حاتم علي: «لوبي الترفيه» يسيطر على الدراما
فجر يعقوب
يغادر المخرج السوري حاتم علي مكان إقامته في القاهرة مطلع الشهر المقبل الى العاصمة الرومانية بوخارست استعداداً لتصوير مسلسله التلفزيوني الجديد «اوركيديا»، على أن يعقد مؤتمراً صحافياً منتصف شباط (فبراير) بغية الإعلان عن انطلاق عمليات التصوير.
يعلل علي في اتصال مع «الحياة» اختيار بوخارست لتصوير المسلسل فيها، بأنها تمتلك استوديوات ضخمة مجهزة بطريقة احترافية تخدم أفكاره الإخراجية وتصوراته للسيناريو عموماً، إضافة الى أن طبيعة البلد توفر مكاناً مثالياً، من دون أن ينسى الإشارة الى الخدمات الرخيصة نسبياً والخبرات التي تقدمها هذه الاستوديوات.
يقول مخرج «التغريبة الفلسطينية» عن أسباب عمله على الفانتازيا التاريخية بعدما تفاداها مطولاً في مشروعه الدرامي: «حاولت ذلك باعتبار أن الفانتازيا هي محاولة لتقديم اقتراح بتزييف التاريخ كبديل عن قراءته. أضف الى ذلك أنه كانت لدي مشكلة مع المصطلح نفسه، فهو يجمع نقيضين بين المتخيل والتاريخ». ويضيف علي: «هناك سيطرة لما أسميه «لوبي الترفيه» الذي يحاول أن يقدم صناعة تلفزيونية مختلفة تحاول الابتــعاد عن الأعمال الجــادة التي تـجتهد فـي مقـاربــة الواقـــع أو التـــاريخ بــطريقــة مسؤولة».
ويبدي المخرج السوري أسفه قائلاً: «لقد سيطر عدد من الفضائيات العربية على هذه الصناعة، ما أدى الى تضييق هامش الخيار أمام المخرجين الذين يحاولون تقديم مشاريع خاصة من خارج هذا الإطار». ويضيف: «من المزعج أن يعترف مخرج مثلي، من المفترض أنه يملك قدرة على فرض شروطه الفنية والفكرية، بالرضوخ، لأن هذا مؤشر خطير، فكيف اذا تحدثنا عن مخرجين آخرين ما زال أمامهم الكثير من الصعاب والتحديات».
وعلي الذي لا يخفي تشاؤمه في نبرات صوته يقول: «هذا التشاؤم لا يخص فقط صناعة المسلسل التاريخي، لكنه أيضاً ينطبق على الصناعة الدرامية عموماً، فمثلاً حاولت خلال السنتين الماضيتين العمل على مشروع مسلسل «موجة برد»، وهو عنوان موقت لمسلسل «الملعونون» من كتابة نجيب نصير وحسن سامي اليوسف، وهو عمل يحاول التطرق الى موضوعات جادة فنياً، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل».
ويعترف علي أمام هذا التشاؤم أنه يحاول رسم صورة تفصيلية للمشهد: «اذ لا تبغي هذه الصورة بالتأكيد تبرير العمل على مسلسل مثل اوركيديا». وعن طرق إرشاد المشاهد التلفزيوني الى الفروقات بين ما هو متخيل تاريخي وفانتازي تاريخي يقول مخرج «الثلاثية الأندلسية»: «السؤال يطرح مفهوماً جديداً، لأنه يطرح فهماً آخر لهذا النوع من المسلسلات القائم على تخيل حوادث معينة خارج السياق التاريخي أو التوثيقي. وأظن أن هذا التوصيف أكثر دقة لعملنا المقبل، وهو مصطلح أكثر موضوعية للتعبير عن هذا النوع من الأعمال الدرامية».
