حنا مينه في وصيته: إنه يستغيث بنا منا!
دمشق ــ خاص بوابة الشرق الأوسط الجديدة
بعد عدة أشهر، يكون قد مضى على نشر وصية الكاتب الكبير حنا مينه عشر سنوات، وهو حي يرزق، ونتمنى أن يتعافى ويعيش معنا فترة أطول، والوصية في القانون وثيقة هامة يتم التعاطي معها على أنها إقرار شريطة أن لاتتنافى مع القوانين، ولكن ثمة شيء ما يدفعنا لقراءتها مجددا طالنا وصلنا إلى السنة العاشرة على كتابتها من قبله!
والوثيقة تثير الآن مجموعة هواجس في الحياة الثقافية السورية، أشعر بضرورة قراءة الرسائل غير المباشرة في الوصية التي كتبها وهو في ” كامل قواه العقلية” كما أعلن فيها.
إنها وثيقة من وثائق الثقافة السورية، وفي أهم ملامحها أن حنا مينه يقدم نصا نوعيا من كاتب ينتظر موته، وأهم مافي هذا النص أنه لم يكن نصا أدبيا بل كان نصا أقرب إلى النصوص الوجدانية والحقوقية معا، وهو في القراءة المباشرة لمفرداته بعيد عن الثقافة والأدب والحال الثقافي للأمة، أما في القراءة التفسيرية فهو يحمل مضامين ينبغي البحث عنها اليوم بعد مرور عشر سنوات على كتابة (النص/الوصية) .
لاحظوا ماذا يقول في إحدى الفقرات:
“لقد كنت سعيداً جداً في حياتي، فمنذ أبصرت عيناي النور، وأنا منذورٌ للشقاء، وفي قلب الشقاء حاربت الشقاء، وانتصرت عليه، وهذه نعمة الله، ومكافأة السماء، وإني لمن الشاكرين.”
هل يمكن تفسير معنى السعادة التي عاشها، هل هي سعادة الكفاح ضد الشقاء أم سعادة الانتصار عليه، وهل يترك لنا أن نقرر بأن ثمة مفاهيم نسبية ينبغي التعامل معها كمفهوم (السعادة عند الكاتب مثلا)؟
في فقرة أخرى يقول حنا مينه:
” عندما ألفظ النفس الأخير، آمل، وأشدد على هذه الكلمة، ألا يُذاع خبر موتي في أية وسيلةٍ إعلامية، مقروءة أو مسموعة أو مرئية، فقد كنت بسيطاً في حياتي، وأرغب أن أكون بسيطاً في مماتي، وليس لي أهلٌ، لأن أهلي، جميعاً، لم يعرفوا من أنا في حياتي، وهذا أفضل، لذلك ليس من الإنصاف في شيء، أن يتحسروا علي عندما يعرفونني، بعد مغادرة هذه الفانية.”
هل يحق لحنا مينه أن يوصي بمنعنا من أن نذيع خبر وفاته أو نعد الملفات الثقافية والإعلامية والوثائقية عن واحد من أكبر روائي العرب الذين وصلوا إلى العالمية، وفي هذه الحالة : هل نحترم هذا النوع من الوصايا ؟
وهنا أتذكر وصية قالها لي الدكتور علي عقلة عرسان، أطال الله عمره، وفيها يخبرني بأنه طلب أن لاينعيه التلفزيون السوري عند موته ، فهل هو موقف من الإعلام؟ نعم هو أوضح لي ذلك وقتها ..
وإذا كان حنا مينه قد غطى على ذلك برغبته في (البساطة) فإن مكانته الثقافية يفترض أن تمنعه من الجنوح نحو تبسيط الرغبة الخاصة في وصية كاتب بسويته يغلق الباب على مؤسسات بلده أن تقوم بدورها؟!
لنقرأ أيضا ماجاء في الوصية:
“أشدد: لا حفلة تأبين، فالذي سيقال بعد موتي، سمعته في حياتي، وهذه التأبين، وكما جرت العادات، منكرة، منفّرة، مسيئة إلي، استغيث بكم جميعاً، أن تريحوا عظامي منها.”
إنها واحدة من أخطر فقرات الوصية : “لاحفلة تأبين”، “أستغيث بكم جميعا أن تريحوا عظامي” !! وهذا يعني أنه كان يستفز من كل ما أقمناه من حفلات تأبين أو تكريم للكتاب أو المبدعين الذين رحلوا، وربما يعتبر إجراءاتنا تلك نوعا من الخداع والمكر وقلة الحياء لأننا لم نحترم مبدعينا وكتابنا في حياتهم!
تركت أول فقرة في وصيته إلى نهاية هذه الزاوية، وفي يحاول حنا أن يعلن صراحة أنه يحن ليكون حنا الانسان فقط :
” أنا حنا بن سليم حنا مينه، والدتي مريانا ميخائيل زكور، من مواليد اللاذقية العام 1924، أكتب وصيتي وأنا بكامل قواي العقلية، وقد عمّرت طويلاً حتى صرت أخشى ألا أموت، بعد أن شبعت من الدنيا، مع يقيني أنه «لكل أجل كتاب».”
(للمقالة صلة)