جزء إضافيّ من «ليالي الحلميّة»: تحدٍّ في رفع الأثقال

لا ندري كيف ولدت الفكرة على وجه التحديد، لكن لا بدّ من الإقرار بأنّها فكرة على درجة عالية من الذكاء، بالرغم من كلّ الجدل المثار حول. الحديث هنا عن إعلان المنتج المصري محمود شميس التعاقد مع ورثة الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، لاستغلال اسم «ليالي الحلمية»، أبرز أعمال الراحل، لإنجاز عمل يعدّ جزءاً جديداً من السلسلة الشهيرة. يتولّى كتابة العمل الشاعر والسيناريست أيمن بهجت قمر، بمشاركة من عمرو محمود ياسين، ويخرجه مجدي أبو عميرة بدلاً من إسماعيل عبد الحافظ.

يكمن الذكاء هنا، في القدرة على إيجاد عمل يسوق لنفسه، سواء بالإيجاب أو السلب، حتى من قبل البدء بكتابته، وذلك ما حدث بالفعل، من خلال جدل مستعر بدأ على مواقع التواصل فور إعلان الخبر، ولم ينتهِ بإغلاق قمر حسابه على «فايسبوك». خلط الجدل الدائر حول «تجديد ليالي الحلميّة» الأوراق، بالرغم من أنّ للأمر مستويات عدّة، العلاقة بينها غاية في التعقيد.

مكمن الجدل الأساسي هو في مدى «أحقية» أي كاتب بالإقدام على تجديد عمل لكاتب آخر، ولهذا السؤال شقان: الأول قانوني، والثاني أدبي.

من الناحية القانونية، وطبقاً للقانون 82 لسنة 2002، فإنه من حق أي كاتب تناول/ استعادة عمل لكاتب آخر، شرط الحصول على حق استغلاله من الكاتب نفسه، أو ورثته إن كان راحلاً. أمّا الأعمال التي مر على رحيل مؤلفها أكثر من خمسين عاماً، فيجوز استغلالها من دون حماية، وذلك ما يحدث بشكل دائم، من خلال الأعمال التي تقدم معالجات حديثة للكلاسيكيات مثل مسرحيّات شكسبير، أو الأعمال المسرحية اليونانية، أو روايات دوستويفسكي أو هيمنغواي وغيرهما…

في حالة «ليالي الحلميّة»، حصل المنتج بالفعل على تصريح من الورثة، فلا مجال للحديث عن «الأحقية»، من الناحية القانونيّة. تبقى الناحية الأدبية، وما تمثله «الحلمية» من حالة نوستالجيا لمشاهدين كثر، يرفضون «تشويه» التراث الذي تربّوا عليه. علماً أنّ أسامة أنور عكاشة (1941 ــ 2010) نفسه رحّب أكثر من مرة، في أكثر من حوار تلفزيوني، بأي كاتب من بعده يودّ أن يتناول «الحلمية» تحديداً، وفق رؤية «أكثر عصرية». كما أنّ عكاشة تعرّض للهجوم عند عرض الجزء الخامس من العمل العام 1995 (عرض الجزء الأوّل العام 1987، والثاني العام 1988، والثالث العام 1989، والرابع 1992). واعتبر البعض حينها أنّ صاحب «الحلميّة» يشوه عمله الذي حقق نجاحاً خرافياً، وأضحى جزءاً من كلاسيكيّات الدراما العربية. وتجاوز تأثير العمل مستوى التلفزيون، ليحتل مساحة من التراث الأدبي والاجتماعي، وكل ما يتعلق بتحليل الحياة في مصر.

وبعد عرض الجزء الخامس، دار نقاش حينها حول إمكانية كتابة عكاشة لجزء سادس. يومها أعلن المخرج إسماعيل عبد الحافظ (1941 ــ 2012) أنه لن يتولّى إخراج ذلك الجزء في حال كتابته، مؤكّداً انتهاء علاقته بالحلمية، خصوصاً أنّه تردّد في إنجاز الجزء الخامس.

طال الاتهام بتشويه العمل إذاً، عكاشة نفسه. لذلك فإنّ الحديث عن «أحقيّة أدبيّة»، أمر نسبيّ. لكنّ تصدّي أيمن بهجت قمر، بمشاركة عمرو محمود ياسين، لتلك المهمّة، يثير تخوّفاً، نتيجة معرفة الجمهور بتاريخ الكاتبين. فقمر كاتب متميز فيما يتعلق بالأغنية التجارية، حقق نجاحاً مع أهم مطربي ومطربات العالم العربي بداية من عمرو دياب، وليس نهاية بـ «أبو الليف»، فهل يشفع له ذلك لينجز عملاً ضخماً كهذا؟ أما عمرو ياسين، فليس له تاريخ يذكر في كتابة الدراما، ومن المستغرب أن يرد اسمه في سياق مماثل. والتخوّفات المحيطة باسمي الكاتبين وجيهة، خصوصاً أنّ تاريخ بهجت الغنائي، يغطي على مسيرته في الكتابة للدراما، إذ إنّ كثراً يجهلون أنّه شارك في كتابة ستة أعمال، قد يكون أبرزها من الناحية الفنية، فيلم «آسف للإزعاج» من بطولة أحمد حلمي العام 2008.

غير أنّ توقّع فشل قمر وياسين في كتابة الجزء السادس من «ليالي الحلميّة»، نوع من «المصادرة» للعمل قبل صناعته. فحين كتب حسن فؤاد سيناريو وحوار فيلم «الأرض» العظيم العام 1970 (عن رواية عبد الرحمن الشرقاوي)، لم يكن قد كتب أفلاماً قبلها، كما أنّه لم يكتب بعده إلا فيلماً واحداً من إخراج يوسف شاهين أيضاً، هو «الناس والنيل» العام 1972. والأمثلة قد تطول لتقديم نماذج لأعمال لم يكن لأصحابها خبرة طويلة في مجالهم. لا يعني ذلك أنّ العمل سيخرج جيداً، وقد يكون من الأفضل التعامل معه كأنّه عمل جديد تماماً، قد ينجح وقد يفشل. هنا، إذا كان معنى النجاح هو أن يتمكّن منتجه من بيع المسلسل للقنوات، فذلك قد حدث بالفعل. ومن المتوقع أن يشاهد العمل منتقدوه قبل مؤيديه، على الأقل لإثبات صحة وجهة نظرهم، وهو ما سيفعلونه بكل تأكيد، مهما كان مستوى المسلسل. أما إن كان النجاح يعني أن يجد المسلسل ترحيباً من الجمهور، وإعجابا بما يتيح الفرصة لتكرار التجربة، أو أن يطلق مهنة صنّاع العمل في هذا المضمار، فإن ذلك أشبه بتحدي رفع الأثقال، والوزن هنا ثقيل جداً، نشك في قدرة صنّاعه على حمله، وإن كنّا نتمنى لهم التوفيق.

أجيال وراء أجيال

بين عامي 1987 و1995، عرضت الأجزاء الخمسة السابقة من مسلسل «ليالي الحلميّة». تمتدّ قصّته على سنوات طويلة، وتستعرض حقبا عدّة، وتلاحق قصصاً تنتقل من جيل إلى آخر، في فضاء حيّ الحلميّة الذي كان حيّاً أرستقراطيّاً ثمّ صار حيّاً شعبيّاً.

تبدأ قصّة العمل من ثأر قديم بين الباشا سليم البدري (يحيى الفخراني)، والعمدة سليمان غانم (صلاح السعدني) الذي يضع نصب عينيه تجريد غريمه من كلّ ممتلكاته انتقاماً لوالده الذي توفي في السجن بسبب والد غريمه. وحين يتزوّج سليم البدري في الخفاء، تدخل زوجته نازك السلحدار (صفية العمري) على خطّ الصراع بينه وبين العمدة، فتتزّوج سليمان انتقاماً، وسعياً للحفاظ على مصالحها الماليّة. تبدأ الأحداث منذ ما قبل الحرب العالميّة الثانية، وتنتهي في التسعينيات، مروراً بـ «ثورة يوليو».

تورّث الخلافات من جيل إلى جيل، إذ تقع زهرة (آثار الحكيم/ إلهام شاهين) ابنة نازك من سليمان غانم، في حبّ علي (ممدوح عبد العليم) أكبر أبناء سليم البدري من زوجته عليّة. وحول هذه الحبكة الرئيسيّة، تحاك حبكات أخرى، عاطفيّة، ماليّة، وسياسيّة. ومن المتوقّع أن يتناول الجزء الجديد أحداثاً راهنة، تستكمل قصّة آل البدري وآل غانم، وصراعهم «الأزليّ».

صنع العمل نجوميّة عدد كبير من أبرز ممثّلي الساحة المصريّة اليوم، بدءاً ممن كانوا في ذروة عطائهم حينها مثل الفخراني، والعمري، والسعدني، مروراً بمن كانوا «نجوماً شبابا» أواخر الثمانينيات مثل آثار الحكيم، وهشام سليم، ولوسي، وعبلة كامل، وإلهام شاهين، ودلال عبد العزيز، وشريف منير. العمل مبرمج لرمضان 2016، لكنّ الجهة المنتجة لم تكشف بعد إن كانت ستتعاقد مع أبطال الأجزاء السابقة.

أوقفوا المهزلة

على مواقع التواصل، كانت معظم ردود الفعل رافضة لفكرة إعادة إحياء «ليالي الحلميّة». أحد المعلّقين على «تويتر» وصف الجزء الجديد «بليالي الحلميّة النسخة الزومبي»، في إشارة إلى أنّه بات جزءاً من «التراث». ولجأ آخرون إلى السخرية، فكتب أحدهم: «مسلسل ليالي الحلمية راجع.. ومرسي لسه ما رجعش». أحدهم نشر صورة من مسلسل آخر للممثل يحيى الفخراني، وهو يضع مسدّساً في فمه، مرفقةً بتعليق: «حين تسمع أن مسلسل ليالي الحلميّة عائد في العام 2016».

بعض المواقع الإخباريّة استخدمت خاصيّة استطلاعات الرأي، لمعرفة ما إذا كان متابعوها يرحبون بعودة «ليالي الحلميّة». في حين استعاد بعض المستخدمين مقدّمة المسلسل الغنائيّة، وهي من أشهر شارات المسلسلات في تاريخ الدراما العربيّة، كتب كلماتها سيد حجاب، ولحنها ميشال المصري، ويقول مطلعها «منين بيجي الشجن/ من اختلاف الزمن».

أحد المغرّدين كتب: «أوقفوا المهزلة» معتبراً أنّ الجزء الجديد من العمل، قد ينسف صورته الجميلة في أذهان المتابعين. ولفت آخر: «يعود المسلسل، ولا يعود الماضي، ربّنا يستر وما تكرهوناش فيه». في حين كتب ثالث: «حق الملكية الفكرية بالأساس حق مادي، والتنازل عنه مقابل المال شيء مفهوم، وذلك مقبول طالما أنّ القواعد القانونية والفنية متبعة». وسخر أحد المعلّقين بالقول: «أحدهم لم تعجبه عودة «ليالي الحلميّة»، وهو لم يكمل العشرين من عمره بعد. أيّ أنّه حين عُرض آخر جزء من العمل، كان لا يزال رضيعاً» (قبل 24 عاماً). ومن التعليقات أيضاً: «الجزء الخامس من «ليالي الحلمية» والذي كتبه أسامة أنور عكاشة بذاته، كان وحش جداً، فكيف يظنّ أيمن بهجت قمر إنه ممكن يعمل جزء سادس عِدِل؟».

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى