«حقول الرياح»: إسرائيل تستعجل تهجير الجولانيين
فصلٌ جديد من فصول المشروع الصهيوني لبسط السيطرة الكاملة على أراضي الجولان السوري المحتلّ، بدأته قوات العدو الإسرائيلي ، عبر إحضار حفّارات ضخمة مدعومة بأكثر من ألف عنصر أمني، بهدف فحص التربة في الأراضي التابعة لقرى بقعاثا ومسعدة ومجدل شمس المحتلة، وقريتَي حضر وجباثا الخشب المحرّرتين. وتُعدّ تلك الخطوة بمثابة المرحلة الثانية من مشروع «حقول الرياح»، الذي يعمل العدو الإسرائيلي بموجبه على بناء مراوح عملاقة في الهضبة لتوليد الطاقة البديلة ورفد الكيان المحتلّ بها، ضمن مخطّط ممنهج لتهجير الجولانيين الباقين في أربع قرى.
لم تنجح كلّ المحاولات الإسرائيلية المستمرّة منذ احتلال الجولان، حتى «قرار الضمّ» في العام 1981، للسيطرة على الهضبة السورية، في إجبار أهالي مسعدة وبقعاثا وعين قنيا ومجدل شمس على التخلّي عن هويّتهم السورية، ولا في إخضاع سوريا للتخلّي عن موقفها في كامل الحقوق السورية في الهضبة المحتلّة. وعلى رغم أن موقف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في 25 آذار/ مارس 2019، عبر الاعتراف بـ«السيادة» الإسرائيلية على الجولان المحتلّ، والذي نال مقابله تسمية مستوطنة باسمه على أنقاض قرية سورية، دَعَّم أوراق الاحتلال ليستكمل عمليّة التهجير، إلّا أنه فشل في إخضاع الأهالي للواقع الجديد، كما فشل في جرّ الأمم المتّحدة إلى اتخاذ خيارات مختلفة عن القرار الدولي 497 (1981)، والقاضي باعتبار قرار «الضمّ» لاغياً، خصوصاً بعد اعتبار الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي قرارات الاحتلال في الجولان باطلة ولاغية، والتأكيد أن أراضي الهضبة عربية سورية.
وتأتي التحرّكات في الهضبة على وقع التحوّلات العالمية في انتظار خروج ترامب من البيت الأبيض، حيث يسعى الاحتلال إلى تثبيت أمر واقع في الجولان المحتلّ والجنوب السوري عموماً، يرعاه ترامب وفريقه كجزء من «صفقة القرن»، ولا سيّما من خلال تصريحات وزير الخارجية، مايك بومبيو، الذي زار الجولان المحتلّ مباشرةً بعد الانتخابات الأميركية، وعبر السير في مخطّط تهجيري في القرى الأربع، واستهداف مواقع الجيش السوري في الجنوب لتقويض سلطة الدولة بعد استعادة كامل الجنوب من العصابات الإرهابية المسلّحة.
صباحاً، فوجئ أهالي الجولان بأعداد كبيرة من جنود الاحتلال، أغلقت المنطقة الشرقية المحاذية لخطّ وقف إطلاق النار شرقي بقعاثا ومسعدة، وأدخلت الآليات إلى أراض شخصية مملوكة من قِبَل أهالي الجولان، ومنعت السكان من التوجّه إلى أراضيهم. وبحسب المعلومات، فإن عملية المسح تلك ستستمرّ حتى يوم الخميس، لانتقاء المواقع التي تَصلح لبناء المراوح. وبعد انتشار الأخبار، تجمّع الجولانيون في محاولة للوصول إلى أراضيهم على مقربة من حواجز الاحتلال، وحاولوا الدخول إلى أراضيهم، إلّا أن الاحتلال منعهم، فيما كانت قوات معادية أخرى تنتظر في حال توسّع الصدام للتدخل وقمع الأهالي.
