حسن روحاني: إنجاز الملف النووي ومنافسة «الحرس الثوري»!

مثل انتخاب الديبلوماسي المعمم حسن روحاني رئيساً لجمهورية إيران الإسلامية العام 2013 تتويجاً لمرحلة جديدة من تاريخ إيران السياسي، وقطيعة مع مرحلة سلفه أحمدي نجاد الذي توارى من وقتها في غياهب النسيان. من وقتها ملأت إيران الإعلام وشغلت الناس، بمفاوضاتها النووية الناجحة مع الغرب وبنفوذها المتزايد والمختلف عليه في المنطقة. وفي كل ذلك كانت بصمة روحاني حاضرة، مع التسليم بأن الكلمة الأخيرة في شؤون جمهورية إيران الإسلامية تعود دوماً إلى مرشد الجمهورية. اليوم، تقف إيران على أعتاب عام جديد مليء بالتمنيات والتحديات، وأمام استحقاق داخلي كبير هو الانتخابات البرلمانية المقرر عقدها في شباط 2016. وتعود أهمية الاستحقاق المذكور إلى أن الاتفاق النووي مع الغرب، وتعزز مواقع روحاني داخلياً، أمور ستسهم منطقياً في تغيير صورة البرلمان الإيراني الحالي، بما يواكب هذه التطورات. بمعنى آخر، ستنعكس التغيرات التي جرت في السنتين الأخيرتين على توازنات إيران الداخلية وأحد «ترمومتراتها» تشكيلة البرلمان، وهنا فمن المنطقي أن ينخرط روحاني وكتلته في الصراع على تشكيلة البرلمان المقبل لتهميش خصومه.

حياة مؤسسية حافلة

وُلد حسن روحاني في العام 1948 في محافظة سمنان، وبدأ دراسته في الحوزة العلمية بقم في العام 1961، وعندما تحصّل على لقب «مجتهد»، أراد أن يجمع الديني بالدنيوي، فالتحق بجامعة طهران العام 1969، ليحصل على إجازة في الحقوق العامة 1972. وواصل روحاني دراسة الحقوق خارج إيران، وبالتحديد في جامعة «غلاسكو» الاسكتلندية، التي حصل منها لاحقاً على شهادة الدكتوراه في الحقوق. التحق روحاني مبكراً بالمجموعة المحيطة بمؤسس الجمهورية روح الله الموسوي الخميني، وبعد انتصار الثورة، شرع روحاني في العمل السياسي العام، وانتخب عضواً في أول برلمان للجمهورية الإيرانية العام 1980، فظل عضواً فيه لمدة عشرين سنة متواصلة تقلب فيها في اللجان، فكان نائباً لرئيس البرلمان ورئيساً للجنة الدفاع والعلاقات الخارجية. ولا تفوت ملاحظة المواقع العسكرية المهمة التي شغلها الديبلوماسي المعمم، فقد كان عضواً في مجلس الدفاع الأعلى أثناء الحرب العراقية – الإيرانية. وفي هذه الحرب، تقلد مناصب عسكرية أخرى، منها نائب قائد الحرب (1983-1985)، وقائد الدفاع الجوي الإيراني (1986-1991)، ونائب القائد العام للقوات المسلحة (1988-1989). عينه خامنئي ممثلاً له في مجلس الأمن القومي، الذي ترأسه لمدة 16 عاماً بين العامين 1989 و2005. وبالإضافة إلى مواقعه العسكرية، يعد روحاني من القلائل في الجمهورية الإيرانية، الذين جمعوا عضوية مجالس فائقة الأهمية في حياة إيران الدستورية، إذ إن روحاني عضو في مجلس الخبراء منذ العام 1999 حتى الآن. وروحاني أيضاً، عضو في مجلس تشخيص مصلحة النظام منذ العام 1991، وترأس لجنة الأمن القومي فيه، بالإضافة إلى كونه عضواً في مجلس الأمن القومي منذ العام 1989.

