في إطار المرحلة الخامسة من اتفاق الهدنة المبرم بين دولة الاحتلال وحركة «حماس»، أفرجت الأولى، مساء أمس، عن 30 أسيراً فلسطينياً (15 طفلاً و15 أسيرة)، في مقابل إطلاق «كتائب القسام» 10 أسرى إسرائيليين، وذلك في أعقاب تمديد الهدنة ليومين إضافيَّين بشروط الهدنة السابقة نفسها. وسلّم مقاومو «القسام» و«سرايا القدس»، بصورة مشتركة، لجنة «الصليب الأحمر»، الأسرى الإسرائيليين الذين جرى نقلهم عبر معبر «كرم أبو سالم»، فيما جرى نقل الأسرى الفلسطينيين من سجن «عوفر» إلى مدينة رام الله، حيث كان في استقبالهم حشدٌ كبير من الأهالي الذين قدموا من المحافظات كافة، في ظلّ استنفار أمني كبير في القدس، ترافق مع اقتحام منازل عائلات الأسرى المرتقب الإفراج عنهم، ومن بينهم الأسير أحمد سلايمة (14 عاماً) من القدس.وشملت قائمة الأسرى الفلسطينيين 15 أسيرة، علماً أن حكومة الاحتلال نشرت، صباح الثلاثاء، قائمة من 50 أسيرة أبدت عدم معارضتها الإفراج عنهن، بينهنّ 21 أسيرة من الداخل المحتلّ، من اللواتي اعتُقلن خلال الحرب على غزة، بزعم التحريض على شبكات التواصل الاجتماعي. وكان تضمين أسيرات من الداخل المحتلّ أمراً لافتاً، إذ امتنعت إسرائيل في صفقات التبادل السابقة عن إدراج فلسطينيي الداخل في أيّ صفقة، بزعم أنهم «مواطنون إسرائيليون». وتكشف هذه الخطوة عن أمرَين: أولهما، الحرج والضيق الذي تستشعره إسرائيل في مقاربة ملفّ الأسرى وصفقة التبادل؛ وثانيهما، محاولتها ربما تهيئة الرأي العام الإسرائيلي لإبرام صفقة تبادل شاملة يكون عنوانها «الكلّ مقابل الكلّ»، ويتم من خلالها الإفراج عن كلّ الأسرى من فلسطينيّي الداخل. إلا أن هذا الأمر أثار مخاوف لدى «لجنة المتابعة العليا» للجماهير العربية في فلسطين المحتلّة، وبعض المراكز القانونية في الـ 48، نظراً إلى إمكانية استغلال إسرائيل «قانون المواطنة» الذي يمنحها «الحق» في سحب المواطنة من هؤلاء، بادّعاء عدم الولاء لإسرائيل، أو منعهنّ من السفر إلى خارج البلاد، أو تقييد حركتهن.
ومع إتمام المرحلة الخامسة من صفقة التبادل، بات واضحاً نجاح «القسام» في الدفع بورقة الأسرى لتحتلّ صدارة الملفّات الثقيلة الملقاة على عاتق بنيامين نتنياهو وطاقمه الحربي، بعدما حاول الأخير تهميشها لمصلحة مواصلة الحرب على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر، ولا سيما وسط استمرار تظاهرات عائلات الأسرى الإسرائيليين أمام وزارة الأمن في تل أبيب، والتي كان آخرها أمس. والجدير ذكره، هنا، أنه بينما وضع نتنياهو أهدافاً كبرى للعدوان، على رأسها «اجتثاث حماس»، والسيطرة على قطاع غزة، وإعادة المختطفين بالقوّة العسكرية، استطاعت «القسام» إفشال خططه، وذلك من خلال أدائها العسكري، معطوفاً على أدائها الإعلامي في تظهير تعاملها المتميز مع الأسرى لديها، في ما جسّد حرباً نفسية حرّكت الشارع الإسرائيلي بالفعل.
