جنيف والحل السوري: لعبة المكعبات الملونة!

خاص
عندما تكتب عن الحل في سورية، عليك أن تسأل السوريين عن رأيهم بما يحصل، ولكي تتعرف على أكبر مساحة من الرأي، عليك أن تمارس أقصى درجات الصبر وضبط النفس، فالحل كما يراه السوريون، يشبه لعبة المكعبات الملونة ((Puzzle Game)) التي يحاول صاحبها ترتيب ألوانها طيلة النهاروفق عدد لاينتهي من الاحتمالات ، لكن السأم والعجز يجعله يرميها بعيدا دون أن يحقق أي نتيجة!
المحاولة بسيطة : إسأل جارك أو قريبك أو حتى زوجك . قل له :
ــ هل ستحل الأزمة السورية ؟!
وهكذا فعل أحد الصحفيين، وكان الجواب سؤالا كبيرا يقول : هل تستطيع حل لعبة المكعبات الملونة ؟!
وبين لعبة المكعبات والسياسة خيط رفيع ، نشأ هذا الخيط من تفاصيل حرب السنوات الخمس التي أسفرت عن دمار كبير وعن مئات الألوف من القتلى والجرحى وملايين المهاجرين والمشردين !
أقلع الصحفي عن السؤال !
هي إذن نوع من صدمة التاريخ تجاه الحل حيث الأمل مفقود بالمقارنة مع المعطيات المتوفرة لأن العقبات التي تعترض الحل أكبر بكثير من الراغبين فيه ! عدد على أصابعك تفاصيل المعادلة ، كما يقول لي محلل سياسي أقلع عن الظهور: تركيا ــ السعودية ــ قطر ــ أميركا ــ روسيا ــ فرنسا ــ إيران ــ حزب الله ــ العراق ــ إسرائيل ــ داعش ــ النصرة ــ الجيش الحر ــ وعدد لا ينتهي من المجموعات المسلحة تتوزع على الجغرافيا السورية ..
ويضيف المحلل السياسي:
عليك أن تجد قاسما مشتركا بين المعطيات، وتبحث عن جواب لسؤال لابد منه : من الذي يقبل الهزيمة، وبلا هزيمة لأحد الأطراف لايأتي الحل السوري !
في الصحافة، والتحليل اليومي الذي ينشر هناك ثلاثة معطيات جدية أمام الحل :
ــ الرغبة الأمريكية والروسية .
ــ توازن القوى على الأرض ، وملامح تراجع إقليمي ..
ــ الإجماع الشعبي علىى الرغبة في الخلاص من الحرب!
هي معادلة بثلاثة مجاهيل ، وبالإمكان استبدالها بمعطيات للوصول إلى النتيجة، فقد أعلنت أمريكا أنه يجب وقف الحرب في سورية، وأعلن الروس أن مايقومون به في سورية هو حرب ضد الإرهاب، وأن ذلك من صلب الأمن القومي الروسي، وأعلنت إيران أن الشعب السوري هو من يقرر الحل الذي يناسبه، وبعد أخذ ورد وشهور من العمليات العسكرية والتهديدات الاقليمية تراجع كل شيء ، وظهرت معطيات جديدة أغلبها اقليمي ، وهذا شيء على غاية الأهمية ..
تراجع كل شيء، وكأن الحل أصبح حقيقة يجب الاقتراب منها، مع أن الاقتراب منه يحرق اليدين، كما هو الحال في الابتعاد عنه، أي يعني القبول باستحقاقاته . وهاهي الجولة الثانية لجنيف وقد استبق وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم انطلاقتها ، بتحذير المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا من «الفشل» إذا خرج عن «الحيادية والموضوعية» بعدما شدد المعلم على أن الأخير «لا يحق له تحديد جدول أعمال المحادثات» وخاصة بحث مصير الرئيس بشار الأسد، واصفاً وزير الخارجية السعودي بأنه «تافه».
وعن المرحلة الانتقالية التي يسعى إليها الفريق الآخر، شرح المعلم مفهوم الحكومة السورية قائلا : «هي الانتقال من دستور قائم إلى دستور جديد ومن حكومة قائمة إلى حكومة فيها مشاركة من الطرف الآخر أما مقام الرئاسة فهو ملك للشعب السوري حصراً».
ومع ذلك عبر المعلم عن تفاؤله باقتراب إيجاد حل للأزمة اعتماداً على «إنجازات قواتنا المسلحة وعلى المصالحات الجارية ودور محور المقاومة وليس اعتماداً على ما سينجز في جنيف». وشدد المعلم على ضرورة أن تشمل المحادثات «أكبر شريحة من المعارضات»، ومشاركة الأكراد ، ونقلت صحيفة الوطن السورية عن دي ميستورا، قوله إنه قرر بنفسه أن يبدأ يوم الغد ((14 آذار)) العد العكسي للأشهر الـ18 اللازمة لتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية «كما اعتبر أن بدء المحادثات دون إشراك الأكراد «سيكون دليل ضعف من الأسرة الدولية» وانتقد معارضة تركيا لإشراكهم..
الإعلام العربي، كان ينقل على مدار الساعة وجهات نظر الوفد الآخر للتفاوض الذي سيكون في مقابلة الوفد السوري ، فالموقف معاكس تماما لما قاله المعلم ، مفهوم المرحلة الانتقالية عندهم هو ترتيب استلام السلطة على النحو الذي يرسمه المجتمع الدولي.
بين هذين الخندقين يمتد المدى الذي ينظر إليه السوريون ، فهل هم فعليا قادرون على تقريب المكعبات الملونة من بعضها البعض أم أنهم سيرمون اللعبة جانبا ويعودون لمعايشة الحرب الرهيبة ؟!
إن آخر ما تستخلصه من سؤال الناس هو الدعاء..
وغالبا ما يلجأ المؤمنون للدعاء عندما تكون المسألة مستعصية !