خطة الصين الجديدة: مجتمع رغد في 2020(عمر نشابة)

عمر نشابة

 

حدّد الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني أمس، أبرز التوجهات العامة لقيادة ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم خلال الأعوام العشرة المقبلة. وسيختار أعضاء اللجنة المركزية خلال الأيام السبعة المقبلة النهج الذي سيُعتمد. إنها محطة بارزة في تطور الأيديولوجيا الماركسية منذ بداية انتهاج الشيوعية كنظام حكم، حيث الدولة «الشعبية»، بعكس تجربة الاتحاد السوفياتي، حوّلت الصين الى ثاني أكبر قوة في العالم.

بكين | يدور في هذه الأثناء في أروقة «قاعة الشعب الكبرى» في العاصمة الصينية بكين، نقاش معقّد ودقيق بشأن مستقبل أكثر من مليار وثلاثمئة مليون انسان. هنا، خلف الأبواب المغلقة، يجتمع اعضاء اللجنة المركزية العليا للحزب الشيوعي الصيني الحاكم لبحث تفاصيل السياسات التي ستنتهجها الصين الشعبية خلال العقد المقبل.
هنا يُعاد تركيب وتكوين وتفسير كلّ شيء لخدمة مصالح الصين الشعبية. فلا يهمّ اذا كان لون القطة أسود أو أبيض، كما قال يوماً الزعيم الصيني الراحل دنغ شياو بينغ (كبير مهندسي مسيرة الإصلاح والانفتاح في البلاد: 22 آب 1904 ـ 19 شباط 1997)، بل المهمّ أن تجيد القطّة التقاط الفأر. لعل أبرز ما قاله الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني، هو جين تاو، خلال عرض تقريره على اللجنة المركزية أثناء افتتاح مؤتمرها الثامن عشر أمس، هو أنه «نظراً للأوضاع المحلية والدولية العامة، لا تزال بلادنا في مرحلة تتميز بالفرص الاستراتيجية الهامة التي تمكنها من تحقيق نمو أكبر.
وعليه، يجب أن نكوّن مفهوماً دقيقاً للتغييرات التي ستطرأ على هذه المرحلة وظروفها، وأن ننتهز هذه الفرص على نحو شامل، ونواجه التحديات برباطة جأش، لتكن لنا فرص المبادرة ولنتمكن من التفوّق للفوز بالمستقبل، وضمان تحقيق إنجاز بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل بحلول عام 2020».
هو، كان قد تولى قيادة الصين عام 2003 وسيسلم الأمانة العامة للحزب لنائبه شي جينغ بينغ، خلال المؤتمر، ويعدّ تقريره بمثابة اعلان للبنود الأساسية التي تستند اليها القيادة الجديدة. وفي نهاية المؤتمر سيحدد أعضاء المكتب السياسي الجدد، بينما سيُحال معظم الأعضاء السابقين الى التقاعد.
أما «قاعة الشعب الكبرى» فهو الاسم الذي يطلقه الحزب على أحد المباني الضخمة التي تطل على ساحة «تيان آن من» في العاصمة بكين. ففي ظلّ اجراءات أمنية مشددة بدأ المؤتمر، حيث دخل القاعة بداية ممثلو هيئات الحزب من كافة المناطق الإدارية الصينية الواحدة والثلاثين، والذين يبلغ عددهم 2070 قيادياً منتخباً.
بعضهم أتى من المناطق الغربية للصين مرتدين لباساً تقليديّاً، في اشارة الى التنوع الإثني، على الرغم من أن مجموع الأقليات في الصين لا يتجاوز ثمانية في المئة من الشعب الصيني.
وبعد دخول أعضاء اللجنة المركزية العليا، علا التصفيق لوصول الأمين العام للحزب (الجيل الرابع) برفقة سلفه جانغ زي من (الجيل الثالث) وتبعهما الأعضاء الثمانية الباقون في الهيئة المركزية العليا، وأبرزهم نائب الأمين العام (الجيل الخامس)، الذي يُرجّح توليه قيادة الصين الشعبية لاحقاً.
فبعد جلسة الانتخاب في نهاية المؤتمر، الذي سيدوم لسبعة أيام، سيتولى شي، الأمانة العامة للحزب الشيوعي وسينتقل بالتالي من المرتبة السادسة التي يشغلها حالياً الى المرتبة الأولى.
أما رئيس مجلس الشعب، وو بانغ قوو، فتوسط المنصّة وأعلن افتتاح المؤتمر. وبعد النشيد الوطني وقف الجميع دقيقة صمت على أرواح زعماء الحزب ومؤسسه ماو تسي تونغ. ثم قرأ هو جين تاو تقريره وأبرز ما جاء فيه، اضافة الى عرضه لإنجازات الحزب منذ انعقاد المؤتمر السابع عشر عام 2007، التشديد على انتهاج «الاشتراكية بخصوصية صينية» لملاقاة تطور العصر وتطلعات الشعب. ولفت هو، الى التمسّك بنظرية دنغ شاو بنغ مقدّماً شرحاً للصعوبات والتحديات التي تواجه الحزب وضرورة الاهتمام بها ومعالجتها.
وركّز التقرير على مفهوم «النهج العلمي للتنمية وضرورة تطوير البنية الاقتصادية عبر تكريس روح الإبداع»، مشيراً الى مبدأ الإنماء المتوازن في كافة المناطق وخصوصاً في الريف (تركيز على إنماء غرب البلاد، حيث الأحوال المناخية الصعبة والموقع الجغرافي يشكلان أبرز التحديات اضافة الى التنوع الثقافي والإثني).
وأعلن الأمين العام لأكبر حزب في العالم (نحو 82 مليون منتسب) لمحازبيه مضي القيادة في الاصلاحات السياسية، مشدداً على مشاركة الشعب في إدارة الشأن العام ومؤكداً على اهمية الشفافية.
وبدا تقرير الأمين العام للحزب محاولة للتوفيق بين التوجهات المحافظة من جهة والتوجهات الداعية الى مزيد من الانفتاح والليبرالية من جهة ثانية. فبينما أثار الإصلاحات وضرورة الالتزام بما بات معروفاً في الحزب بـ«النهج العلمي في تطوير البنية الاقتصادية» (اي بكلمات أخرى ملاقاة حاجات السوق التنافسية الدولية)، شدد على أن الصين لا تزال في «المراحل الأولى من الاشتراكية».
إشارة هنا الى بروز دقة استخدام المصطلحات في خطابات المسؤولين الصينيين وهو فنّ تسعى القيادات الصينية الى إتقانه في كافة المناسبات. إضافة الى «السعي لاتقان التعليم الذي يرتضي به الشعب» عبر «تشجيع وإرشاد القوى الاجتماعية الى الاستثمار في مجال التعليم»، وتطوير نظام الضمان الاجتماعي في الحضر والريف، شدّد تقرير الأمين العام على «زيادة دخل السكان بكل وسيلة ممكنة» من خلال «إصلاح نظام الرواتب في المؤسسات الاقتصادية والدوائر الحكومية وتنفيذ نظام تحديد الأجور من خلال المشاورات الجماعية في المؤسسات.. والغاء الدخل غير الشرعي».

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى