جملة اعتراضية| طريقنا إلى الأخلاق الحميدة (علاء الأسواني)

 

علاء الأسواني

إذا كنت والداً لابنة شابة، فلا شك أنك تخاف عليها وتراودك هواجس عن احتمال تورطها سراً في علاقة مع شاب يخدعها وقد تتخيله وهو يحتضنها ويقبلها وربما يفعل معها ما هو أسوأ. ماذا تفعل لحماية ابنتك؟ هناك طريقتان. الطريقة الأولى أن تراقب ابنتك بإحكام فلا تترك شاردة أو واردة عنها إلا وتعرفها، أن تفتح تليفونها المحمول وهي نائمة وتقرأ رسائلها، أن توصي السائق والخادمة لكي يخبراك أولاً بأول بما تفعله، وألا تسمح لها بالخروج إلا بصحبة أخيها أو أمها حتى تضمن أنها لن تتورط في أي فعل مشين. هكذا تطمئن على ابنتك، لكنها طمأنينة خادعة، فسيكون بإمكانها دائماً اذا أرادت، أن تفلت من رقابتك وتفعل ما يحلو لها. هناك طريقة أخرى وهي أن تحسن تربية ابنتك وتعمل على تنمية ضميرها ثم تمنحها الثقة بحيث لا تخاف من بطشك وإنما من فقدانها لثقتك. بعد ذلك، اترك ابنتك تختلط بالمجتمع، واعلم أنها ستكون محصنة ضد الغواية، لأن تمسكها بالفضيلة ينبع من داخلها وليس مفروضاً عليها من الخارج.
علاقة الحاكم بالشعب تشبه علاقتك بابنتك. الرئيس الديموقراطي يعتبر مواطنيه قادرين على اتخاذ القرارات الصحيحة وهو يحترم إرادتهم ولا يفرض عليهم شيئاً، أما الديكتاتور فهو لا يثق أبداً في قدرة مواطنيه على التمييز، مهما تكن درجة تعليمهم أو خبرتهم في الحياة، وبالتالي يمارس عليهم الوصاية، لأنه يؤمن أنه يعرف ماذا يفيدهم وماذا يضرهم أكثر منهم.
منذ أيام فوجئ المصريون برئيس الوزراء ابراهيم محلب يصدر قراراً غريباً بمنع فيلم «حلاوة روح» بطولة هيفاء وهبي وسحْبه من دور العرض برغم أن الفيلم أجازته الرقابة. القضية هنا ليست في قيمة الفيلم الفنية. القضية أن يتدخل رئيس الوزراء مهما تكن الأسباب. لكي يمنع فيلماً من العرض. ابراهيم محلب مهندس مشهود له بالكفاءة، لكنه سياسياً تخرج في مدرسة مبارك، فقد كان عضواً معيناً في مجلس الشورى، وعضواً في لجنة السياسات التي أنشئت بهدف توريث الحكم من مبارك لابنه جمال. لا يخفي محلب انتماءه لدولة مبارك، حتى انه ذهب ليهنئ البابا تواضروس بعيد القيامة المجيد، فاصطحب معه اثنين من رموز الحزب الوطني هما على المصيلحي وزير التضامن وحمدي زقزوق وزير الأوقاف في عهد مبارك. قرار محلب بمنع فيلم «حلاوة روح» يتشابه مع قرارات مبارك فيما يلي:

أولا: العشوائية:

قرر السيد محلب منع الفيلم مع انه لم يشاهده أساساً، لكنه استجاب لشكوى من مسؤولة عن جمعية لرعاية الطفولة طالبت بمنع الفيلم، لأن بطله طفل يتلصص في مشهد على امرأة عارية. وكأن منع الفيلم سيوفر المأوى والحياة الكريمة للملايين من أطفال الشوارع. ليس من حق رئيس الوزراء أن يمنع أي فيلم ولا يجيزه ولا حتى يقيّمه فنياً، فهو ليس ناقداً سينمائياً ولا مخرجاً ولا كاتباً.. هذا القرار العشوائي لمحلب يذكرنا بقرار عشوائي شهير اتخذه مبارك ذات يوم عندما أمر بقتل كل الخنازير، في مصر اعتقاداً منه أنه بذلك سيقضي على انفلونزا الخنازير، مع ان هذا المرض لا علاقة له بالخنازير، كما ان مبارك ليس متخصصاً في أمراض الفيروسات ولا طبيباً بيطرياً لكي يقترح علاجاً لانفلونزا الخنازير لكنه ـ مثل محلب الآن ـ يعتبر من حقه ان يصدر قرارات نهائية في أي مجال ويفرضها على المتخصصين مهما تكن خاطئة. قرار محلب تسبب في مهزلة مماثلة، فسرعان ما تقدم مواطنون عديدون بطلبات للسيد محلب لكي يمنع مسلسلا تلفزيونياً وفيلماً من العرض، مع أن العملين حاصلان على موافقة الرقابة، ويبدو أنه من الآن فصاعداً سيتحتم على أي روائي أو سينمائي أن يطلب مقابلة رئيس الوزراء حتى يعرض عليه روايته أو فيلمه خوفاً من أن يصادرهما في أي لحظة.