ومع النجاح في تمديد الهدنة ليومين، وإتمام المرحلة الخامسة من التبادل، بات الحديث أكثر جدّية عن توسيع الصفقة لتشمل الجنود الأسرى والرجال لدى المقاومة، والذين سبق أن حدّدت الأخيرة الثمن المقابل للإفراج عنهم: تبييض السجون كافة وإخلاؤها من كلّ الأسرى الفلسطينيين، وهو ثمن لا شكّ سيكون ثقيلاً على إسرائيل. لكن يبدو أن الحراك الشعبي الضاغط في الكيان، وتبنّي الإدارة الأميركية ملفّ الأسرى، قد نجحا، بحسب التسريبات، في ضمان تمديد الهدنة ليومين إضافيين، ليصبح مجموعها 8 أيام، ما قد يشكّل مدخلاً لبحث الصفقة المقبلة. وفي هذا السياق تحديداً، جاءت زيارة رئيس جهاز «الموساد»، دافيد برنياع، لقطر، للقاء مدير «الاستخبارات المركزية الأميركية»، وليام بيرنز، والمسؤولين القطريين، ومدير المخابرات المصرية، عباس كامل، والبحث معهم في شأن تمديد الهدنة واستكمال تبادل الأسرى. وفي هذا السياق، قالت «هيئة البث الإسرائيلية» إن زيارة برنياع تهدف إلى «تقديم مقترحات للخطوط العريضة لعودة جميع المختطفين»، وذلك بعدما اقتصرت صفقة تبادل الأسرى على إطلاق سراح النساء والأطفال من الجانبين.
على أن الثمن الذين يبدو أن إسرائيل متردّدة في دفعه، والذي يشمل إطلاق أسرى لهم وزنهم وتاريخهم، سيعني القبول به هزيمة أخرى في إطار هذه المعركة، بعدما تعهّد قادة الاحتلال بأنهم سيستعيدون الأسرى بالقوّة ومن خلال العملية البرية. ولذا، فإن الجهد الأميركي سينصبّ على ممارسة أكبر قدر من الضغوط على «حماس» كي تخفّض من سقوفها، وذلك للحفاظ على ماء وجه إسرائيل. إلا أن موافقة المقاومة على أقلّ من هذا الثمن تبقى مستبعدة، نظراً إلى العهد الذي اتّخذته على نفسها بتبييض السجون، والأمل الذي كبر بفضلها لدى جميع أهالي الأسرى.
في المقابل، تفضّل سلطات الاحتلال، بحسب بعض المصادر العبرية، المرور إلى مرحلة ثانية من التبادل قبل الوصول إلى الصفقة الشاملة. ويتمّ في هذا الجانب، طرح سيناريوات من قبيل تمديد الهدنة ليومين إضافيين، وهو ما يبدو أنه اتُّفق عليه، بحسب التسريبات. وتورد هذه المصادر اقتراحات من قبيل الإفراج الكامل عن كلّ المدنيين الإسرائيليين في غزة، بمن فيهم الرجال الذين تم أسرهم بصفتهم المدنية، في مقابل الإفراج عن جميع الفلسطينيين، بمن فيهم كوادر «حماس» الذين اعتقلتهم إسرائيل في الضفة بعد السابع من أكتوبر، والأطباء الذين اعتقلوا من مستشفيَي «الشفاء» و«الرنتيسي» في قطاع غزة.
وعلى أيّ حال، تدرك إسرائيل أنه لا خيارات «مريحة» بالنسبة إليها في ملف الأسرى، وخاصة في ظلّ الرغبة الدولية في استمرار الهدنة، ومحاولة تطويرها إلى وقف شامل لإطلاق النار، وهو ما لن يحدث إلا بعد إغلاق هذا الملف بصفقة تبادل شاملة يتمّ الإفراج فيها عن أكثر من 5 آلاف أسير من السجون الإسرائيلية، مقابل كل الجنود والضباط المعتقلين لدى «حماس». ويترافق بحث هذه السيناريوات مع خروج أعضاء المجلس الحربي، من مثل بيني غانتس وهرتسي هاليفي، ليهددوا بأن الجيش على أهبة الاستعداد للعودة إلى استئناف القتال في غزة، من دون أيّ إشارة منهم إلى المرحلة الأخرى من عمليات التبادل، ما يجعل الساعات المقبلة حاسمة في تحديد المسار الذي سيسلكه العدوان.
صحيفة الاخبار اللبنانية