حاتم علي
” من لم تنشر نعوته في جريدة الأهرام كأنه لم يمت”.
تذكرت هذه الجملة التمجيدية للجريدة المصرية عندما علمت أن حاتم علي سيأتي إلى دمشق ليدفن فيها: “فمن لم يدفن في أرض وطنه، كأنه ما يزال غريباً وهو ميت”.
حاتم علي بهذا المعنى، كأنما أتى على قدميه، وليس في تابوت. كأنه استعار زورقاً مصرياً برمائياً ليصل إلى بلاده ويقول لها أنا مثل كل منفي أو مهاجر وخارج وطنه أتيت لأقول الوداع كل سنوات العيش، ولكي أقدم اعتذار الريشة من لوحتها، والأغنية من موسيقاها، والكاميرا من بصرياتها.
حاتم علي ليس وحده كان في عيشه وعمله وجنازته… البرهان على الحضور القوي لفنان لم يترك ثانية تمر دون نبضة تظهر على شاشة، وبطل يتوّج مساعدي إنجاز بطولته. وكذلك كان محبو حاتم ومعجبو إبداعه، والقادرون على تقديم الأكتاف لتابوت مليء برموز مضيئة.
في جنازته اتحد الناس ليقولوا هذا ابننا وفناننا وملهم أفكارنا، ومصورآلامنا… وهو ربما كان، بقلبه الصامت، يسمع قلوبنا المتمتمة بالرحمة والرضا والشكران.
من السهولة أن نتخيل السلام على وجه حاتم وهو يغيب في تراب البلاد. لأنه، في هذه اللحظة الوداعية النهائية والأبدية،وهو محمول على الاكتاف ، يكون قد أيقن ببقائه ورسوخه حياً، كما كان، وميتًا كما هو كائن الآن .
“ياموت هزمتك الفنون جميعها” قالها محمود درويش ومضى إلى خلوده.
أنا أصدق القائل بأن الموت، إذا حدّقت في وجهه، وبين عينيه دون خوف، فسوف يولي هارباً. وعندما يأتي مرة أخرى طالباً التهيؤ، سيفهم أنك جاهز للرحيل، ببدلة الحياة اليومية، “وبنعال من ريح.
حاتم علي كان شجاعاً… ورحيماً ومبدعا .
وأظنه قال شئياً مهماً قبل أن يمضي، عميقاً، إلى مدخل بيته الجديد في مقبرة الباب الصغير.