ثانياً: الوصاية

قال السيد محلب: لقد أوقفت الفيلم بدافع الضمير والوطنية..
المعنى هنا أن السيد محلب أكثر وطنية وضميراً من صناع الفيلم وكل العاملين في جهاز الرقابة الذين أجازوا عرضه. واذا كان السيد محلب حريصاً الى هذه الدرجة على الأخلاق الحميدة فلماذا لا يتدخل ليمنع الاعتقالات العشوائية والتعذيب الذي وثقته تقارير عديدة؟ لماذا لا يتدخل ليمنع وصلات الشتائم واتهامات العمالة في وسائل الإعلام الرسمية لكل من يعارض السلطة الحالية؟ لماذا لا يمنع البرامج التي تذيع مكالمات شخصية للمعارضين بغرض التشهير بهم بواسطة أجهزة الأمن؟ ماذا فعل السيد محلب من أجل القضاء على وباء التحرش الجنسي الذي يشكل إهانة للمرأة المصرية أكثر بكثير من فيلم «حلاوة روح»؟ هل سيؤدي منع هذا الفيلم الى منع التحرش والإسفاف الإعلامي والتعذيب.

ثالثاً: إلهاء الرأي العام

60 في المئة في المصريين يعيشون من دون صرف صحي وثلث سكان القاهرة يعيشون في عشوائيات، كما أن أكثر من نصف سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر، اذ ينفق كل واحد فيهم على أسرته أقل من 10 جنيهات يومياً. أي أن أربعين مليون مصري على الأقل يعيشون في فقر مدقع وظروف غير آدمية. ماذا فعل السيد محلب من أجل هؤلاء؟ أضف الى ذلك الحرب الشرسة التي تخوضها الدولة المصرية ضد جماعات الإرهاب حيث يسقط يومياً شهداء من الجيش والشرطة، كنت أظن أن رئيس الوزراء سينشغل بهم أكثر من انشغاله بفيلم هيفاء. الاقتصاد في حالة سيئة والسياحة تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة، وهناك أزمة طاحنة في الكهرباء بسبب قرار مبارك بتصدير الغاز لإسرئيل إرضاءً لها لكي تدعم مشروع التوريث. وبدلا من ان يحاول السيد محلب إيجاد حلول لهذه المشكلات الكبرى فإنه يصطنع في ما يبدو موضوعاً لإلهاء الرأي العام فيقرر منع فيلم «حلاوة روح» لينقسم الناس الى مؤيدين لهيفاء ومعترضين عليها، فيستغرقون في هذا الجدل العقيم وينسون البؤس الذي يعيشون فيه. هذه أيضاً طريقة مباركية بامتياز ولعلنا نذكر كيف كانت دولة مبارك، بغرض إلهاء الرأي العام، تحشد الجماهير قبل مباريات كرة القدم مع الفرق الأجنبية فتردد وسائل الاعلام الأغاني الوطنية والكلمات الحماسية عن حب مصر حتى يبدو الأمر وكأننا مقبلون على حرب وليس مجرد مباراة رياضية.
السؤال هنا: هل يعتقد رئيس الوزراء حقاً أنه بهذا القرار قد منع الناس من مشاهدة الفيلم؟ لو أنه دخل الى «الإنترنت» سيكتشف أن الفيلم يشاهده الآن مئات الألوف، بينما هو لم يحقق في دور العرض نجاحاً كبيراً. بعد ثورة الاتصالات لم يعد ممكناً منع أي فيلم من العرض، كما أن الرقابة على السينما أساساً ليست إلا جهازاً استبدادياً يتظاهر بالمحافظة على الأخلاق والدين، بينما هدفه الحقيقي منع المبدعين من نقد النظام حتى يستقر الحكم للديكتاتور. الرقابة على السينما فكرة فاشية تعتبر أن الرقيب، كالأب مع أطفاله الصغار، يعرف ما يناسب المواطنين من أفلام أكثر منهم. في الدول الديموقراطية لا وجود للرقابة على السينما، هنا سيحتج كثيرون ويطرحون السؤال الخالد: ماذا نفعل بالأفلام الإباحية وكيف نحمي المراهقين من إثارة الغرائز؟
أرجو أن نحذو حذو الدول المتحضرة التي تنشئ ما يسمى بمجلس الفنون، وهو يضم في عضويته مجموعة من كبار الفنانين والمثقفين. هؤلاء يقرأون مشروعات الأفلام والمسرحيات ويقيمونها من الناحية الفنية فيرفضونها أو يجيزونها للعرض العام. بعد إجازة الفيلم لا يحق لأحد منعه حتى لو كان رئيس الجمهورية ويظل من حق أي مواطن إذا رأى في الفيلم ما يخالف القانون أن يلجأ الى القضاء من أجل إيقاف عرض الفيلم بحكم المحكمة. إن تطبيق نظام مجلس الفنون يعهد بتقييم الأفلام الى المتخصصين ويحمي حرية التعبير ويخلص المجتمع مرة واحدة وإلى الأبد من الأفلام الهابطة. لماذا لا نطبق هذا النظام في مصر. اذا أراد السيد محلب المحافظة على الأخلاق الحميدة فليمنع التعذيب والاعتقال وليفرض ضرائب تصاعدية على الأثرياء ويربط الحد الأدنى بالأجور في الدولة بالحد الأقصى، وليستغن عن مستشاري الوزراء الذين يقبضون الملايين وليلغ الصناديق الخاصة ويضم المليارات التي فيها الى خزينة الدولة وليرفع الدعم عن المصانع التي تبيع منتجاتها بالسعر العالمي بينما تحصل على الكهرباء والغاز والمياه بأسعار مدعومة من أموال الشعب. عندئذ ستتوفر للدولة موارد تغنيها عن الاستدانة وتكفل حياة آدمية لملايين الفقراء. هكذا يجب أن يحافظ رئيس الوزراء على أخلاق المصريين بدلا من أن يشغل نفسه بمنع هيفاء وهبي من الظهور على الشاشة.
الديموقراطية هي الحل

صحيفة المصري اليوم

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى