حوار مفتوح مع رئيس الحكومة السوري يكشف القصة المرضية للإعلام !
في ساعة متأخرة من ليل الأحد 25 أيلول ترك رئيس الحكومة السوري المهندس عماد خميس المعروف بعلاقاته الجيدة مع الإعلاميين ترك ملفات الإعلام التي يدرسها مع الملفات الأخرى على طاولته ، وهو على موعد صباح اليوم التالي في دار البعث مع مجموعة من كوادر الإعلام ومسؤوليه وكان الاهتمام واضحا بالإعلام التلفزيوني…
كان الموعد في العاشرة صباحا، لكنه في هذه الساعة غير وجهته، فزار مؤسسة الوحدة للطباعة التي تصدر صحيفتي الثورة وتشرين ، ثم اتجه إلى مبنى التلفزيون السوري ليفاجئ الإعلاميين هناك أنه في عقر دارهم ، ويطلع على واقع العمل في في هاتين المؤسستين قبل التوجه إلى الحوار المفتوح الذي أثار الوسط الإعلامي كله!
في مدخل الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون كان بعض العاملين قد أعلنوا اعتصاما جزئيا يطالبون فيه بإلغاء قرارات المدير العام الجديد عماد سارة المتعلقة بالدوام الالزامي (سبع ساعات) والمحاسبة على أساس البصمة الإلكترونية اليومية، وكان بعض هؤلاء ساخطين على هذا النوع من القرارات ، وعندما صادفهم رئيس الحكومة استمع إليهم ورفض أن يكون هذا الشكل طريقة للحل، ووصفه بالفوضى.
أمضى رئيس الحكومة وقتا يقارب الساعة في مبنى الإذاعة والتلفزيون ثم اتجه إلى أولئك الذين كانوا بانتظاره في دار البعث ، وهناك جرى حوار ساخن مع الاعلام السوري تجاوز أربع ساعات ، بعث فيه رئيس الحكومة برسالة واضحة تقول : لن نقبل بعد الآن باستمرار الأداء على شـكله الحالي ، وهي العبارة التي خرجت في عناوين ومقالات الصحافة في اليوم التالي!
لم يحصل ذلك من رؤساء الحكومات السابقين إلا جزئيا، فقد زار رئيس الجمهورية بشار الأسد مبنى الإذاعة والتلفزيون قبل نحو سنة، أما رؤساء الحكومة، فلم يتعاطوا معه على أنه مؤسسة على غاية الأهمية في عصر الحرب الإعلامية التي لاتقل أهمية عن حرب الدبابات والطائرات علما أن رئيس الحكومة السابق الدكتور وائل الحلقي زاره عند تدشين قناة تلاقي وإذاعة سوريانا فقط.
قال رئيس الحكومة السورية الجديد إنه لن يقبل باستمرار هذا الأداء، وكان إلى جانبه المعنيون بالأمر وزراء الإعلام المهندس محمد رامز ترجمان والثقافة محمد الأحمد والمالية الدكتور مأمون حمدان والدولة لشؤون المنظمات الدكتورة سلوى عبدالله إضافة إلى المدراء العامين والمدراء ومعاون الوزير وآخرون .. كان هذا يعني أن موضوعات كبرى ستكون في واجهة الحوار: هل الإعلام السوري بخير؟ هل هناك مهنية إعلامية ؟ هل هناك إعاقات رسمية لأداء هذا الجهاز ؟ هل هناك فساد وتضخم إداري وتسيب ؟ هل هناك تقصير في التعامل معه ؟ هل يقوم هو بدوره في ظروف مقبولة؟ وكيف يرى الإعلاميون أنفسهم الحل؟! أسئلة مفترضة يبحث عنها رئيس الحكومة، ومع ذلك اتجه الحوار إلى الشكاوى، فنظمه المهندس خميس ليبعث بالرسائل التي يريدها من الجميع ، وليسمع طبيعة القصة المرضية من أفواه أصحابها!
وبغض النظر عما يمكن أن يستفاد من هذا الحوار المفتوح كما أطلقت عيه صحيفة الثورة، فإن النتيجة المهمة الأولى التي تمكن رئيس الحكومة من إظهارها عبر خطوته الهامة هذه إلى السطح هي القضايا الشائكة والمعضلات الحقيقية، تمهيدا لمعالجتها، أي أنه استمع إلى القصة المرضية فعلا قبل أن يصف العلاج ، والجميع ينتظر وصفة رئيس الحكومة الحاسمة !
