خالد سقاط ملاحقاً الفساد حتى… حمورابي

 

في «الفساد، هل يمكن الشفاء منه؟» (بالغريف ماكميلان ـ 2018)، يقول الكاتب خالد سقاط إنه يمكن العثور على إشارات إلى الفساد في مصادر عتيقة، ومنها مثلاً تلك العائدة إلى ملك بابل حمورابي (القرن الثاني والعشرون قبل التأريخ الشائع) ومرسوم حرمهب ملك مصر (القرن الرابع عشر قبل التأريخ الشائع). وأشار بعض الكتّاب إلى حالات فساد يعود تاريخها إلى 388 ق ت ش وتُعزى إحداها إلى الرياضي يوبُلُس (eupolos) الذي رشى بنجاح ثلاثة من منافسيه في البطولة القتالية الأولى في الألعاب الأولمبية. وفي القرن الثاني عشر ق ت ش، حاول دامونيكوس والد المصارع الأولمبي بوليكتور رشوة والد الخصم لإقناع ابنه بالتنازل عن الفوز في مسابقة المصارعة الأولمبية لصالح الأول.

الفساد ليس قديماً فقط لكنه واسع الانتشار أيضاً. فلا يوجد بلد أو نشاط بشري حول العالم ينجو من المشكلة. بالنظر إلى الإصدار الأخير للمؤشرات الثلاثة الأكثر شيوعاً لانتشار الفساد وهي «مؤشر مدركات الفساد في منظمة الشفافية الدولية»، والمؤشرات التي يوافرها «دليل المخاطر القطرية الدولية»، و«مؤشرات الحوكمة العالمية»، ليس هناك بلد متطور أو نام يمكنه الحصول على أعلى الدرجات.

والفساد لا يقتصر على البيروقراطيين والسياسيين. ذلك أن الدراسات المختلفة توثّق انتشاره في الصحة والتعليم والعدل وإنفاذ القانون والمياه والرياضة وحتى النقابات ووسائل الإعلام، دوماً وفق للكاتب خالد سقاط برفسور الاقتصاد في «جامعة بروكسل». والفساد ليس نادراً حتى في حالات الطوارئ الإنسانية، إذ أعاق جهود الإغاثة بعد كارثة تسونامي في جنوب شرقي آسيا عام 2004 وفقاً لمنظمة الشفافية الدولية.

أخيراً تم الاعتراف بأن الفساد منتشر الآن على نطاق واسع باعتباره «مرضاً» بل حتى وباءً رئيساً لا يهدد التنمية الاقتصادية فحسب، بل أسس المجتمعات نفسها أيضاً. يقول الكاتب إن إصدارات عديدة درست أسباب الفساد وعواقبه، لكن لم يقدّم أيّ منها تقريباً تحليلاً عميقاً للعلاجات المحتملة. ولذلك فإنّ هدف هذا المؤلّف سد تلك الفجوة، إذ يناقش الحلول التي تم تبنّيها في مختلف البلدان وعلى المستوى الدولي للحدّ من الفساد، وبالتالي استكشاف الوسائل الفعّالة الممكنة للحدّ منه، قدر الإمكان. ويضيف الكاتب: «من خلال تحليل الحلول المختلفة التي تم تبنّيها في أنحاء العالم وأسباب نجاحها أو فشلها، فإنّه يسعى إلى تزويد صناع القرار على الصعيدَين الوطني والدولي بالتوجيهات بشأن الاستراتيجيات الفعّالة الممكنة لمكافحة الفساد. يمكن أن تتكون مثل هذه الاستراتيجيات في تبنّي الحلول الناجحة الحالية أو تصحيح الحلول غير الناجحة أو تطوير حلول أخرى تأخذ في الاعتبار أسباب فشل المحاولات السابقة».

عمل الكاتب على مؤلّفه من منظور أن المكونات المختلفة للمجتمع مترابطة وأن حُسن سير كلّ منها ضروري لحسن أداء المجموعة ككلّ ومنها القوانين الكابحة للفساد والقضاء النزيه والإعلام المحايد وغيرها. لكن ثمة عوامل وجب التنبّه إلى أهميتها وهي ضرورة تعلّم المواطنين كيفية الوصول إلى المعلومات ذات الصلة ومعالجتها واستخدامها استخداماً فعّالاً من أجل تحقيق هدف الحدّ من الفساد.

ينقسم المؤلف إلى ثلاث أجزاء رئيسة. الأول «الفساد، المدى والأسباب والعواقب» وهدفه مناقشة القضايا ذات الصلة بعمق للتمكّن من معالجة التحليل بفعالية ووضوح. يناقش الفصل الأول في هذا الجزء تعريفات الفساد ومقداره والإفراط في تقديره حول العالم. أما الفصل الثاني، فيركّز على قياس الفساد، بينما يبحث الفصل الثالث الأسباب، في حين يتناول الفصل الرابع العواقب.

تتناول فصول الجزء الثاني (استراتيجيات مكافحة الفساد: دور الدولة) منفصلةً الحلول المختلفة التي نوقشت أعلاه. يبدأ كلّ فصل بمراجعة مختصرة للحجج الخاصة بحلّ معين قبل تقديم المزيد من التفاصيل للنتائج التجريبية المتعلّقة بفعاليته اعتماداً على التجارب العملية ودراسات الحالة وتحليلات الاقتصاد الجزئي والكلّي. يتكون القسم المتبقي من هذا الجزء من ثماني فصول. تتناول الفصول الخامسة والسادسة والسابعة العلاقة بين الفساد والديمقراطية والقواعد الانتخابية واللامركزية بينما تناقش الفصول 8-10 دور الهيئات التنظيمية والعدالة والوكالات المتخصّصة في مكافحة الفساد. أخيراً يركز الفصلان 11 و12 على تغيير حوافز موظفي الخدمة المدنية والتعاون الدولي.

الجزء الثالث (استراتيجيات مكافحة الفساد: دور المجتمع المدني) يناقش الدور الخاص المنوط بتكنولوجيا الاتصال والإعلام؛ والمجتمع المدني والتربية والتعليم.

يضيف الكاتب إن أشكال الفساد تكمن في الرشوة والمحسوبية وسرقة أصول الدولة وتحويل عائداتها. أما المبالغ، فتراوح بين المدفوعات الصغيرة والمسؤولين ذوي الرتب المنخفضة في مقابل الخدمات التي يحقّ للمواطنين الحصول عليها في أي حال (أي الفساد «الصغير») والمدفوعات الكبيرة إلى كبار المسؤولين والوزراء في مقابل التأثير في قوانين الدولة وهذا هو «الفساد الكبير». في حين أن الأوّل هو الأكثر وضوحاً وإثارة لسخط المواطنين العاديين، فالأخير أقل وضوحاً لكن له آثار اقتصادية ضارّة محتملة.

ويضع الكاتب شروطاً لنجاح المراقبة والسيطرة في الحدّ من الفساد أولها تمتّع المراقبة، فردية كانت أو شركة أو منظمة أخرى، بمعايير عالية من القيم الأخلاقية والمدنية لضمان ثقتها من قِبل المواطنين، لكنّه يعترف بأنه ليس من السهل العثور بسهولة على أفراد يتميّزون بهذه الصفات، والبديل في ظنه هو اختيار جهاز يتم تقديم مصلحته الخاصة عن طريق تحقيق هدف المهمة [من أقوال لينين: المراقبة جيدة، المراقبة المضاعفة أفضل! – ز م].

ثانياً: تتطلب المراقبة الفعّالة المقدرة على الوصول إلى المعلومات ومعالجتها واستخدامها بكفاءة خاصّة أنّ عدداً من الحقول والأبعاد المتعلّقة بالفساد معقدة للغاية. يعتمد هذا على الوصول والاستخدام الفعال إلى حدّ كبير على جودة نظام المعلومات في البلاد. وتؤدّي وسائل الإعلام المستقلّة [مستقلة عمّن؟!] دوراً حاسماً في توفير معلومات موثوقة وتعزيز الشفافية والدعاية ويمكن أن تكون مفيدة للغاية في فضح سوء السلوك.

ثالثاً: وجوب تمتّع المراقبين بمستوى معين من التعليم ليس فقط للإفادة من المعلومات التي يتمّ الحصول عليها لكن أيضاً لتعزيز موقفهم المدني والأخلاقي. يشارك التعليم في توعية المواطنين بالضرر الذي تسبّبه المواقف غير المدنية مثل الفساد.

في ظنّي إن الكاتب أهمل دور العلاقات الدولية في انتشار الفساد. فعلى سبيل المثال، من المعروف والمثبَت أن الغرب الاستعماري يتغاضى عن الفساد في دول صديقة له أو تابعة ومن ذلك التعامل مع أحد أكبر مهربي مختلف أنواع المخدرات في المنطقة لأنه يعمل وكيلاً للـ «سي. آي. إيه». كذلك إن حكومات غربية وافقت على حسم الرشى التي تدفعها شركاتها الوطنية للحصول على عقود في بلد ما من الضرائب ما يعني مساهمتها في نشر الفساد بل وحتى قوننته.

أخيراً يقول الكاتب للعلم إن كمّ الرشى المقدمة عالمياً يقدّر بألف مليار دولار سنوياً.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى