على وقْع صرخات أهالي الأسرى الإسرائيليين الغاضبين، الذين بدأوا، قبل أيام، مسيرةً على الأقدام من تل أبيب إلى القدس، حيث من المتوقّع أن يصلوا اليوم إلى مقرّ رئيس الحكومة، تعالت الاتهامات في إسرائيل لقادة الحرب: رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن يوآف غالانت، ورئيس الأركان هرتسي هليفي، الذين يتعنّتون في القبول بصفقة لتحرير عددٍ من النساء والعجزة والأطفال الإسرائيليين، في مقابل إطلاق سراح نساء وأطفال فلسطينيين، بحجّة ممارسة مزيد من الضغط العسكري على المقاومة في قطاع غزة.
وفي هذا الإطار، كتب مفوّض شكاوى الجنود السابق، واللواء في الاحتياط، يتسحاق بريك (“معاريف”، أمس)، الذي اجتمع إليه نتنياهو مرتَين على الأقلّ منذ بدء الحرب للأخذ بنصائحه في شأن العملية البرية، وللوقوف على تحذيراته من «عدم جهوزية الجيش واستعداده للحرب»، والتي أَطلقها على مدى السنوات الماضية، أنه: «ليس سرّاً أن المحلّل العسكري للقناة 12، نير دفوري، مقرّب من الناطق باسم الجيش. لذلك، أعتقد أن ما كتبه أو قاله مقبول بالنسبة إلى الأخير. وبناءً على ما سبق، يمكن أن نفهم من كلام دفوري الوارد في مقالة نُشرت الخميس (موقع “القناة 12”)، ومن رسائله التي ينقلها كمراسل عسكري عبر شاشة القناة ذاتها، روح النقاش الدائر، والاتّجاه الذي يميل إليه كلّ من وزير الأمن، ورئيس الأركان».
لا إتفاق (حول الصفقة)
وحتى يوضح بريك ما قَصده، اقتطع فقرة من تقرير دفوري المنشور على موقع القناة، جاء فيها: «المباحثات من أجل الصفقة: طالما أنه لا اتفاق (حول الصفقة)، يواصل الجيش الإسرائيلي العملية البرية في قطاع غزة بكلّ قوته، وبالتالي فإن المفاوضات لا تؤثّر على القتال الدائر في الميدان. يرى غالانت أن العملية العسكرية الكبيرة هي التي ستمكّننا لاحقاً من إعادة المختطفين، إمّا عن طريق صفقة أو من خلال استغلال فرصة قد تأتي في طريقنا. إذا بات الاتفاق نافذاً، يجب الاستعداد لحقيقة أنه ستكون هناك هُدن، وأن حماس ستستغلّها». ما يمكن فهمه من كلام دفوري، وفق بريك، أنه «لا داعي للعجلة الآن لعقد صفقة يُطلَق بموجبها سراح جزء من مختطفينا، طالما أن المهمّة لم تتمّ، وأن الهدنة ستمكّن حماس من إعادة تنظيم صفوفها». كذلك، «نقل دفوري عن غالانت، قوله: “ينبغي أن نواصل، وأن نضغط عليهم، والعملية العسكرية البالغة الأهميّة هي التي ستعيد المختطفين”». وعلى هذه الخلفية، طرح بريك مجموعة أسئلة: أولاً، «هل فعلاً سيكون لدينا امتياز أكبر في المفاوضات لتحرير المختطفين إذا وسّعنا العملية جنوباً؟ حرب تمتدّ لزمن طويل جداً، فيما لم ننتهِ بعد من المعالجة (البنية التحتية للمقاومة في الشمال)، وعلى رغم أنّنا لم نبدأ بعد في التعامل معها (مع الجنوب) ومع الأهداف المبتغاة من العملية، أي القضاء على عشرات الآلاف من الإرهابيين المختبئين في الأنفاق تحت مدينة غزة وتحت مدينة خانيونس في الجنوب، وبالتالي القضاء على حكمهم؟». وثانياً: «هل سنتأخّر ويفوتنا القطار، وفرصة اليوم لن تعود متاحة أمامنا غداً؟». وثالثاً: «أنُخاطر بالإنجازات التي حقّقناها حتى الآن، والتي تتيح لنا التوصّل إلى اتفاق من أجل تحرير جزء من الأسرى؟».
وذكّر بريك بأن «المختطفين محتجزون في ظروف قاسية جداً، وكلّما امتدّ الوقت للتوصّل إلى اتفاق في شأنهم، فإن جزءاً منهم قد لا يصمد في الجحيم الذي يحيا فيه»، معتبراً أن ثمّة «مقامرة بحياتهم. سيكون مثيراً للاهتمام أن نعرف مستقبلاً ماذا كانت مواقف أعضاء الكابينيت المصغّر في شأن الهدنة الآن وتحرير جزء من المختطفين، أو هدنة بعد زمن طويل جدّاً بعد أن نواصل توسيع السيطرة وصولاً إلى جنوب القطاع، وفقط بعد ذلك – ندخل في مفاوضات في شأن إعادة الأسرى». أمّا السؤال الرابع الذي طرحه، فهو «ألا ينبغي الآن بذل كلّ الجهود لإعادة أكبر عدد ممكن من المختطفين إلى عائلاتهم؟»، خالصاً إلى القول: «ينبغي أن يكون هدف المناورة البرية وإنجازاتها حتى الآن متّسقاً مع إعادة المختطفين. لدينا واجب أخلاقي تجاههم وتجاه عائلاتهم».
أسئلة بريك المشار إليها، تقاطعت مع تحذيرات أطلقها محلّلون إسرائيليون من أن عدم قبول إسرائيل بصفقة جزئية، من شأنه أن يفضي إلى مقتل بعض الأسرى أو وفاة آخرين بسبب تدهور حالتهم الصحية، والظروف التي يُحتجزون فيها. وفي هذا الجانب، نقل المحلّل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، عن مسؤولين سياسيين إسرائيليين، قولهم إن «موقف نتنياهو في شأن الصفقة ينطوي على حسابات سياسية داخلية»، في مقدّمها «الاعتبار الجوهري (الذي يتّخذه نتنياهو في الحسبان)، وهم وزراء اليمين المتطرّف، وخاصة رئيس حزب “عوتسما يهوديت” (وزير الأمن القومي) إيتمار بن غفير، الذي يبحث عن طريقة للنأي بنفسه عن الإخفاق الأمني في 7 أكتوبر، وربّما ينسحب من الائتلاف، فيما نتنياهو متمسّك به (وبزميله، وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش)». ولفت هرئيل إلى أن ثمّة اعتباراً آخر لدى نتنياهو، مرتبط «بصراع البقاء السياسي والذي يؤثّر على احتمالات بقائه خارج السجن»، منبّهاً إلى أن «المصيبة هي أن الوضع ليس جامداً. ففي القطاع تسود فوضى الحرب، وقد تشتدّ بتوسّع القتال إلى مناطق أخرى أيضاً. ولا يوجد أيّ يقين ببقاء المختطفين الذين ما زالوا على قيد الحياة، أو صحتهم معقولة حالياً، في الوضع نفسه، خلال الأسبوع المقبل حتى». أمّا بالنسبة إلى وزير الأمن وقادة الجيش، فهم «يمارسون ضغوطاً من أجل استمرار الحرب، لاعتقادهم بأن ذلك سيرغم رئيس حماس، يحيى السنوار، على تقديم تنازلات كبيرة في المفاوضات حول صفقة تبادل أسرى». فرئيس الأركان «يرى أنه لا توجد ضغوط على إسرائيل لإنهاء المناورة البرية»، فيما أعلن غالانت، في وقتٍ سابق، أنه «لا يوجد زمن محدَّد للحرب، وإنّما أهداف». ووفقاً للمحلّل نفسه، فإن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، «تُظهر الآن تسامحاً منقطع النظير تجاه إسرائيل، على رغم الاستطلاعات التي تشير إلى تراجع شعبية بايدن». ومع ذلك، فإن «الغطاء الأميركي، الذي يهدف إلى الحؤول دون تدهور الأوضاع مقابل حزب الله وإلى حرب إقليمية، ليس مضموناً إلى الأبد».
“عسيرة على الهضم”
أمّا المحلل السياسي لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، فوصف الصفقة المطروحة على طاولة مجلس الحرب بأنها «عسيرة على الهضم»، لكنه أقرّ، في الوقت نفسه، بأن «احتمال أن نحصل على صفقة أفضل منها ضئيل جداً»، كما أن «علينا أن نقرّر، وبسرعة» لأن التهرّب من اتّخاذ القرار هو «مقامرة بحياة أطفال، ونساء ومسنّين اختطفوا إلى أرض معادية من دون أيّ ذنب، وبسبب أخطاء الحكومة». ولفت برنياع إلى الانقسام السائد في قيادة الحكومة والجيش، موضحاً أنّ «بالإمكان تصنيف الوزراء (إلى نوعين): متفائلون ومتشائمون. غالانت متفائل لاعتقاده بأن حماس توشك على الانهيار، وأنها، في الضائقة التي تعيشها حالياً، لا يعنيها لا الأسرى في السجون ولا مساعدات إنسانية ولا وقود. فقط تتوق إلى وقفٍ لإطلاق النار يوقف الضربة النهائية، ما يتيح لها إعادة لملمة نفسها». وانطلاقاً من هذا الاعتقاد، خلص غالانت، وفق برنياع، إلى ثلاثة استنتاجات: “أولاً، أن هذه مرحلة أولى من خمس أو سبع مراحل لا تزال تنتظرنا، وأنها ستشكّل سابقة ونموذجاً للصفقات المقبلة. لذلك، من المهمّ خفض الأثمان. ثانياً، الآن، فيما تُهاجَم غزة بثلاث فرق عسكرية، فإن الضغط على حماس في ذروته، وثمّة شكوك في إن كان ضغط بقوّة كهذه سيُمارس على حماس في المفاوضات المقبلة. ثالثاً، السنوار يحاول إجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار ليس بعد الاتفاق، وإنّما أثناء المفاوضات. وبينما يعمل الجيش في مستشفى الشفاء، يعلن (السنوار) وقف الصفقة حتى تنسحب إسرائيل منه. هذا الشرط علينا رفضه نهائياً. فالجيش يريد الاستمرار في القتال لأن هذه وظيفته؛ هذه كفّارته (عن فشله في حماية المستوطنين في “غلاف غزة”)». وبحسب برنياع، فإن «غالانت يستند في سجاله إلى دعم رئيس الأركان».
في المقابل، يتخوف الوزيران «المتشائمان»، بيني غانتس وغادي آيزنكوت، ومعهما رئيس حزب «شاس» أرييه درعي، «من أنه لا بديل من هذه الصفقة». وباعتقادهم، فإن «السنوار ليس على وشك الانهيار، وحياة (الأسرى الإسرائيليين) الذين من المحتمل أن يُفرج عنهم، يُداهمها خطر يومي». ولفت إلى أن وجود الجيش في غزة لم يمنع مقتل أسرى إسرائيليين، معتبراً أن تخوّفات الثلاثي «ربّما ليست تشاؤماً، بل واقع. هذا هو الواقع»، مذكّراً بما تناوله في مقالة سابقة، أول من أمس، حول الطريقة التي تهرّب بها نتنياهو من اتّخاذ قرار في اجتماع سابق حول الصفقة. وأشار إلى أنه «أمس، لاح تغيّر في موقفه، ربّما بسبب الضغط الأميركي، أو بسبب الضربة التي تعرّض لها في استطلاعات الرأي. في نهاية المطاف، رئيس الوزراء ليس محلّلاً تلفزيونياً: عليه أن يقرّر». واعتبر المحلل السياسي أن موقف “حماس” في المفاوضات «منهجي أكثر من موقف حكومة إسرائيل. حماس أوغاد، لكنهم أوغاد منهجيون. منذ البداية، تحدّثوا عن 50 أسيراً، على ما يبدو هذا ما لديهم ليعرضوه في الفئات التي يجري الحديث عنها. إسرائيل تريد صفقة أكبر، لكن ليس مضموناً أن ذلك ممكن». فضلاً عمّا تقدّم «حتى الآن ليس مضموناً أن الصفقة ستُنفّذ: فحماس هي حماس. وفي النهاية، سندفع الثمن. السؤال هو إنْ لم ندفع ثمناً إضافياً، لا داعي له، بسبب استصعاب حكومتنا اتّخاذ قرار بدفع الثمن».
شعبيّة نتنياهو في الحضيض
في مقابل سطوع «شمس» رئيس كتلة «المعسكر الوطني»، وزير مجلس الحرب المُصغّر، بيني غانتس، واصل «نجم» رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الأفول، إذ أَظهر الاستطلاع الأسبوعي لصحيفة «معاريف»، استمرار شعبية نتنياهو في التهاوي، مبيّناً أنه في حال جرت انتخابات «كنيست»، الآن، فإن «المعسكر الوطني» سيحوز على 42 مقعداً، على أن يحصل «الليكود» (يتزعّمه نتنياهو، ويمثّل الكتلة الكبرى حالياً)، على 17 مقعداً فقط.
في المقابل، نال حزب «هناك مستقبل»، بقيادة زعيم المعارضة، يائير لبيد، 14 مقعداً، وتراجع «إسرائيل بيتنا»، بزعامة أفيغدور ليبرمان، من تسعة مقاعد في الاستطلاع السابق، إلى ثمانية في الاستطلاع الحالي. كما تراجع «شاس»، بقيادة أريه درعي، من تسعة مقاعد إلى ثمانية. كذلك، حصل «يهودية التوراة» على سبعة مقاعد، وارتفعت حظوظ حزب «عوتسما يهوديت»، بقيادة وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، من خمسة إلى ستة مقاعد، فيما حصل حزب «الصهيونية الدينية»، بقيادة وزير المالية، بتسلئيل سموترؤتش، على أربعة مقاعد، ومثله حصّل حزب «ميرتس». ونالت القائمتان العربيتان، ثنائي «الجبهة العربية للتغيير» و«القائمة الموحّدة»، خمسة مقاعد لكلّ منهما.
وبناءً على هذه النتائج، فإن معسكر المعارضة (ومن ضمنة «المعسكر الوطني»)، سيحصل مجتمعاً على 78 مقعداً، فيما يتراجع «المعسكر المؤمن» الذي يُشكل الحكومة الحاليّة، من 64 مقعداً إلى 42.
وعلى مستوى الشخصية الأنسب لتولّي منصب رئاسة الوزراء، رأى 50% من المستطلَعين أن غانتس هو الأنسب، فيما اعتبر 29% أن نتنياهو هو الأنسب، و21% لم يحدّدوا موقفهم. وعن الشخصية السياسية الأنسب لتزعم «الليكود» بعد نتنياهو، رأى 21% أن رئيس «الموساد» السابق، يوسي كوهين، هو الأنسب، فيما قال 13% إن غدعون ساعر، هو الأنسب (انشقّ ساعر عن «الليكود» وأسّس حزب «هتكفا»، وخاض الانتخابات ضمن «المعسكر الوطني» وهو وزير في حكومة نتنياهو وعضو في الكابينت السياسي – الأمني بعد انضمام حزبه إلى حكومة الطوارئ). كذلك، رأى 12% أن وزير الأمن، يوآف غالانت، هو الأنسب لتولّي المنصب؛ و11% قالوا إن وزير الاقتصاد، نير بركات، هو الرجل المناسب. وأجاب 23% بأنهم لا يرون أيّ شخصية من الشخصيات التي ذُكرت مؤهّلة لمنصب رئاسة الوزراء، فيما أجاب 20% بأنهم لا يعلمون (ليس لديهم موقف محدّد).
صحيفة الأخبار اللبنانية