حذف أربعة أصفار من العملة في إيران: هل تنجح الخطة؟
بعد تراجع حادّ في قيمة العملة الإيرانية بسبب العقوبات الأميركية والغربية التي أنهكت الاقتصاد، قرّر البنك المركزي الإيراني تغيير عملة البلاد الوطنية من الريال إلى التومان، والذي يساوي عشرة آلاف ريال.
العملة الرسمية في البلاد هي الريال الإيراني، وقد جرى وضعه بدل التومان في الدولة البهلوية، وبقي الى الآن على حاله. ورغم ذلك، ظل الشعب يطلق على عملته اسم «تومان» في أعماله الشرائية، وينحصر استخدام تسمية الريال في البنوك والمؤسسات الرسمية، ويساوي التومان الواحد عشرة ريالات.
هذه المرة، ستُحذف أربعة أصفار من العملة الرسمية. لم تكن فكرة حذف الأصفار جديدة على الإطلاق، بل متداولة في طهران منذ عام 1994 عندما ارتفع التضخم في البلاد إلى ما يقارب الـ 49% بعدما كان دون 10%. لكن في عام 2018 أصبح الطلب عليه شديد الضرورة عندما انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2015، ثم أعاد فرض عقوبات، ليفقد الريال الإيراني أكثر من 60% من قيمته.
وبين عامي 1994 و2018، كان هناك سعي للتخلص من ثلاثة أصفار عام 2010 من دون أن يحصل ذلك. أما في العهد الأول للرئيس حسن روحاني عام 2016، فقد وافقت الحكومة على حذف صفر من العملة الوطنية من دون تنفيذ القرار، بسبب عدم موافقة البرلمان عليها.
هذه المرة، قرّرت ذلك الحكومة وبات بحاجة إلى مصادقة البرلمان ولجنة صيانة الدستور ومن ثم روحاني ليصبح رسمياً كل 10 آلاف ريال توماناً واحداً، ويبقى التعامل بالريال بين البنوك فقط.
أما التنفيذ فيحتاج أقله إلى 24 شهراً، وخصوصاً بعد تصريح محافظ البنك المركزي عن الحاجة إلى مزيد من الاجتماعات والمشاورات ووضع خطة لسحب العملة القديمة وطباعة العملة الجديدة.
حذف الأصفار من العملة ليس تجربة جديدة أو فريدة في العالم. فعلتها سابقاً تركيا عام 2005 حيث شطبت 6 أصفار. كذلك قامت بها الجزائر عام 2016، وفنزويلا عام 2017. وفوق كل هذا، نجحت الخطة في بعض البلدان وفشلت في أخرى، والسبب الرئيس هو مصاحبة هذا القرار بخطة اقتصادية مدروسة، حسب ما أكد خبراء اقتصاديون، وإلا من دون خطة دقيقة ستحدث ردة فعل سلبية تجاه العملة الجديدة، ما يدفعها إلى خسارة قيمتها مجدداً.
قرار إيران الدخول في هذا الشأن كان بعد التضخم الكبير الذي يواجه العملة. فبحسب البيانات الصادرة من البنك المركزي أواخر العام الماضي، فإن المعروض النقدي في الأسواق يزيد بنسبة 20 – 30% سنوياً، ليصل إلى ما يقارب 17 كوادريليون ريال، أي مليون مليار في تشرين الأول 2018. كما كان قد ارتفع من 10% تقريباً عام 2017 إلى 18% بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي. أما في العام الحالي، فالدراسات تشير إلى أن معدلات التضخم، تُقدر بحوالى 50%.
أسباب أخرى دفعت إيران للقيام بمثل هذه الخطوة، أبرزها محاولة تسهيل عمليات البيع والشراء، وخصوصاً في ما يتعلق بكتابة الأسعار على المنتجات في الأسواق. إضافة إلى تخفيف عملية حمل كميات كبيرة من الأموال لقضاء حاجتهم اليومية، إذ أن الدولار بالعملة الإيرانية يساوي 42 ألفاً. فالحذف هو بديل إصدار فئات ورقية كبيرة ما يقلّل من عمليات وتكاليف طباعة كل هذا الكمّ من العملات، في محاولة للحد من تدفق السيولة المتزايد، ومساعدة الريال على استعادة جزء من قيمته المفقودة.
كذلك، يؤكد الخبراء أن حذف الأصفار يجعل العملة قوية بمقارنتها بالعملات الأخرى، كما سيعزز من السمعة العالمية لها، حيث من المحتمل أن يكون له تأثير نفسي إيجابي على المتعاملين في السوقين المحلية والدولية، الذين سيرون قيمة عملة أكثر قوة نسبياً بدلاً من سعرها السابق الذي يتجاوز عشرات الألوف.
وسيؤدي ذلك إلى تسهيل الحصول على الائتمان الدولي، ويزيد في فرص الحصول على قروض دولية.
انقسمت الآراء حول الخطة الجديدة بين داعم ورافض. الرافض رأى أن الأكثر جدوى في هذه المرحلة هو في تركيز الحكومة على إصلاح النظام الاقتصادي ككل في البلد بعدما بلغ معدل النمو الاقتصادي -5%، معتمدين على أن التجارب الشبيهة في البلدان المجاورة، أثبتت أن التغيير النقدي لا يحقق ما تسعى إليه من دون تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وإلا سيزيد هذا من العبء المالي على الاقتصاد والحكومة.
ورأوا أن تركيا لم تكن لتنجح في خطتها الاقتصادية عام 2005 لوحدها لولا أنها دخلت في السوق الأوروبية وجذبت الرأس المال الأجنبي.
أما في إيران، فهناك احتمال أن لا تؤتي هذه الإجراءات ثمارها الاقتصادية، بسبب العقوبات والأزمات الاقتصادية المتلاحقة.
من جهتهم، يرى الداعمون أن إيجابيات الخطة ترتكز على إعطاء العملة قيمتها الفعلية، بعدما وصل الدولار اليوم إلى ما يفوق الـ 142000ريال.
كما أن الخطة تخفض حجم الأوراق النقدية التي تسهل عملية حملها ونقلها، فضلًا عن أن طهران تتكلف الكثير في سبيل طباعة العملات. محافظ البنك المركزي عبدالناصر همتي صرّح سابقاً أن كلفة طباعة العملة الورقية فئة 500 تومان تصل إلى 400 تومان، ما يعني أن تكلفة طباعة العملة الواحدة تصل تقريباً إلى 80% من قيمتها.
مع هذا الإجراء، سيصبح التومان العملة الأصلية، بينما يبقى الريال العملة الفرعية، لكنه لن يؤثر على القدرة الشرائية أو ممتلكات الناس، إذ أن حذف الأصفار سيشمل النقود والبضائع في الوقت نفسه.
صحيفة الأخبار اللبنانية