إن مشكلة الإعلام السوري، كما ظهر في الحوار، هي أنه كان متهما ولايزال بأنه إعلام استقبل وودع يتلقى التعليمات والمعلومات فيبثها ولايبحث عنها، وهذا الاتهام يحمل معنى مبطنا هو تهربه من وظيفة الإعلام الأساسية، أو على نحو أدق عجزه عن تأديتها ، وقد انكشفت هذه المشكلة من خلال طرح موضوع التدخلات بالعمل الإعلامي بشكل يؤثر على مستوى أدائه ، بشكل يفرض على الوسيلة الإعلامية الإلتزام بالتعليمات التي تصلها رغم عدم القناعة بما ينشر أو يبث، وعند تقييم مستوى العمل تنتقد الوسيلة الإعلامية بأنها مقصرة وضعيفة..
كشف الحوار المفتوح مسألة أخرى تتعلق بحجب للمعلومة عند التعامل مع الجهات العامة، والتشدد في إعطاء المعلومات اللازمة للصحفيين، وخاصة من قبل المكاتب الصحفية التي تبدو كمن يروج ويلمع للمسؤول في هذه الوزارة أو تلك، كما كشف عن انتقائية في تسريب المعلومة لهذه الوسيلة أو تلك، وأحياناً يتم اعطاء الأولوية لوسائل إعلام غير محلية وهذا ما طالب السيد خميس بمعالجته والوقوف على أسبابه.
وقال إن هناك قرارات ستصدر بهذا الخصوص، لأنه ليس المطلوب تلميع صورة المسؤول أو الحكومة، بل إظهار الأخطاء والنواقص ومحاربة الفساد والعمل على إظهار حجم الأعباء الملقاة على عاتق الدولة السورية خلال هذه الحرب، ومدى الظروف الصعبة التي يمر بها البلد.
طلب رئيس الحكومة السوري عماد خميس بورشة عمل لدراسة واقع الكادر الإعلامي والعمل على ترميم النقص من الفائض في أماكن أخرى، لكنه وجه اللوم أيضا إلى المقصرين في عملهم .. ومن المشاكل الضاغطة التي طرحت أيضاً الوضع الوظيفي لعدد كبير من العاملين في هذا المجال بعد توقف الإعلان عن مسابقات منذ عام 2000، ليتحول التوظيف إلى أشكال أخرى كالاستكتاب والعقود والبونات..
من ضمن القضايا التي بحثت أيضاً وأثارت بعضاً من الجدل قرار إغلاق محطة تلاقي بعد سنوات من عملها، وبعد حصولها على جائزة غينس لطول ساعات البث، وما مصير نحو 40 – 50 من كوادرها بعد قرار الإغلاق في حال صدوره؟
رئيس الحكومة أكد أن شائعة إغلاق أو دمج اي وسيلة إعلامية مع أخرى لن يؤثر على الكادر العامل في المؤسسة هذا من جهة أما من جهة ثانية فإن قرار الإغلاق لم يصدر بعد. وعن فكرة الدمج بين جريدتي تشرين والثورة أكدت رئيسة تحرير جريدة تشرين د. رغداء مارديني أن مطلب فك الدمج أو فصل الموازنة كحد أدنى مطلب قديم جديد تفرضه شروط العمل غير المتكافئة بين الوسيلتين وأن أداء جريدة تشرين سيكون أفضل بكثير في حال تم فك الدمج بين الصحيفتين، وهنا أكد خميس أن الحكومة لن تتخذ هذا القرار حالياً، لأنه يحتاج إلى دراسة من قبل أهل الاختصاص, الكادر العامل ضمن الإعلام الحربي دعا إلى منحهم بعض المزايا الاستثنائية لطبيعة العمل الخاصة بهم، وذكر المراسل ربيع ديبة من قناة الإخبارية أنه يتم تفضيل بعض المراسلين من وسائل إعلام أخرى على مراسلي الإعلام المحلي، بشكل يجعل القنوات الأخرى تبدو أكثر تفوقاً. وطالب أيضاً بإنشاء صندوق لجرحى المراسلين الحربيين في وسائل الإعلام المحلية.
من جهته أكد وزير الاعلام السوري المهندس محمد رامز ترجمان الذي كان مديرا عاما للإذاعة والتلفزيون قبل توليه منصبه الجديد العمل على تطوير العمل فى المؤسسات الإعلامية ليكون إعلامنا الوطنى أكثر تأثيرا وقدرة على ملامسة هموم المواطنين وقضاياه الحياتية والمعيشية وتعزيز أواصر الوحدة الوطنية بين أبناء المجتمع مشيرا إلى تقديم الدعم اللازم للمؤسسات الاعلامية لتقوم بواجبها ومسؤوليتها تجاه المجتمع ولاسيما خلال الازمة التي تمر بها البلاد.
وعلى نحو لم يكن متوقعا كشف مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون عماد سارة عن معطيات في المؤسسة التي تولى إدارتها منذ أقل من شهر حيث قال: إنه حينما يتم تأمين المال الكافي للإعلام سيكون هناك إعلام قوي قادر على النهوض بمسؤوليته كما هو مطلوب منه، فهناك نقص في المعدات أيضاً، كوجود نحو 90 عاملاً في محطة «سورية دراما» يستخدمون جهاز كمبيوتر واحد، وأضاف سارة: إن الحكومة تتعامل مع الإعلام مثل معمل الكونسروة، وهذا أمر خاطئ أثّر على عمل الإعلام وتطويره، وهو ما أكده رئيس تحرير جريدة الثورة علي قاسم حينما قال: لا يجب التعامل مع الإعلام بذات العقلية التي يتم التعامل بها مع مؤسسات أخرى، فالإعلام حالة خاصة بحد ذاته ويحتاج إلى قانون خاص يراعي خصوصية العمل الإعلامي.
في نهاية الحديث وخلاله ركز رئيس الحكومة على ضرورة أن يكون هناك انطلاقة جديدة للإعلام وأن تتم إعادة هيكلية المؤسسات بخطة من قبل أهل المؤسسات الإعلامية أنفسهم وهذا يجب أن يتم في مدة أقصاها شهر، وقال: كفانا مجاملات فالعمل المقبل سيكون بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب بعد التخلص من موضوع المحسوبيات في العمل والتعيين.وأن هذا يتطلب دعماً خاصاً للقطاع الإعلامي ووعد أنه بعد تنفيذ عملية الإصلاح سيحصل القطاع الإعلامي على اهتمام ودعم حكومي يجعله في المرتبة الثانية بعد الجيش من حيث الاهتمام..
وقد أخذت مسألة اعتصام بعض الإعلاميين في الإذاعة والتلفزيون حيزا من اهتمام الصحافة ، فأوضحت صحيفة الوطن أن عدد المعتصمين كان نحو 15 موظفاً ونقلت عن الوزير ترجمان قوله إن قرار المدير العام عماد سارة حول إلزام موظفي الهيئة بالدوام لمدة 7 ساعات قانوني يطبق بجميع مؤسسات الدولة، مؤكداً أنه لا تراجع عنه.
وأوضح ترجمان في تصريحه أن ما حدث في الهيئة ليس اعتصاماً بل هو مجرد لقاء لعدد من الموظفين ورئيس الوزراء، مؤكداً أن الإشكال الحاصل بين بعض الموظفين والإدارة أن هناك أعمالاً تأخذ طابعاً إبداعياً لا يمكن حصرها بمكان أو زمان وأن هذا الموضوع تتم دراسته حالياً لإيجاد صيغة مناسبة لمعالجته.وبيّن ترجمان أن جولة رئيس الحكومة تأتي في إطار الوقوف على الواقع الإعلامي بشقيه العام والخاص وإعادة هيكلية الإعلام ومن ضمنها الإصلاح الإداري، إضافة إلى الوقوف على المشكلات والصعوبات التي تواجه للارتقاء بالإعلام السوري ليكون وطنياً منتجاً يحظى بالمصداقية اللازمة والنهوض به ليصبح مرآة وحامل هموم السوريين ويعبر عن تطلعاتهم.
من جهته قال المدير العام عماد سارة الذي رمى التحية على المعتصمين دون أن يجادلهم: إن القرارات التي اتخذتها هي قانونية 100 بالمئة، وسوغ سبب صدور القرار المتعلق بإلزام الموظفين بالدوام سبع ساعات بأنه حينما حدث تفجير بمحافظة طرطوس في الشهر الماضي اتصلت بالفضائية لإجراء حوار مباشر لمواكبة الحدث إلا أنه لم يكن هناك مذيع يقوم بهذه المهمة وأن الكادر غير مكتمل، مضيفاً: جلبنا المذيع من سرير منزله.
وكشف سارة أن هناك ما يقرب من 400 موظف محسوبين على الهيئة إلا أنهم لا يداومون، مؤكداً أن هناك فوضويين في التلفزيون همهم إثارة الفوضى وعدم الالتزام..
كيف سيعالج رئيس الحكومة السوري كل هذه الأمراض المستعصية في الإعلام، وهل سيجد الوقت المناسب لوصف الدواء اللازم لها، والحرب لاتزال تقرع طبولها في كل حي سوري؟ أم أن المعالجة ستكون من ضمن آليات مواجهة ظروف الحرب الصعبة ؟
على كل حال يبدو الإعلام السوري الآن في أخطر مرحلة يمر بها بعد أن أنهكته ظروفه الصعبة، وظروف الحرب التي مرت عليه ..
((المعلومات عن الصحف السورية، وبشكل شخصي))