((حدث : عند مطار كويريس ))

صرت رساما !
أمس . نعم ، أمس .
مذ هطل المطر ..
قلت : ((أرسم المطر !((
والمطر أحمر صدقوني ، هو دم !
هو نوع من فراشات القتلى..
في أفق الغروب ..
صرت رساما .. أمس . صدقوني :
لم أتعلم الرسم رغم حبي لشكل سفرجلة رماها التوت بلونه .
خفت .. هذا ليس توت الشام .. هذا دم ..
قلت سأرسم الدم ، ورسمته :
كان الدم.. سفرجلة مصابة .. كان الدم شوارع المدن الجميلة التي أحبها !

****

لم أكن أجيد الرسم ..
لم يشتر لي أبي علبة ألوان مائية ..
ولا سمعت أمي رغبتي باقتناء قماش أبيض للوحة أريد رسمها .
أعطتني ورقة بيضاء، وقالت لي :
ارسم برتقالة مدورة. ارسم شمسا. ارسم جهنم وخلصني.. اتركني لأتم إعداد الطعام لأخوتك العائدين من المدرسة ..
لم تعطني ريشة ولا قماشة، ولم تشتر لي علبة ألوان مائية ..
أعطتني ورقة بيضاء وقلما، فصرت كاتبا حاولت رسم جهنم بالكلمات ولم أنته !

****

أمس . صرت رساما ..
عند عتبات مطار كويريس :
كان هناك دخان ونار ودمار ..
كانت المدن نائمة على رمادها !
رأيت هناك قتيلا مرميا ككيس قمامة !
وقفت أمام القتيل الغريب، تأملته ، حاكيته :
هل تحب الرسم مثلي ؟
من أين جئت ؟
بربك ماذا تريد من هذه الأرض ؟
لم يجبني !
قرأت ملامح وجهه ..
ليس من قبيلتنا .. ارتدى قفازين ملوثين بالدم ..
يداه صغيرتان، لكنه قتل كثيرا وكثيرا .. وربما أكثر !
قتل كثيرا إلى أن شعر بالتعب، فمات ..
مات مقتولا ، ولسانه خرج من فمه كأن الله شنقه لأنه قتل !

***

رسمته :
أعرف أن أمي لم تشتر قماش اللوحة ..
أعرف أن أبي لم يشتر علبة التلوين ..
رسمته ..
قلت : ((ألوّنه))..
لم أجد ألوانا ..
بحثت في المكان .. كان ثمة قتلى ..
يا ألله .. قتيل وراء قتيل ، خلف قتيل ..
هي لعبة الموت إذن ..
كم هي مخيفة وجوه القتلى ..
لا يوجد قتيل أليف
كان معي لون واحد ..
هل ألوّن لوحتي ؟
هو اللون الأسود !

***

صرت رساما !
أمس . نعم ، أمس .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى