تونس: هل تنجح الديمقراطية في حلّ المشكلات الاقتصادية؟

      

في وقت تعمُّ فيه الفوضى جميع أنحاء العالم العربي، تعيش تونس فترة هدوء نسبي بانتقالها إلى الديمقراطية. غير أن هذا الهدوء الظاهر لا يحجب شعارات الاحتجاج التي ما زالت مرفوعة تهتف بها حناجر المتظاهرين. وما التظاهرات الكثيرة التي ترفع مطالب اجتماعية والعنف الذي يمارسه السلفيون، ومعظمهم من الشباب المهمَّش، سوى دليل على الاستياء. فالمشكلات الاقتصادية تزعزع الثقة التي محضها المواطنون للحكومة. وقد أكَّد الرئيس التونسي المنصف المرزوقي أن المشكلات الاجتماعية/ الاقتصادية إن لم تجعلها الحكومة أولى أولوياتها فليس مستبعَداً أن تقوم من جديد "ثورة داخل الثورة".
 
حتى وإن استشاطت تونس غضباً فلن تشتعل فيها ثورة جديدة؛ فلا الأحزاب السياسية ولا الهيئة النقابية القوية المتمثلة في الاتّحاد التونسي العام للشغل، تسعى إلى جولة صراع جديدة. كما أن الفئات الوسطى، التي أنهكتها الأحداث، تتمنّى أيضاً ألا تشهد دورة احتجاجات صاخبة مرّة أخرى. ولكن، من أجل احتواء الغضب الشعبي، فإن من مصلحة رئيس الحكومة التونسية وحكومته أن يعمد إلى حلّ ثلاث مشكلات كبرى، أولها مشكلة البطالة، ولاسيما بطالة المتعلّمين وأصحاب الشهادات العليا الذين وجدوا أنفسهم مرغَمين على النزول إلى الشارع للتعبير عن غضبهم وحقدهم على الوضع القائم.
 
تتجسّد المشكلة الثانية في أن على الحكومة أن تقلّص هامش التفاوت الكبير بين المناطق، هذا التفاوت الذي يُفقِد سكان المناطق الداخلية كلّ ثقة أو أمل بالحكومة. وعلى الحكومة أيضاً أن تعير أقصى الانتباه والاهتمام لما يحدث في الخفاء من إعادة تنظيم لشبكة الفساد التي بدأت فور سقوط شبكة الفساد التي كانت محصورة في يد عائلة الرئيس السابق زين العابدين بن علي وزوجته ليلى طرابلسي وأقربائهما والمقرَّبين إليهما. فثمة في تونس اليوم ما يمكن تسميته بـ"نهوض الوسطاء"، أي فئة الموظفين الفاسدين الذين يتبوّؤون مناصب إدارية ورسمية من الصف الثاني.
 
على المجلس الوطني التأسيسي أن يتَّخذ تدابير عاجلة للتغلّب على العقبات الإدارية التي تعوِّق تنفيذ المشاريع الخاصة بتسهيل تشغيل الشباب المتعلّم وتنمية المناطق الفقيرة. فبوسع المجلس مثلاً، أن يُنشئ لجنةً تتمتَّع بصلاحيات تخوِّلها إزالة العقبات التي تعترض تنفيذ تلك المشاريع، وذلك في أسرع وقت ممكن. حتى أنه بوسع الحكومة أن تُنشئ لجان تحقيق وتنفيذ في آن، مؤلَّفة من قوى أمنية ومحاورين ذوي كفاءة للتفاهم مع الممثلين المحليّين وفعاليات المناطق بغيةَ وضع حدّ للخلافات والصراعات المحلية من جهة أولى، وبخاصة في حوض المناجم، وللاطِّلاع عن كثب على أوضاع السوق السوداء، وللاطِّلاع بخاصة على أنشطة عصابات التهريب، من جهة ثانية، ولاسيّما في مناطق العمق التونسي والمناطق الحدودية، حيث تكثر الجماعات الجهادية.
 
لا بدّ أن يخرج القطاع غير الرسمي من حالة التهميش واللاشرعية، لكي يغدو محرّكاً فعلياً للتنمية الاقتصادية. فمن شأن تثاقل البيروقراطية وبطئها، والإذلال اليومي، والاقتصاد الفوضوي أن يُحبِط همّة كلّ من يفكّر في الإقدام على مشروع اقتصادي ناجح، وأن يعطِّل تنميةً اقتصادية تحتاج إلى المزيد من الشفافية، إذ لا بدّ للقائمين على هذا الاقتصاد أن يقدّموا، وبروح المسؤولية، كشوفاتٍ واضحةً وصورةً صادقة عنه.
 
عندما تكون العدالة ناقصة ولا يكون هناك حزمٌ في تنفيذ قراراتها تنفجر أعمال الشغب والاضطرابات والصراعات بين القبائل، فتتضح بذلك هشاشة الحوار ويظهر عمق الهوَّة الفاصلة بين الحكومة وحكّام العاصمة من جهة أولى، وبين المحكومين سكان المناطق المنسية والمهمَلَة من جهة أخرى. يسهُل عندئذٍ أن تملأ النقابات والمنظمات المدنية هذا الفراغ. وبوُسع المنظمة الدولية أن تدعم التنمية المحلية، وأن تُسهِم في تنظيم دورات التكوين المتواصل لحمَلَة الشهادات الباحثين عن عمل، وأن تقدِّم مساعدة تقنية في مجال البحث عن فرص عمل، وأن تمدّ يد العون لتنمية المشاريع الاقتصادية المحلية، من خلال تقديم مساعدات تقنية ومنح قروض صغيرة.
 
على الدمقرطة لِزاماً أن تبلغ المناطق وتصل إلى الدوائر الإدارية المحليّة. ثمة آليات تشاور جديدة تتيح لأبناء المناطق النائية أن يستوعبوا وأن يفهموا السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وأن يعبِّروا عن آرائهم ومواقفهم تجاهها؛ ويجب أن تُستخدَم هذه الآليات في المناطق الداخلية والنائية.
 
حتى ولو كانت الحكومة مدركةً لتلك المشكلات، فإن موجة الاحتجاج يمكن أن تُفضي إلى أزمة تطرح شرعية النخب السياسية الحاكمة. تفادياً لذلك، على الاستراتيجيات الواجب وضعها واعتمادها أن تجعل أولى أولوياتها الحوارَ بين شرائح المجتمع المختلفة وفئاته الاجتماعية جميعاً. فبعد أن خضع الشعب التونسي عقوداً طويلة من الزمن لقرارات كانت تأتي من علٍ وتُفرَض عليه فرضاً، وبالنظر إلى الصعوبات الجمّة والتحديات الاقتصادية الاجتماعية الكثيرة التي تواجهها تونس اليوم، فإن الشعب التونسي يستحقّ كلّ تلك التسهيلات والمساعدات والخدمات.

 

صحيفة لبيراسيون الفرنسية

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى