جريدة الأيام السورية : العدد (100)، احتفالية صامتة !
خاص ــ بوابة الشرق الأوسط الجديدة
صدر العدد (100) من صحيفة الأيام السورية مؤخرا، وهو رقم مهم جداً، في عُرف الصحافة، لتحديد موقف نهائي من صحيفة تصدر في بلد يقال أن لاصحافة فيه ، أو أن صحافته متهمة بأنها غير قادرة على استقطاب قارئ يومي لها!
كيف نقرأ العدد (100) من صحيفة (الأيام) ؟ أو على نحو أدق؟ ماذا نقول عن هذه التجربة بعد صدور مائة عدد منها وأثارت أكثر من رد فعل، وغيرت أكثر من رئيس تحرير؟
بدأت صحيفة الأيام في أواخر عام 2016 ، وترأس تحرير العدد الأول الصحفي المعروف عبد الفتاح العوض، وعبد الفتاح العوض اشتهر كصحفي متمرس في الشؤون الاقتصادية في صحيفة تشرين في التسعينات من القرن الماضي، تمكن من تحقيق قفزة في أدائه عندما قدم برنامجا اقتصاديا على شاشة التلفزيون جعله أكثر شهرة من قبل، ولم يعرفه الناس كمدير عام للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون حيث أمضى وقتا قصيراً لم يترك فيه أثراً واضحاً، فعاد إلى الصحافة المكتوبة في مقالات مهمة تنشرها صحيفة الوطن أسبوعيا، مع موقع مشاكس عنوانه (صاحبة الجلالة) .
سريعا تولى الصحفي زياد غصن رئاسة تحرير الأيام، بعد العوض، وزياد غصن معروف بجرأته الصحفية، وبمقالاته التي بدأت في الصحافة السورية وامتدت إلى الصحافة العربية، وأهمها ماينشره في السنوات الأخيرة في صحيفة الأخبار اللبنانية. وزياد غصن تدّرج أيضا في أكثر من موقع إعلامي ومن بين المواقع التي شغلها رئيس تحرير صحيفة تشرين، وهو الآن المدير العام لمؤسسة الوحدة للطباعة والنشر التي تصدر عنها صحيفتا الثورة وتشرين .
أما رئيس التحرير الحالي، فهو الصحفي علي حسون، وهو يحمل تجربة مهمة في الصحافة الاستقصائية، وشغل موقع رئيس تحرير صحيفة بلدنا السورية في مرحلة مهمة من تاريخ تلك الصحيفة .
ماذا فعل رؤساء التحرير المذكورون في سياق الحديث عن تاريخ صحيفة الأيام ؟!
إن أبرز سؤال وجواب يمكن أن يطرح على تجربة إعلامية أيا كان نوعها هو هذا السؤال : ماذا فعلت الصحيفة، أي ماذا أضافت إلى تجربة الصحافة السورية ؟!
الجواب على هذا السؤال سيرد في مقال آخر أقوم بجمع معلوماته ، وإذا ما أردت تحديد عناوينه منذ الآن ، فثمة جملة واحدة تكثف التجربة هي : إن صحيفة الأيام تمكنت من أن تجعل المسؤولين يبحثون عنها لدرء مخاطر الانتقاد الجريء عنهم، لكنها لم تستطع إيجاد القارئ السوري الذي أضرب عن قراءة الصحف منذ زمن طويل .. نعم أضرب بالمعنى السياسي للكلمة !
في هذه المرة أود الحديث عن الناشر. نعم ، فناشر صحيفة الأيام هو رجل الأعمال السوري المولع بالصحافة ووسائل التواصل : محمد هرشو ، وهو صاحب تجربة مهمة على هذا الصعيد بدأت في حلب ثم وصلت إلى دمشق خلال الحرب، فصدّرها إلى كل أنحاء سورية بصحيفة الأيام وموقع هاشتاغ سيريا .
وفي سورية ينبغي السؤال عن الناشر، لأن الصحافة التي مرت بين أيدينا في الحقبة الأخيرة، كانت ممولة من الدولة، ولايوجد صحف خاصة إلا عدد قليل، وكانت مجلة الثقافة للأديب الراحل مدحت عكاش هي المجلة اليتيمة على هذا الصعيد ، وظل يصدرها حتى آخر رمق من حياته رغم تردي ظروفها وموادها وتراجع قرائها..
ظهرت في سورية خلال الخمسين سنة الأخيرة عدة صحف خاصة، فالقارئ السوري الذي كان يلتهم الصحف العربية التي نستوردها كصحف السفير والشرق والمستقبل والمحرر نيوز وغيرها، كان متشوقا لصحيفة غير رسمية تمثله . وعندما أفسح الرئيس بشار الأسد لتجربة صحيفة الدومري بالصدور اتضحت معالم هذا الشوق، فنجت في بداياتها، لكن الصحيفة وقعت بالغرور فتراجعت ثم أوقفها ناشرها، وطويت تجربتها السعيدة سريعا. وكذلك حصل مع صحيفة الخبر التي عادت إلى الصدور قبل عدة أشهر بعجز واضح عن تحقيق قفزة في الصحافة الورقية في وقت تموت فيه صحف كبيرة من حولنا .
المهم أن ناشر صحيفة الأيام، السيد محمد هرشو، كان يعيش على صعيد هذا المشروع، في دائرة مقسومة إلى قسمين : الأول هو الحلم بالاستجابة إلى شوق القارئ السوري والحاجة الوطنية إلى الصحافة. والثاني هو المغامرة، فماذا يعني أن تطرح مشروعا على هذا المستوى في وقت كانت الحرب في سورية تأكل الأخضر واليابس، ويركض المواطن السوري من رصيف إلى آخر يتلطى من القذائف والسيارات المفخخة ونيران الحرب التي أضرمتها دول العالم كلها على سورية !
تلك هي المسألة ، وعلينا جميعا أن ننتبه إلى هذه المعطيات، فقد كان سهلا على الناشر توظيف رأس مال الصحيفة في شراء العقارات لتتراكم وتتضاعف براحة بال، وكان سهلا على الناشر توظيف قلقه وتعب أعصابه في أشياء أخرى . لكن نصف الدائرة التي كان يعيش فيها (أي الحلم) دفعه إلى الشروع بمشروع علينا جميعا احتضانه ، والتفكير جديا بأن لايموت!
وبحكم مهنتي كصحفي تعرفت على السيد محمد هرشو، ويكفي أن أتذكر تفاصيل حلمه في ذلك الوقت قبل مائة عدد، على الأقل أنه كان يعتبر أن إطلاق الصحيفة في سورية رغم الحرب يتطلب مهرجانا احتفاليا تحت القذائف يليق بالصحافة، وقال صراحة : إن إقامة حفل ميلاد كبير للصحيفة في عددها الأول ضرورة !
شكرا لكل من كتب في صحيفة الأيام . شكرا لكم في صلب المهنة..