حديقة تشرين الدمشقية غداة الضربة الأمريكية!
دمشق ــ خاص بوابة الشرق الأوسط الجديدة
تبدو حديقة تشرين التي تقع في الجهة الغربية من دمشق، وتفتح بابها على ساحة الأمويين من الحدائق القليلة الواسعة في العاصمة، وتحمل هذه الحديقة ذكريات مهمة عن فترة ماقبل الحرب تتعلق بمعارض الزهور وببرامج تلفزيونية كانت تبث على الهواء من مختلف زواياها الخضراء والجميلة، وبحكايات عن مشاوير جميلة لعشاق في مقبل العمر، لكن الحرب جعلت منها نافذة أخرى تشبه حواجز كسر الأمواج على الشطان، فقد كانت المكان الوحيد الذي يستمر بالنبض حتى أثناء تصاعد صوت العمليات العسكرية أو عند سقوط قذائف الهاون على ساحة الأمويين ومحيطها.
ورغم أن الحرب أكلت كثيرا من خضرة الطبيعة والنفوس، إلا أن حديقة تشرين حافظت على مكانة خاصة في الحرب، على الأقل لأن زائرها ليس مضطرا لدفع مصاريف إضافية تثقل كاهله في الذهاب إلى المنتزهات المكلفة !
ويمكن لأي زائر كان التعرف على هذه المكانة بالعين المجردة، فالحيوية تدّبُ فيها منذ الصباح وإلى المساء، وهذه الحيوية قادرة على أن تُري هذا الزائر طبيعة ما حل في البلاد من تغييرات اجتماعية وطبقية وعسكرية، فهناك زوار يرتدون ألبسة عسكرية يبحثون عن متنفس أو راحة من عبء التوتر اليومي الذي تفرضه الحرب، وهناك أنواع كثيرة من الزائرات يكشفن جوانب المجتمع، فمنهن المحجبات ومنهن من يرتدين الجينز ومنهن العجائز ومنهن الصبابا وهناك من تشير حالتهم إلى فقر مدقع وهناك من يبدو وضعهم جيدا وهناك أطفال وطلاب مدارس وعشاق !
والعشاق أنواع ، فهم مدنيون وعسكريون وطلاب وطالبات وأحيانا كهول وأطفال، وبإمكان أي زائر الاستماع بسهولة إلى مختلف أنواع الغزل التي تشهدها الحديقة بين العشاق، فلا شيء يخفي نفسه، وأحيانا يمكنه أن يشاهد نوعا من العناق والقبلات..
انتهت ضربة الصواريخ الأمريكية لعدد من المواقع السورية السبت الماضي، وكان يمكن ملاحظة ما الذي حصل في حديقة تشرين في الفترة التالية ، ومن السهل الحديث عن لقطات تشرح ذلك:
أولا : تدفق الناس صباحا على الحديقة ، مجموعات صغيرة ، كل مجموعة تتألف من ثلاثة أو أربعة حتى عشرة أشخاص..
ثانيا : كل مجموعة من هذه المجموعات تحمل معها أوعية للمياه وأطعمة وأراجيل إضافة إلى أن البعض كان يحمل نوعا من البسط للجلوس عليها .
ثالثا : كان العشاق يدخلون أزواجا إلى الحديقة واثقين من أن أحدا لن يحتج عليهم أو يعكر عليهم تواصلهم، ومنهم من يمسك بيد صديقته ومنهم من يلف يده على خصرها، وأحيانا تسمع كلمات تنم عن خلافات بين العاشقين حول شأن ما !
رابعا: الأطفال يلفتون النظر فعلا، فما أن يدخلون بوابة الحديقة حتى يقفزوا ويلعبوا وكأنهم وصلوا جنتهم الآمنة !
وثمة بعض المثقفين يمرون بأنفة واضحة، وتراهم شاردين ينظرون إلى فوق فلا يرون هذا النبض الغريب الذي يشكل مختلف شرائح المجتمع من لهجاته وعقائده وطبقاته ، وترى آخرين يشغلون بعض الزوايا للعب الرياضة !
تجلس على كرسي شبه محطم في الحديقة ، فتأسرك حركة المارة والسعي من قبل الجميع لترتيب مكان يناسب الرحلة السعيدة التي يسعى إليها . يمضي الوقت سريعا إلا أن السؤال الذي يبقى وهو يشعل نيران القلق لديك : هل يمكن أن يتغير مفهوم السعادة حسب اللحظة التي نعيش فيها، وكيف يكون هذا المفهوم في الحرب؟!