خفقة القلب (29)
أنفقتُ ساعات الليل مستنفراً حواسي بشهية غامضة للحب ، أتحرش بشجرة الذكريات ، أسقيها بالحنين والانتظار ، أحفظها حفظ الصدر للرئتين ، أحتمي بلحاف كلماتها من البرد !
ها هو الصباح يقترب وتتسلل خيوط الفجر الأولى، ويتسلّق ضوء الفجر نافذتي ، فسارعت إلى إغلاق الستائر قبل أن تتناثر خيوط الشمس لعلي أبُعد الصباح قليلاً.. بقيتُ في الفراش ، ألهو بالقراءة ، لكني لم أقرأ ، بل كانت القراءة مجرد تثبيت عيني على الصفحات ، أما الذهن فلم يدرك شيئاً مما أقرأ!
في طوارئ ذاكرتي مخزون عميق من الحب لها ، إنها ذكريات عميقة حفرت جذورها في وجداني ، كجذور النهدين في صدرها غير قادر على اقتلاعها ،لأنها تشكل أحاسيسي ومشاعري الخاصة التي لا تمحى أبداً. أتحّرق شوقاً إليها ، وأنتظرها بلهفة ، وأتلهف لكل كلمة تقولها ، حبها نار هادئة كالجمرة تحت الرماد تنتظر اللحظة المناسبة ليطل من جديد ، استمر حبها ناشئاً يرتع ويلعب وينمو ويعيش كائناً حياً في جسدي ، كما النطفة تتشكل في رحم المرأة لتكّون جنيناً فيصبح مولوداً ! أحقن هذا الحب في دمي كما يحقن الدواء في الوريد ! أصبحت أعيش بقوة حبها الذي تضّخه في شراييني ! أطهو الحجارة لقلبي الجائع ليغفو على حبها !
أشدّ أكمام ذاكرتي ،وأشدّ اللحاف على قلبي في برودة العمر ليبقى حبها دافئاً! أعطيتها مفتاح أحلامي وأهديتها شيفرة ذاكرتي لتقرأها سطراً سطراً وصفحة صفحة، أصبح لدي مؤونة كاملة من الذكريات ، وأصبحنا أنا وهي نحمل ذاكرة مشتركة ، طرقاً وشوارع وأمكنة !أكاد أشم رائحة أنفاسها كلما ذكرتها ، وأكاد أسمع صوتها كما لو كان قادماً من صدري ! كلماتي تتناثر فوق جسدها،حبها يقرع باب قلبي ، جسدي يتنفس صوتها لا يفارقه ، يأتيني بكل مناسبة ، لا يقاس الحب بكثرة رؤية من نحب ، فهناك أشخاص يستوطنون القلب رغم قلة اللقاء!
أسكنتُ وجهها في جفوني ،ونقشتُ حبها على جدران قلبي ، ووضعتُ خاتمها في اصبع قلبي.. فهي تستحق بأن تتربع على عرش الأنوثة في الحب ..يتسرب العشق من شعرها ، من خديها وشفتيها ، من رقة روحها، من نعومة يديها. أعترفُ أنها لو تلمسّت الحجارة بيدها لأصبحت لينة ورقيقة ومطواعة وحنونة رغم كونها صلبة وقاسيةً ! لقد أصبحت ضرورة يومية لبقائي على قيد الكتابة ! تساءلتُ في نفسي كم كان منسوب الحب سينقص من العالم لو أن الله تعالى لم يخلقها؟! كم كانت كلمات الحب ستنقص لو لم تكن في حياتي ؟! كم كانت الأنوثة وحياء العذارى ستنقصان من العالم ؟! كم كانت حروف الأبجدية ستفيض عن حاجة البشر لو لم أستهلكها في الكتابة إليها ؟!