انحيازات ورهانات

كان الرئيس الأسبق خاتمي مناسباً لمرحلة تحسين صورة إيران في العالم، فغرف من معين معارفه الكلامية والفلسفية ليطلق انفتاحاً خارجياً تمثل في «حوار الحضارات»، وانفتاحاً داخلياً محدوداً تحت مظلة «ولاية الفقيه»، تلك التي اجتهد خاتمي في اجتراح قراءة دستورية لها. كما كان الرئيس السابق أحمدي نجاد مناسباً أيضاً – خصوصاً في ولايته الأولى – لمرحلة قلب الطاولة على التوازنات الإقليمية السائدة حتى حينها، فأطلقت تصريحاته المدوية مرحلة جديدة من تاريخ إيران والمنطقة. وعلى المنوال ذاته، يبدو روحاني مناسباً للمرحلة الجديدة التي تريد إيران عبرها تقنين مكتسباتها الإقليمية والنووية، وتساعده في ذلك صورة رجل الدولة الوسطي في الخارج وعمامته الدينية لطمأنة الداخل، خصوصاً وهو يجترح انفتاحاً غير مسبوق في تاريخ إيران الثورية على «الشيطان الأكبر». يقف عائقان كبيران أمام طموحات روحاني يتمثلان في: أولاً الاقتصاد والحصار الطويل الذي عانت إيران منه في العقد السابق خصوصاً، وثانياً مؤسسة «الحرس الثوري» ذات النفوذ الكبير في حياة إيران العسكرية والاقتصادية. فيما يخص التحدي الأول، فقد وشت تركيبة الفريق الاقتصادي لحكومة روحاني بانفتاحه على الغرب، سواء لجهة التحصيل الأكاديمي أو لجهة السياسات الاقتصادية المفضلة. وجمعت مسألتين بين وزراء المجموعة الاقتصادية في حكومته: أولاً القرب من هاشمي رفسنجاني، وثانياً تبني النيو ليبرالية في الاقتصاد. وتجلى الترابط بين المفاوضات النووية والاقتصاد في فكر روحاني بوضوح عند ملاحظة أن رهاناته في تحويل إيران إلى قوة اقتصادية كبرى، تعتمد بالأساس على رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، علماً أن الأخيرة تسير في طريق إجباري مفاده تحسين العلاقات مع الغرب. يراهن روحاني المخضرم على السوق الإيراني الواعد بملايينه الثمانين وقدراتها الاقتصادية المتحررة من العقوبات للسيطرة على المنطقة من غير وسيلة السلاح النووي. تملك إيران من الآن مشروعات جاهزة للعمل عليها، من مشروعات عملاقة تربط إيران بجيرانها الأقربين والأبعدين، مثل إقامة موانئ جديدة على بحر العرب وتوسيع المطارات القائمة لاجتذاب رحلات طيران مباشرة وسائحين من شرق آسيا، ومدّ خطوط أنابيب الغاز الطبيعي جنوباً إلى الهند وباكستان وشمالاً إلى تركيا وأوروبا، وبالتوازي معها خطوط سكك حديدية في الاتجاهين. كما تزمع إيران إقامة ست مناطق حرة لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية بالتركيز على إعادة التصدير وعلى قطاع البتروكيماويات. أما فيما يخص مؤسسة الحرس الثوري، فقد حرص روحاني على عدم الاصطدام بها مباشرة حتى ترتيب توازنات داخلية جديدة، ربما كانت انتخابات البرلمان المقبل أهم استحقاقاتها.

العلاقة مع «الحرس الثوري»

يعلم روحاني الحريص على تفقد موضع أقدامه أن «الحرس الثوري» ليس مؤسسة عسكرية فحسب، بل إمبراطورية صناعية ذات نفوذ سياسي رهيب تصاعد خلال العقد الأخير، خصوصاً في فترة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. وبسبب العقوبات الاقتصادية، فقد دانت لمؤسسات الحرس هيمنة غير مسبوقة على الاقتصاد الإيراني (تتراوح بين سدس إلى ربع الناتج المحلي الإجمالي الإيراني)، ومع خروج شركات النفط الأوروبية من السوق الإيراني بموجب العقوبات، تقدمت مؤسسات الحرس لتحل محلها، وفازت الشركات التجارية التابعة لها بكل العطاءات من دون مزايدة علنية. ويُعتقد على نطاق واسع أن مؤسسة الحرس تسيطر على قطاعات مثل السياحة والنقل والطاقة والبناء والاتصالات والإنترنت، وبالتالي فخصومة روحاني لمؤسسة الحرس تتأسس على اعتبارات اقتصادية أولاً وسياسية ثانياً، وليس بالضرورة لاعتبارات أيديولوجية كما قد يبدو على السطح. ومع حديث رفسنجاني اللافت مؤخراً، عن موضوع خلافة المرشد وصلاحية المرشحين للمنصب، يبدو أن ترتيبات البيت الداخلي الإيراني وصراعاته ستستقطب الاهتمام في العام الجديد 2016. سيصعب على الديبلوماسي المعمم ورجل الدولة روحاني أن يستمر في الحفاظ على «وسطيته» في الانتخابات البرلمانية المقبلة بعد شهرين، فهي فرصته الثمينة لترسيخ حضوره وكتلته داخلياً، بما يمكنه من المضي قدماً في رهاناته. وفي المقابل، يتحضر خصوم روحاني للاستحقاق ذاته بهدف منعه من تشكيل حالة مؤسسية داخـــلية تتوافق مع سياساته الاقتصادية التي تضرب في الصميم مصالحهم. سيبلل روحاني شفتيه – أكثر مما يفعل في العادة – في المبارزات الخطابية والكلامية إظهاراً للتريث والتمهل على الطريقة الإيرانية، وأن يستحضر من بلاغته ومعارفه بالفقه وعلوم الدولة الكثير من الاقتباسات لمكاسرة خصومه في الشهور القليلة المقبلة. باختصار، سيكون على روحاني الاستمرار في السير على صراط التوازنات، تحـــت عباءة المرشــــد، وبالتحالف مع رفسنجاني، لكن بشكل أوضـــح في مواجهة الحرس الثوري ومؤسساته ومصالحه!

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى