جـون كيـري فـي القاهـرة السبـت: مـن يستلـم «الـرسـالـة الكبـرى»؟ (وائل عبد الفتاح)

 

وائل عبد الفتاح

ـ 1 ـ
«الخطة ب»
هذا ما يسأل عنه موظفو السفارة الأميركية قبل أيام قليلة من زيارة وزير الخارجية جون كيري للقاهرة (2 آذار) في أولى جولاته، والكلام عن الخطة يخص «جبهة الإنقاذ»، ووردت الإشارة إليها بشكل عابر في اطار الجدل بشأن مقاطعة الحوار (مع الرئيس محمد مرسي) والمشاركة في انتخابات (مجلس النواب). صاحب الإشارة هو عمرو موسى الذي حاول ان يترك «مساحة جديدة» يقف فيها في موقع مختلف من المقاطعة التي كانت بالإجماع (وهذه مفاجأة لأن المتوقع كان وقوف رئيس «حزب الوفد» السيد البدوي موقفا وسطيا).
الأمر حسم سريعاً واختفى الكلام عن خطة (بديلة) في حالة موافقة الرئاسة والجماعة على بعض الشروط وليس كلها، ليحل محله الكلام عن (بدائل) للانتخابات ذاتها، أو كما ورد في تغريدة محمد البرادعي أمس: «خطة عمل لتفعيل المقاطعة وتقديم البدائل، لن نخدع الشعب بالمشاركة في ديموقراطية مزيفة أياً كانت الضغوط الداخلية والخارجية».
الضغوط الخارجية، أميركية وأوروبية، لا يمكن تفسيرها إلا على سبيل دعم نظام مرسي، أو «الإخوان» بمعنى أدق، وهو ما أصبح مستفزا للمعارضة (خارج سيطرة مرسي) إلى درجة دعوة «الجمعية الوطنية للتغيير» الى وقفة احتجاجية على زيارة كيري. وحتى الدرجة الهادئة كان بها بعض العنف حيث اعتبرت تصريحات قادة «جبهة الإنقاذ» تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأميركية عن «ضرورة خوض الانتخابات» «نوعا من التدخل في الشأن المصري»، وآخرون طالبوا الأميركيين بالضغط على أصدقائهم في الجماعة.

ـ 2 ـ
«الرسالة الكبرى»
هذا ما يحمله كيري في زيارة الساعات الـ26 للقاهرة، والتي تأتي عقب مكالمة حمّل فيها الرئيس باراك اوباما مرسي «مسؤولية حماية المبادئ الديموقراطية». في المكالمة بلغ اوباما بلغة حذرة مضمون الرسالة التي يحملها كيري وتتلخص في نقطتين:
[ تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها المعارضة بشكل حقيقي تتحمل فيه مسؤولية المرحلة المقبلة.
[ المشاركة في انتخابات البرلمان لتدعيم الشراكة بين الإخوان والمعارضة.
الرسالة للنظام والمعارضة، كما يراها صناع الموقف والقرار في واشنطن، ولا تنحاز إلا إلى «المشروعية « وتحذر من الانهيار الاقتصادي الذي لم يعد بعيدا.
وغالباً، فإن «الانهيار» هو ما يحرك الإلحاح الأميركي على «المشاركة الحقيقية للمعارضة مع السلطة»، لأنه، كما ابلغ كيري من اتصل بهم بعد قرار المقاطعة، «لا استقرار سياسياً إلا بالتوافق»، وعندها ستدعم الولايات المتحدة مصر في قرض صندوق النقد الدولي، وتضغط على الحلفاء العرب لضخ استثمارات مالية تنقذ مصر من الانهيار.
وهنا يتبدى الدور الأميركي ليس فقط كصديق دولي لنظام «الإخوان»، لكن كشريك في شركة حكم تتعرض الآن للخطر، في واحد من أهم ملاعبه الرئيسية.
شركة الحكم بين العسكر والإخوان والراعي الدولي (أميركا) تقود مصر إلى انهيار لم تصل إلى حدوده (حتى عندما كان نظام حسني مبارك على وشك إعلان الإفلاس في العام 1990). والحل بالنسبة إلى «الروشتة» الأميركية هو الدخول في حزمة الصندوق الدولي التي تبدأ بالقرض (4,9 مليارات دولار) وتتوالى بعدها منح وقروض باعتبار ان القرض «شهادة ضمان».
وهنا يتفق الأميركيون والأوروبيون على ضرورة مشاركة المعارضة (خارج حلف مرسي مع السلفيين والأحزاب الصغيرة)، حتى تتحمل مع «الإخوان» تبعات فرض شروط الصندوق، والتي ستفرض بعد الانتخابات، وسيخشى «الإخوان» وحدهم تحمل نتاجها من رفع الأسعار وزيادة الضرائب.
«الإخوان» يتصورون أنهم قادرون على عبور نفق الأزمة عبر حزمة أخرى، من بينها التصالح مع قطاعات متعددة من الجناح المالي لنظام مبارك، والهدف المباشر هو التدفق المالي.
لكن الاتصال ليس بهذه السهولة، لأن الجناح المالي يطلب ضمانات سياسية، ويشعر بالذعر من «الطبيعة القبلية « للجماعة وما تبشر به ان دائرة المصالح ستكون مفاتيحها بيد «جناح مالي» يخص الجماعة.
مسار التصالحات يتم حاليا بإدارة رجل الأعمال حسن مالك تحت إشراف خيرت الشاطر، لكنه مطالب أيضا بمبادرة سياسية لا تكرر المشهد الكوميدي للحوار الوطني أو تتصور ان حوارات مرسي التلفزيونية يمكنها ان تصنع أفقا لمستقبل بعيد عن الكارثة.
حوار منتصف الليل كشف الكثير ليس فقط للمتفرجين الذين قابلوه بوابل من السخرية، وإنما كان بالنسبة إلى رواد الغرف المغلقة الذين يبحثون عن مخرج للازمة إشارة إلى أن:
[ الرئيس يعيش معزولا ليس فقط عن العالم الخارجي، ولكن هناك معلومات محجوبة عنه.
[ الرئيس لديه سلطة خارج الجماعة تمكنه من اتخاذ قرارات خارج صندوقها الذي يحمل مفاتيحه خيرت الشاطر.
الشاطر إذاً لاعب أساسي، لكنه بلا موقع أو صفة رسمية، والاتصالات تتم معه من دون «شرعية» لوجوده (فهو ليس عضوا في «حزب الحرية والعدالة»، كما انه نائب مرشد لجماعة لم تحصل علي اعتراف رسمي ويحظر عملها منذ العام 1954). هنا تبدو «المشروعية» مبررا كافيا للدفاع عن مرسي أو الدخول في تركيبة مالية (بالنسبة إلى بقايا جناح مبارك المالي) أو سياسية (بالنسبة إلى «جبهة الإنقاذ»)، لأنه إذا كان الأمر بيد الجماعة فهذه ليست مفاوضات على تأسيس الديموقراطية، وإنما على احتلال الغرف المغلقة التي كان مبارك يدير منها الدولة.

ـ 3 ـ
«انتفاضة»
هكذا تسمي المصادر الرسمية الأميركية «الثورة» في مصر، وهكذا تتعامل معها، وهذا ما يجعل زيارة كيري محاولة لتكريس الوضع القائم: «شركة الحكم» التي تحسن الدور المصري بعد إزالة «المومياء» مبارك.
المطلوب هنا تغيير فاعلية الدور من حالة الركود إلى مزيد من الفعالية، وهذا لا يستدعي سوى بعض الجهد القليل لإعادة ترتيب المناخ ليكون الرئيس فعالا كما بدا في الموقف من إيران، التي لم يعطها مرسي شيئا في زيارة نجاد الأخيرة، كما ان مرسي في زيارته السابقة لطهران فاجأ اوباما بما هو أفضل، على حد تعبير الصحافي المقرب من دوائر صناعة القرار الأميركي في الشرق الأوسط طوماس فريدمان، وذلك في لقاء مع قناة «الحياة» المصرية.
إشارات فريدمان هنا:
[ مطلوب من مصر لعب دور تجاه إيران.
[ إيران قوة مدمرة.
[ كان هناك تخوف من موقف مرسي وجماعته، إلا ان التخوف تحول إلى إعجاب عندما رفض طلب نجاد رفع درجة التمثيل إلى مستوى السفارة.
تصر واشنطن هنا على توصيف المشهد كي يخدم «شركة الحكم»، فتعتبر ان ما حدث في مصر ليس سوى انتفاضة، وتصر على وصف «المعارضة والنظام» لتؤكد أننا أمام «وضع مستقر» وليس مرحلة انتقالية.
وهذا يحقق هدف الشركة، الذي ربما تراه أميركا على لسان اوباما «حماية مبادئ الديموقراطية»، لكنه في الواقع ليس سوى إعادة بناء «دولة الاستبداد بالصناديق»، لأن مرسي بالإعلان الدستوري (تشرين الثاني 2012) لعب دور قائد «تطوير» نظام مبارك على طريقة الأطوار التي يدخلها فيروس الانفلونزا ليعيش ويتخفى في أشكال وأقنعة تحافظ علي فعاليته. أميركا تريده فعالا، وهذه هي الرسالة الكبرى التي سينقلها كيري عبر ثلاثة لقاءات ستتم يوم وصوله مع مجموعات هي:
[ رجال أعمال.
[ قادة سياسيون.
[ نشطاء مجتمع مدني.
اللقاء مع القادة السياسيين، بحسب برنامج السفارة، سيستغرق 45 إلى 50 دقيقة، ولأن الدعوات وجهت الى ما يقرب من 12 شخصية فهذا يعني انه مجرد لقاء «تعارف»
عمرو موسي وحده الذي اعتذر عن اللقاء (لارتباطه بموعد سابق)، بينما البرادعي وحمدين صباحي لم يردا حتى الآن، بينما وافقت الأطراف الأخرى (ليس بينها «إخوان» أو سلفيون، لكن من بينها رواد حوارات مرسي مع نفسه).
يوم لقاء المسؤولين سيتضمن لقاء مع مرسي وكل من وزير الخارجية ووزير الدفاع.
من سيكون المستقبل الجيد لرسالة أميركا؟ وماذا تتوقع واشنطن من «الخطة B أو من بدائل الجبهة؟ هل يستطيع كيري ان يدرك المتغيرات التي صنعتها حركة الشارع وغيرت بها أحجام الكيانات التي اعتمدتها إدارته في «شركة الحكم»؟

ـ 4 ـ
لن تكون نزهة في الحديقة.
وصف الـ«فورين بوليسي» لعودة الجيش التي تحولت الآن من العاب في الخفاء إلى قصص درامية، لخصها مرسي في حوار منتصف الليل بكلمة واحدة: «أحب القوات المسلحة».
وكأن هذا يكفي عند المنتظرين إنقاذا من الجيش، والذين غادروا موقع الفرجة وصنعوا خطوات أولاها كانت تظاهرة تنادي باستلام الجيش السلطة حفاظا على امن مصر القومي. أما الخطوة الأكثر جدلا فقد كانت تبني حملة توكيلات في الشهر العقاري ليتولي الفريق عبد الفتاح السيسي قيادة البلاد. الحملة بدأت في بور سعيد واضطرت مكاتب الشهر العقاري لإغلاق أبوابها نتيجة للازدحام.
بور سعيد اعتبرت نفسها «مستقلة « لا يحكمها محمد مرسي، وهذا ما دفع ببعض القطاعات إلى رفع لافتات مطالبة بحكم «العسكر» بالرغم من انه الوصف الذي يثير شبق قادة الجيش.
تكرر نفي علاقة القوات المسلحة بالتوكيلات، على لسان قادة الجيش والمتحدث باسمه.
التوكيلات تسحب المشروعية، كما يرى منظمو الحملة، الذين يواجهون برفض من جانب قطاعات ثورية وسياسية، ترى أن عودة العسكر هزيمة للثورة التي يبدو أنها، برغم كل شيء، ما زالت الدافعة بالنسبة إلى الجميع للتحرك.
«فورين بوليسي» تقول ان قادة الجيش تعلموا من تجربة المشير حسين طنطاوي الفاشلة، لكن الواقع يقول ان عودة العسكر صعبة لأنها ستضع الى جانبه مواجهة فشله السابق مضافا إليه فشل الإخوان. كما انه بعد ميراث الغضب مع الثورة فقد أسطورته، وهذا ما يدركه الجيش وأجهزة رصده بشكل ما ويجعلهم يديرون موقفهم على أنه «معركة أحجام « شركة الحكم.
الجيش يريد العودة إلى حجمه القديم ، بينما «الإخوان» يريدون حجما اكبر لهم لتدعيم مشاعر انتصار «قبيلتهم.». وهنا تستخدم أسلحة البالونات المتفجرة، حيث تحمل الأخبار شحنات تنفجر وتدمر جزءا من صورة الشريك/المنافس.
والاخبار العجيبة في هذه الحرب تتحول فورا إلى قضايا أو حقائق، فتنتشر فيديوهات عن إلقاء الجيش القبض على عناصر من كتائب القسام، وبالتدقيق يمكن اكتشاف ان الفيديو مصور في العام 2011 لعملية قبض على عناصر هاربة من السجن وتنتمي إلى حماس (أفرج عنهم مرسي بعد ذلك).
والرد من «الإخوان» يأتي عبر حكايات صعدت من مستوى النميمة إلى صدر الصفحات الأولى، ويروي فيها قيادي «إخواني» قصة قتل جنود الحدود في رفح على أنها فخ من صنع المجلس العسكري لمرسي هرب منه وأطاح بسببه المشير طنطاوي والفريق سامي عنان.
القصص الخرافية لها جمهور يصدقها، يعيش بين سحاباتها ويغرق في تفاصيلها المثيرة حتى لو كانت تنتمي إلى عالم خيالات السيرك الشعبي.

ـ 5ـ
تأجير الأهرامات وأبو الهول….
هي احدى روايات السيرك الشعبي المنصوب على هامش الصراع بين تحالف إعادة بناء نظام الاستبداد وبين الثورة. الرواية جذابة ومؤثرة وتتضمن كل عناصر التشويق والإثارة: تأجير الآثار، وعرض بـ200 مليار دولار في خمس سنوات، وطبعا قطر كلمة السر الهستيرية خلف كل الروايات من هذا النوع، بداية من قناة السويس وحتى تأجير الآثار الذي نشر في صحف امس على انه حقيقة كاملة، وذلك لأنه خلال سبعة أشهر فقط، تحول كل ما كان يوصف على انه هواجس (أو فانتازيا سياسية أو كوميديا سوداء) وكأنه واقع.
قصة التأجير تتعلق حتى الآن باقتراح إلى وزارة المالية من شخص اسمه (عبد الله محمد محفوظ) ويصف نفسه بأنه «مفكر موقع الكتاب المنير».
الاقتراح هو تأجير الآثار المصرية لسد عجز الخزانة العامة. والمدهش ان صاحب الاقتراح حدد رقم الـ200 مليار دولار كقيمة إيجارية لمدة خمس سنوات.
وهو نوع من اقتراحات يمكنها ان تنهال من أشخاص يتصورون ان اقتراحاتهم الساذجة أو طريقتهم في إدارة بيوتهم تصلح لإدارة دولة. وعادة ما يتم إهمال المقترح بشكل تلقائي إلا ان وزير المال المتخصص في الاقتصاد الإسلامي، و«الإخواني» الهوى، وجد ما يجعله يحيل الاقتراح على وزارة الآثار التي رفضت، بحسب مذكرة موثقة، لأن «الآثار من الأموال العامة التي لا يجوز التصرف بها مقابل حق الانتفاع العام».
انتهت القصة بمذكرة الرفض، لكن لم ينته المناخ الذي جعل وزير المال يوافق على الفكرة، وإلا فلماذا مررها؟ ثم ينتقل نزق مواطن إلى مؤامرة سياسية؟ والأدهى ان احتمال ان يكون ذلك مجرد «جس نبض» ليس بعيدا، وان هناك في الدوحة من يحمل في يده فعلا عقد عمل سيصل إلى «أبو الهول» قريبا.

صحيفة السفير اللبنانية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى