جملة اعتراضية حوار بين شاب ثوري ومواطن طيب (علاء الاسواني)
علاء الاسواني
تم الحوار بالصدفة. كان الشاب الثوري جالساً على مقهى في وسط البلد وقد وضع على المائدة أمامه لافتات تحمل شعارات سياسية، وعلى المائدة المجاورة جلس رجل خمسيني أصلع، راح يشرب الشاي بالنعناع ويدخن الشيشة في تلذذ واضح.. تطلع الرجل الى الشاب ثم سأله بأدب:
ـ لا مؤاخذة.. ممكن أعرف إيه اللافتات دي؟
ـ دي لافتات حنرفعها يوم الجمعة 25 كانون الثاني في التظاهرات، بمناسبة الذكرى الثانية للثورة.
ـ هو أنت من شباب الثورة؟
ـ أنا واحد ضمن عشرين مليون مصري قاموا بالثورة.
ـ بصراحة أنا ماشتركتش في الثورة. تفرجت عليها في التلفزيون. أنا واحد من اللي بيقولوا عليهم حزب «الكنبة». كنت ضد مبارك طبعاً وفرحت لما تنحى، لكن عمري ما مشيت في تظاهرة.. بأقولك إيه يابني مش كفاية علينا تظاهرات؟ إحنا عاوزين استقرار. عاوزين عجلة الإنتاج تدور.
ـ الاستقرار لا يمكن أن يحصل إلا لما الناس يحسوا بالعدل، ثم ان التظاهر السلمي من حقوق الانسان. كل الدول الديموقراطية فيها تظاهرات يومياً واقتصادها لم يتأثر. نظام «الإخوان» زي نظام مبارك بيرمي فشله على شماعة التظاهرات.
ـ طيب ممكن تقول لي الهدف من تظاهرات يوم الجمعة؟
ـ سنتظاهر، لأن شيئاً لم يتغير بعد عامين من الثورة، بل على العكس تغيرت أشياء كثيرة الى الأسوأ. حكم «الإخوان» زي نظام مبارك. نفس الاستبداد والظلم والقمع والغلاء والفقر والبطالة.. الاعتداء على القضاء ومحاولة استغلاله. إرهاب الكتاب والصحافيين ومحاكمتهم بتهم زائفة مثل إهانة الرئيس وازدراء الأديان. المحاكمات العسكرية للمدنيين. الاعتقال والتعذيب في الأقسام. هات لي شيء واحد تغير عن أيام مبارك.
ـ لكن الرئيس مرسي بقى له ستة اشهر فقط في الحكم وهو بيقول اصبروا واعطوني فرصة.
ـ إسمع يا حاج. الإنسان لما يوعد مش المفروض يوفي بوعده؟
ـ طبعاً.
ـ لو أنا وعدتك عشر مرات وكل مرة أخلف وعدي. هل لو وعدتك بعد كده تصدقني؟
ـ لا طبعاً لو صدقتك أبقى عبيط.
ـ أهو أنت قلت بنفسك. الشعب المصري مش عبيط. على فكرة، أنا في الانتخابات الرئاسية برغم أني ضد «الإخوان» عصرت على نفسي ليمونة وانتخبت مرسي ضد شفيق. قلت لنفسي «الإخوان» مهما كانت عيوبهم، حيبقوا أرحم من نظام مبارك، لكن للأسف طلعوا الاتنين حاجة واحدة. كنت أتمنى إن الرئيس مرسي يكون كما وعد رئيساً لكل المصريين لكنه أثبت أنه رئيس لـ«الإخوان» فقط وبقية المصريين لا يهمونه في قليل أو كثير.
ـ «الإخوان» بيقولوا لازم ننتظر أربع سنوات قبل ما نحكم على الرئيس مرسي.
ـ بص يا حاج. افترض إني اتفقت معك إني أوصلك بسيارتي الى الساحل الشمالي ثم أخذتك في الاتجاه العكسي الى طريق الصعيد. هل ضروري إنك تنتظر لغاية لما نوصل الصعيد عشان تعترض؟
فكر الرجل قليلاً ثم قال:
ـ لا طبعاً. لازم أطلب منك ترجعني فوراً لطريق الساحل اللي اتفقنا عليه يا إما تنزلني من السيارة.
ـ هيَّ دي حالة مصر بالضبط.. مرسي بدل ما ينفذ وعوده بينفذ تعليمات مكتب الإرشاد وهو غير مهتم بأي حاجة إلا مصلحة «الإخوان». مرسي يعمل على تمكين جماعته من الدولة بحيث يستحيل بعد ذلك خلعهم من الحكم. لا يمكن أن ننتظر أربع سنوات حتى يتم تنفيذ مخطط مكتب الإرشاد. إما أن يعدل مرسي أو يرحل.
ـ ما تنساش إنه رئيس منتخب.
ـ صحيح الرئيس مرسي منتخب لكنه أخلَّ بشروط انتخابه. أنت تنتخب الرئيس وفقاً للقانون، فإذا جاء هذا الرئيس ودهس القانون بقدمه وحصن قراراته ضد القانون وسمح بحصار المحكمة الدستورية العليا حتى لا تصدر أحكاماً ضد اللجنة التأسيسية الباطلة التي شكلها، إذا فرض الرئيس المنتخب علينا نائباً عاماً بالمخالفة للقانون، وإذا طلب هذا النائب العام من المحامي العام حبس مواطنين أبرياء حتى لا يحرج الرئيس، يبقى نثق إزاي في النائب العام أو في الرئيس نفسه؟ إذا فرض الرئيس على الشعب دستوراً لا يمثل إلا جماعة «الإخوان» عن طريق استفتاء مزور.. إذا فعل الرئيس المنتخب كل ذلك فلا بد أن يفقد شرعيته قطعاً، لأن الشرعية مستمدة من احترام القانون والحاكم عندما يهدر القانون يبقى غير شرعي.
ـ ممكن أسألك سؤال وما تزعلش مني؟
ـ تفضل.
ـ هو انت علماني شوية؟
ـ قصدك إيه بالضبط بكلمة علماني؟
ـ بصراحة إمام الجامع اللي باصلّي فيه بيقول إن كل اللي بيعارضوا الرئيس مرسي من العلمانيين الرافضين لشرع الله وأعداء الإسلام.. بس أنت شكلك ابن حلال.
ابتسم الشاب وقال:
ـ إذا كان المسلمون الأوائل انتقدوا تصرفات عمر بن الخطاب وأبي بكر، رضي الله عنهما، يبقى إحنا مش من حقنا نعارض مرسي. كلمة علماني معناها فصل الدين عن السياسة، يعني ممكن تبقى علماني ومسلم ملتزم. حضرتك طبعاً تعرف سعد زغلول ومصطفى النحاس وجمال عبد الناصر؟
ـ دول زعماء مصر العظام.
ـ كلهم كانوا علمانيين. مش معنى كده إنهم ضد الدين، بالعكس كانوا بيعتزوا بإسلامهم لكن كان رأيهم إننا لا يمكن نبني دولة ديموقراطية حديثة على أساس ديني.
سكت الرجل وبدا عليه التفكير بينما قال الشاب:
ـ إحنا الحمدلله مسلمين، ونريد تطبيق شرع ربنا، لكن المصريين ما كانوش كفار قبل ما يحكمهم «الإخوان». معظم القوانين الموجودة في مصر مطابقة للشريعة الإسلامية، وهذا رأي وزير العدل أحمد مكي وهو ينتمي فكرياً الى «الإخوان» المسلمين، بالإضافة الى أن «الإخوان» هدفهم الأساسي السلطة وليس الشريعة.
ـ إزاي؟
ـ فيه مشروع اسمه الصكوك الإسلامية سمعت عنه؟
ـ بصراحة ما ركزتش فيه.
ـ «الإخوان» عاوزين يؤجروا مصر مفروشة. أي واحد أجنبي يدفع يبقى من حقه يمتلك أي شيء في بلدنا، حتى لو كان السد العالي أو قناة السويس.
ـ يا نهار إسود!
هكذا هتف الرجل بانزعاج وشرح له الشاب مشروع الصكوك الإسلامية ثم قال:
ـ مشروع الصكوك الإسلامية رفضه مجمع البحوث الإسلامية وأكد أنه مخالف للشريعة، ومع ذلك «الإخوان» مصممون على تنفيذ المشروع بالرغم من مخالفته الشريعة. يبقى «الإخوان» يهمهم تطبيق شرع الله؟
ـ أعوذ بالله. بصراحة أشكرك لأنك شرحت لي الوضع. فعلاً المفروض تحاولوا بكل طريقة توقفوا المشروع ده لأنه خطير. إزاي نبيع بلدنا ياناس؟
ـ الصكوك الإسلامية واحدة من كوارث كتيرة عملها حكم «الإخوان» في ستة أشهر… «الإخوان» اعتدوا على حقوق المصريين وفرضوا عليهم دستور المرشد بالعافية عن طريق استفتاء مزور. بعد عامين من الثورة، لسه المصريين بيموتوا في القطارات، والعمارات بتقع عليهم لأنها بدون ترخيص، لسه بيتحاكموا عسكرياً وبيتعذبوا في الأقسام.. لسه المصري في الخارج مالوش قيمة ولا كرامة.. نجلا وفا، وأحمد الجيزاوي وغيرهم كثير اتحبسوا واتجلدوا ظلم في السعودية. مرسي قلب الدنيا عشان 11 إخواني اعتقلوا في الإمارات بينما المعتقلون المصريون في كل دول الخليج ولا بيسأل عنهم مرسي ولا بيعمل لهم حاجة.
ـ لماذا لا تغيرون حكم «الإخوان» عن طريق الانتخابات؟
ـ أي انتخابات ديموقراطية في العالم لها شروط من أهمها الشفافية وتكافؤ الفرص.. أين هي الشفافية و«الإخوان» والسلفيون ينفقون الملايين أثناء الانتخابات من أموال مجهولة المصدر، وهم يرفضون خضوع ميزانيتهم لإشراف الدولة. إذا لم نعرف من أين ينفق «الإخوان» والسلفيون فلا شرعية لأي انتخابات ثم أي انتخابات هذه التي تجري وفقاً لقانون يضعه مجلس الشورى الباطل بناء على تعليمات مكتب الإرشاد؟
ـ يعني أنت رأيك نقاطع الانتخابات؟
ـ لقد أعلنا عن شروط لنزاهة الانتخابات لو لم تتحقق سنقاطعها.
ـ كلامك مقنع لكن تفتكر إن التظاهرات ممكن تجيب نتيجة؟
ـ التظاهرات دي هي اللي خلعت مبارك وحاكمته ووضعته في السجن.
ـ يعني إنتم عاوزين تخلعوا مرسي؟
ـ إحنا عاوزين حقنا. حقنا نعمل دستور يعبر عن المصريين كلهم. حقنا إننا نتعامل بكرامة واحترام. حقنا إن يكون فيه عدل وحرية. حنستمر في الثورة لغاية لما نحقق أهدافها. لازم مرسي يحترم الشعب المصري ويلغي الدستور المشوه ويعطي المصريين حقهم في كتابة دستورهم. أما إذا رفض مرسي ذلك فلا بد أن يرحل.
سكت الرجل المسن وتأمل الشاب لحظة ثم قال بود:
ـ إنت عندك كم سنة؟
ـ عندي 28 سنة وخريج هندسة القاهرة قسم مدني دفعة 2007.
ـ طيب يابني إنت شاغل نفسك في التظاهرات والاحتجاجات وبتعرض نفسك للخطر. ممكن تنضرب أو تموت، لا قدّر الله، أو على الأقل يعتقلوك ويعذبوك.. ما فكرتش إنك تسيبك من وجع القلب ده وتشوف لك عقد عمل في الخليج. تروح هناك تكسب وتكوّن نفسك وترجع بعد كم سنة تعيش ملك؟
ابتسم الشاب بحزن ثم نظر بعيداً كأنما يبحث عن كلمات مناسبة وقال:
ـ بص ياحاج أنا اشتركت في الثورة من أول يوم وشفت الشباب بيموت جنبي. أنا شلت على كتفي ده شهداء وشفت ناس كثير فقدوا عيونهم من الخرطوش.. كان القناصة بيضربونا بالرصاص. دائرة «الليزر» كانت بتلف علينا وكل مرة تقف تنطلق رصاصة في دماغ واحد منا ويقع وسطنا. أنا كان ممكن أموت في أي لحظة، لكن ربنا أراد للشهداء إنهم يموتوا، وسابني عايش لأجل أقوم بالمهمة اللي استشهدوا من أجلها .الشهداء ماتوا وهم بيحلموا بالعدل والحرية والكرامة وأنا حاستمر في الثورة لغاية لما حقق حلمهم.
ساد الصمت لحظة ثم قال الرجل المسن:
ـ بصراحة إنت وزملاؤك شباب شجعان وعندكم حق تتظاهروا.
ـ إذا كنت مقتنع بكلامنا يبقى تنزل معنا يوم الجمعة.
ـ أنا عمري ما مشيت في تظاهرة.
ضحك الشاب وقال:
ـ ولا يهمك. إنزل معي التظاهرة وأنا حاخلي بالي منك
ضحك الرجل والشاب وراحا يتفقان على موعد ومكان اللقاء في تظاهرات الجمعة.
الديموقراطية هي الحل
صحيفة المصري اليوم