منذ احتلالها للهضبة، أنشأت إسرائيل أكثر من ثلاثين مستوطنة، دعّمت ساكنيها المستوطنين بمشاريع استثمارية وصناعية وتجارية لكي تضمن استمرارية استيطانهم هناك، عن طريق استغلال الموارد الموجودة في الجولان في حساب تعزيز رفاهية المستوطنين. مشروع «عنفات الرياح» ليس إلا واحداً منها، وهو يؤثر بالدرجة الأولى على أهالي قرى مسعدة وسحيتا وبقعاثا في الجانب المحتل، وقريتي حضر وجباتا الخشب في الجانب المُحرَّر من الأرض السورية. كما يؤثر على عامة أهالي الهضبة المحتلة، وعلى مزارعيها بشكل خاص مِن الذي يعتمدون بشكل أساسي على زراعة العنب والتفاح والكرز.
وما حصل تعود خلفيته إلى العام 2009، حين أصدرت الحكومة الإسرائيلية القرار الرقم 4450، الذي يُلزم بالبحث عن مصادر طاقة بديلة بحيث «تُغطّي بدءاً من العام 2020 نحو 10 في المئة من حاجة إسرائيل إلى الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة». بناءً على ذلك، وُضعت خطة لبناء 25 مروحة عملاقة لإنتاج الطاقة على أراضي الجولانيين الخاصة في قرى مسعدة، ومجدل شمس، وسحيتا المهجرة. وللدلالة على أهمية هذا المشروع، فإن حكومة الاحتلال تُصنّفه «مشروعاً قومياً»، وهو ما يعني – وفق النصوص القانونية – أنه يُتاح لوزير المالية الإسرائيلي مصادرة أراضٍ من أصحابها لإقامة المشروع ومدّه بشبكة بنى تحتية وكلّ ما يَلزمه من مرافق. أمّا المسؤول عن تنفيذ المشروع فهو شركة تدعى «إنرجيكس»، وهي فاعلة، بحسب ما تُعرّف عن نفسها على موقعها في الشبكة العنكبوتية، في كلّ من إسرائيل وأميركا وبولندا.
وللمشروع فوائد اقتصادية جمّة ستجنيها إسرائيل من طريق مصادرة أراضي السوريين؛ إذ إن التوربينات المزمع إقامتها ستولّد سنوياً 152 ميغاواط من الطاقة، التي ستباع لشركة الكهرباء الإسرائيلية، لتُحقّق عائداً تُقدّر قيمته بما بين 150 و160 مليون شيكل. وبصفته مشروعاً إستيطانياً يسعى لتهجير أهالي الهضبة، فهو أُعدّ للإضرار بكلّ مجالات حياتهم، لما له من آثار بيئية واقتصادية وزراعية وصحية خطيرة (يبلغ طول كلّ من المراوح 200 متر، فيما شفراتها العملاقة تُصدر ضجيجاً هائلاً)، تتهدّد كلّ الحياة الإنسانية والبرّية في محيط المشروع، وتُلحق بالمحاصيل أضراراً بالغة، ولا سيّما أن مصدر الرزق الأساسي للجولانيين هو القطاع الزراعي، ما يضع هؤلاء أمام خيارات صعبة: إمّا ترك الهضبة إلى المجهول أو الخضوع للضغوط والتخلّي عن الهويّة السورية، مقابل الحصول على «الجنسية الإسرائيلية»، التي يحاول العدو فرضها كشرط وحيد لحصول الجولانيين على حياة «طبيعية». من شأن المشروع أن يسلب 4500 دونم من أراضي الجولانيين بملكية خاصة، ويمنع تمدّدهم العمراني، ولا سيما بالنسبة إلى أهالي قرية مسعدة، التي تُحاصِر أراضيها الألغام والمناطق العسكرية المغلقة، وليس أمام شبانها سوى بناء مساكنهم على بعد كيلومتر واحد حيث تَقرّرت إقامة المشروع.
مرّ على احتلال الجولان 53 عاماً، ولم يستطع الاحتلال مع كلّ ممارساته القمعية وإرهاب الدولة الذي يفرضه على الجولانيين عبر تدمير نحو 340 قرية ومزرعة، أن يدفع أكثر ممّا نسبته أقلّ من 3% من سكّان الهضبة إلى التخلي عن الهوية السورية. ويقول عميد الأسرى السوريين، صدقي المقت، لـ«الأخبار»، إن «أهالي الجولان مرّة جديدة يؤكّدون رفضهم الخضوع للاحتلال، ولن يقبلوا بتمرير مشروع المراوح على حساب وجودهم وهوية الجولان العربية السورية». ويؤكّد المقت أن «هناك سلسلة اتصالات ومشاورات بين فعاليات وأهالي القرى، لاتخاذ الخطوات المناسبة لموقف الرفض العام الذي عبّر عنه الأهالي وليس هناك من خيار إلّا مواجهة هذا المشروع للدفاع عن بيوتنا وأراضينا».
وعلى رغم أن موقف عدد من الذين ارتضوا بيع أراضيهم للشركة المعنيّة بالمشروع، فتح الباب أمام الاحتلال لتنفيذ مخطّطه، إلا أن هؤلاء لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة، بينما هناك إجماع بين ملّاك الأراضي الآخرين على رفض أيّ عملية بيع. وأولى خطوات المواجهة هي الضغط على «الذين خرجوا عن الموقف الوطني ليتراجعوا عن موقفهم»، الذي «يهدّد سلامة السكّان السوريين ويعزّز موقع الاحتلال الراغب في تهجير الجولانيين وسلبهم أرضهم» كما يقول المقت.
بدوره، يؤكد الصحافي الجولاني، بسام الصفدي، أن «أهالي الجولان لا يمكن أن يقبلوا بهذا المشروع، وهناك إصرار على مواجهة التهديد الوجودي الذي يحاول الاحتلال فرضه علينا عبر تهديد بيوتنا وأراضينا وصحتنا ومحاصيلنا، وبالنسبة إلينا، كلّ المراوح الموجودة مرفوضة، سواء تلك التي بنيت سابقاً على أنقاض القرى الجولانية المهجّرة، أو تلك التي يحاول الاحتلال بناءها على الأراضي الخاصة ومشاعات القرى المسكونة لصالح مشروع الاستيطان وتهجير السكان الأصليين».
منذ شباط 2019 حتى يوم أمس، وجّهت سوريا للجمعية العامة للأمم المتّحدة ولمجلس الأمن الدولي، عبر نائب وزير الخارجية السوري (المندوب الدائم لسوريا في الأمم المتحدة سابقاً) بشار الجعفري، تسع رسائل في شأن الخطوات العدوانية الخطيرة للاحتلال في الهضبة المحتلة، ولا سيّما مشروع المراوح ومشروع إنشاء تلفريك، واستمرار خرق القرار الدولي 497.
وتركّزت الرسائل السورية على كشف خطوات العدوّ التي تمحورت حول إجبار الأهالي على تسليم وثائق الملكيّة «الطابو» للاحتلال، واستبدالها بوثائق إسرائيلية، في محاولة للإيحاء بـ«تطبيع» السكان السوريين الأصليين مع المستوطنين الصهاينة، لكي يستفيد الاحتلال من هذا الأمر في سياق الدعاية لتسهيل قضم الجولان وتثبيت «قرار الضمّ» أمام العالم والمنظّمات الدولية، خصوصاً بعد الاعتراف الأميركي بـ«السيادة الإسرائيلية على الجولان».
وأكّدت كلّ الرسائل، التي حصلت «الأخبار» على نسخة منها، ثبات الموقف السوري، باعتبار «الجولان جزءاً لا يتجزّأ من أراضي الجمهورية العربية السورية، وستعمل سوريا على إعادته إلى الوطن عاجلاً أو آجلاً بالوسائل المتاحة كافة».
صحيفة الاخبار اللبنانية