ويضيف علي حول ما اذا كان ممكناً من باب التأويل اعتبار «اوركيديا» استمراراً للأعمال التاريخية التي اشتغل عليها ضمن مشروعه: «على رغم سوداوية المشهد، فليست لدي رغبة في الاستسلام استسلاماً كاملاً، ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار العمل على نحو ما استمرار للأعمال التاريخية رغم أن أدواته ستكون مختلفة بالطبع، بمعنى أننا نقدم حكاية كما هو مفترض تدور في زمن مضى، ولكن بالتأكيد سنلجأ الى العناصر ذاتها التي تمّ استخدامها سابقاً. صحيح أن البنية متخيلة، ولكن العلاقات بين الشخصيات ستستند الى الشرط الواقعي، حتى لا يغدو التوجه نحو الخيال هروباً من استحقاقات الواقع وأسئلته التي تزداد برأيي إلحاحاً يوماً بعد يوم».
وعن عدم وجود إشارات الى معالجات خاصة لتسويق الفكر الانتحاري بين جيل الشباب في المسلسل، يقول علي: «الصحافة سوقت منذ اليوم الأول بعض المعلومات الخاطئة عن العمل، منها بالطبع أنه يتصدى لظاهرة الإرهاب. كثير من الأعمال الأخيرة مع الأسف يحاول التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة باعتبار أنها إحدى مشكلاتنا المعاصرة، وربما أخطرها على الإطلاق، وأكثرها تعقيداً. بطبيعة الحال مشكلة مثل هذه الأعمال أنها عادة ما تجيء متسرعة وتصنع بناء على أجندات مسبقة. «اوركيديا» لا يدعي أنه يتصدى لمناقشة هذه الظاهرة. وهو يحاول مناقشة العلاقة الأزلية ما بين السلطة والشعب، ولكن عبر طرح أسئلة أكثر أصالة وعمقاً، وهي الأسئلة ذاتها التي حاولت طرحها في أعمال تاريخية سابقة بدءاً من «الزير سالم»، والثلاثية الأندلسية («صقر قريش»، «ربيع قرطبة»، «ملوك الطوائف»). ومن هنا قد يمكن اعتبار «اوركيديا» امتداداً لهذه المسلسلات، وربما يفترق عنها من حيث أنه يتجه الى اختلاق حقبته التاريخية».
ويضيف: «لا أدعي أن هذه ميزة، ولكن كما أسلفت هناك نزوع الآن في المحطات نحو خلق بيئات متخيلة، وهذه البيئات لا تخص مع الأسف المسلسل التاريخي فقط، وانما هناك محاولة لتعويم المسلسل المعاصر أيضاً. في هذا السياق، نشأت ظاهرة ما يسمى بالـ «بان – آراب»، أو المسلسلات العربية المختلطة التي تجرى حوادثها في مكان ما، على الأغلب في بيروت بسبب أن التصوير يتم في لبنان، وهي مكونة من عناصر مختلفة نسمع من خلالها لهجات يختلط فيها المصري بالسوري باللبناني، وهذه المسلسلات تحاول حصر اهتمامها ما بين الرجل والمرأة بمعزل عن المحيط الاجتماعي، ويصبح التعرض لأزمات بسيطة كأزمة السير أو انقطاع الكهرباء لا لزوم له. مع الأسف، هذا التعويم يطاول المسلسل التاريخي بدعوى أن المشاهد العربي ملَّ نوعية المسلسلات التي تحاول أن تناقش قضايا معاصرة وأصيلة، وأنه في مرحلة الحروب والاضطرابات السياسية الكبرى يحتاج الى فترات استراحة وأعمال تبعده قليلاً عن نشرات الأخبار. شخصياً لا أميل الى مثل هذا الفهم، ولكن هذا الإيمان وحده كما يبدو لا يكفي». يذكر أن نخبة كبيرة من نجوم الدراما السورية والعربية تشارك في هذا العمل مثل: جمال سليمان، سلوم حداد، باسل خياط، عابد فهد، ايميه صياح، سلافة معمار، قيس الشيخ نجيب، حنان مطاوع وسامر المصري.
صحيفة الحياة اللندنية