت متظاهرات للاغتصاب وفقا للأمم المتحدة. كما تعرض صحافيون للضرب وحتى التوقيف وصارت خدمة الانترنت والاتصالات متقطعة.
ويثير مرسوم أصدره البرهان مخاوف من المزيد من العنف، إذ يضمن إفلات قوات الأمن من العقاب ويمنحها كل الصلاحيات بموجب بنود “قانون الطوارئ” الموروث من عهد الرئيس المعزول عمر البشير الذي أطيح به عام 2019 على يد الجيش تحت ضغط الشارع.
وفي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني وبعد شهر من الإقامة الجبرية، عاد حمدوك إلى منصبه بعد اتفاق مع البرهان، لكنه ظل “مشلولا” و”غير قادر على إنجاز أي شيء” منذ ذلك الحين، على حد تعبير الباحث في مركز ريفت فالي إنستيتيوت مجدي الجيزولي، بعد أن أعلن رئيس الوزراء السوداني استقالته مساء الأحد.
وخلال اجتماع جمع الاثنين بين البرهان وضباط من الجيش وقوات الدعم السريع، أكد رئيس مجلس السيادة “على ضرورة تشكيل حكومة مستقلة ذات مهام محددة يتوافق عليها جميع السودانيين”.
كما أكد البرهان في بيان نشره المتحدث باسم القوات المسلحة على “ضرورة العمل على تحقيق مهام الفترة الانتقالية.. وقيام الانتخابات”، مشيرا إلى أن ذلك يتطلب “البعد عن المصالح الحزبية الضيقة”.
وتعليقا على الوضع، قال الجيزولي “صار هناك اليوم من جهة العسكريون وهم وحدهم في القيادة ومن جهة أخرى المتظاهرون الذين سيستمرون في النزول إلى الشارع وسيواجهون المزيد من العنف”.
وتابع “إنها مواجهة مفتوحة بين القوات الأمنية والنظام السابق من جهة، لكن هذه المرة من دون البشير ومن جهة أخرى حركة بلا زعيم في الشارع قوامها النشطاء الشباب”.
والبشير الذي يحاكم في قضايا مختلفة، قابع في السجن منذ إطاحته، لكن العديد من الشخصيات في نظامه ما زالوا في السلطة ومن بينهم الفريق أول عبدالفتاح البرهان قائد الجيش في عهد الرئيس المعزول.
ودعا تجمع المهنيين السودانيين رأس الحربة في الانتفاضة ضد البشير في 2018-2019 وضد العسكر منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول إلى تظاهرات جديدة الثلاثاء.
وغرّدت خلود خير المتخصصة في الشؤون السودانية في مؤسسة إنسايت ستراتيجي بارتنرز “استقالة حمدوك تحرم الجنرالات من واجهتهم وتظهر بوضوح أن الانقلاب ليس إلا عودة إلى سياسة البشير العسكرية-الإسلامية”.
وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول مدد البرهان فترة ولايته لمدة عامين، ما أدى إلى سقوط أي احتمال لنقل السلطة إلى المدنيين قبل نهاية الفترة الانتقالية التي وعد بأن تتم في يوليو/تموز 2023 من خلال انتخابات.
وبعد شهرين، سمح للقوات الأمنية من خلال مرسوم طوارئ بـ”دخول أي مبنى وتفتيشه وتفتيش الأشخاص الموجودين فيه والقيام بعمليات مراقبة ومصادرة”.
وجرى ذلك من خلال الاكتفاء بإبلاغ مجلس السيادة الذي يترأسه هو (البرهان) مع تجاهل القضاء.
وبالإضافة إلى ذلك، يحظى عناصر الأجهزة الأمنية والعسكرية: الجيش والشرطة والاستخبارات وقوات الدعم السريع المتهمة بارتكاب انتهاكات في إقليم دارفور في غرب السودان، بحصانة ولا يمكن استجوابهم.
وقال الطاهر أبوهاجة وهو مستشار للفريق أول البرهان، إن هذه الترتيبات “طبيعية نظرا إلى الظروف الحالية”، مؤكدا أن “بعض الأطراف تستغل أجواء الحرية لإثارة الفوضى”.
لكن بالنسبة إلى المعارضين، فإن مقتل 57 متظاهرا وجرح المئات بالإضافة إلى عمليات التوقيف، دليل على أن هذا النص يعزز القمع في بلد لم يشهد منذ استقلاله قبل 65 عاما، سوى بضع سنوات خارج الحكم العسكري.
وفي الخارج، جاءت ردود الفعل خجولة، فقد دعت الولايات المتحدة “القادة السودانيين إلى تنحية خلافاتهم جانبا من أجل ضمان استمرار السلطة المدنية”، فيما قالت بريطانيا إنها “حزينة جدا” لرحيل حمدوك.
وحذّر جون برندرغاست من مركز ‘ذي سنتري’ للبحوث من أنه “كلما انتظر الأميركيون والأوروبيون لإعلان عقوبات على أفعال الجنرالات، ازدادت قدرة هؤلاء على تعزيز سلطتهم الاقتصادية والسياسية على حساب السودانيين”.
من جانبه، قال مبعوث الأمم المتحدة فولكر بيرثيس إنه “يأسف” لرحيل حمدوك الذي أشاد في بيان بما تحقق تحت قيادته، لكنه أعرب عن قلقه من “استمرار الأزمة السياسية الراهنة عقب الانقلاب العسكري والتي تهدد مسار التقدم الذي تم إحرازه منذ انطلاق ثورة ديسمبر”.
كما أبدى بيرثيس قلقه الشديد “حيال أعداد المدنيين الذين قتلوا وأصيبوا أثناء التظاهرات الجارية”.
ميدل إيست أونلاين