خفقة القلب (18)
أسألكم أن ترافقوا كلماتي وسطوري ،علّها تأخذكم بعفوية وحنان إلى الطرق المؤدية إلى القلب ! حين التقى نظري بنظرها هجم على نفسي طوفان من السرور والشوق والسعادة ، شيء لايوجد له اسم في اللغات البشرية.
بقيت صامتاً لا لأنني لا أحب الكلام ،ولكن كنت أفتش عن كل كلام الدنيا لأقوله دفعة واحدة ! كنت إلى جوارها أحسّ بحرارة جسدها ، أتلّقى أنفاسها على صفحة خدي ، وأشم رائحة أنفاسها وحرارة صدرها ، ما أجمل رحيق لقاء الأنفاس وهي تدخل إلى الرئتين !تكاثفت حبيبات العرق على جبيني ،الدفء يتسرب إلى جسمي وملابسي كالوهج في الشتاء البارد، وكأنني أجلس بجانب موقد ازدادت جرعة وقوده ! رحت أحتضنها بنظراتي، عيناي تزورانها من طرف خفي..
نظرتُ إليها نظرة مختلفة عن الأولى ،نظرة تنفذ إلى ما تحت جلدها، تسدّ ما كان فيها من نقص ، وجدت فيها كل نساء الأرض ..رأيتُ كل الذي أشتهيه.. رأيتُ أجمل ما رأت عيناي..رأيتُ كل الجمال الذي زار عيني .. غاصتْ نظراتي في قلب عينيها ونفذتْ من هناك إلى دماغي وانصبتْ في نخاعي الشوكي ، فبعثتْ رعشة حقيقية في جسدي ، وسرعان ما تعطلت بعض حواسي وأصبحتْ خارج الخدمة ، وخارج الزمان والمكان!
لا أدري كيف يمكن لعينيها أن تفعل بي على هذا النحو ؟ لا أدري كيف يمكن فك الاشتباك مع عينيها ؟! بدأت أشمُّ صوت أنفاسها العطرة، وأرى هبوط صدرها وارتفاعه، كانت رائحة أنفاسها كرائحة الأرض بعد المطر الذي غاب عنها طويلاً ، كرائحة الفل والياسمين والورد البلدي! يدُ الحب مبسوطة أمامي، رحتُ أشرب من ساقية حبها بشعور من اللهفة والشوق، وأقراؤها كتاباً مفتوحاً بلا عناء، وأتفحّص وجهها الذي لاح عليه شعاع من الشوق وهو يصافح وجهي ، خدها من الورد أنعم ،وجهها لو رآه البدر أعتم ، شفتاها من العقيق ، رحت أتأمل وجهها وكأنها أعارته للبدر، فأرى فيه أجمل ما يمكن أن يُرى! أن تكون إلى جانب من تحب تشاركه أنفاسه وأسراره، وتسمع همساته ، وتنظر في عينيه ، شعور فريد قد لا يعيشه الانسان سوى مرة واحدة في حياته كلها! لا تسألوني كم أحبها فأنا لا أملك جهاز حب للأرقام القياسية ، فهذا هو الحد الأقصى لجنوني ولم أعد أقدر أن أحبها أكثر ، وهذه آخر معركة عشق ولم يعد بوسعي أن أموت أكثر !