خفقة القلب 40
بعد أن نبتت سنابل العشق واصفرتْ ضفائره وحان موسم القطاف وجني العواطف.. وبأنني سأعيش معها في بستان عمري ، وأرتاح من حمل أشواقي وأريح ذهني من حصارها …
بعد أن شعرتُ أنني ألامس السماء ،وأن الدنيا قد أصبحت طوع بناني، وبأن سفينة حبي قد وصلت إلى شاطئ الأمان واستقرت في مرفأ الزواج.. وبعد أن اكتملت دورة الحب بانتظار أحفاده ، صفع الحزن وجهي ونشر رداءه على جسدي ،وهبّت عاصفة هوجاء لتغرق مركبي قبل أمتار قليلة من تحقيق حلمي البريء ، وأحسستُ بأن منشاراً ينشر قلبي !!
تعرّت شجرة أحلامي من أوراق أمنيات الغد ، واشتدّت أغصانها اليابسة ، وتساقطتْ الأفراح عن أيامي، وسرعان ما انتهت السعادة التي لم يعرفها قلبي من قبل ، وتوقف كل شيء من حولي .. الفرح، اللهفة، الانتظار، وبتُّ أعيش صحراء حياتي ، أبحثُ عني فلا أجدني ، أمد يدي فلا ألمسني ، أناديني فلا أسمعني، لم أعد شيئاً بدونها، لم يبق شيء سوى صمت يواسيني، لا مكان للكلمات العذبة والدافئة، أعتصر ألماً على حب ينهار أمامي.
ها هي الذاكرة تعرّيني بعد أن رفع الحب عنها الحصانة ! أيام المرح والسعادة ذهبت إلى غير رجعة، إن ما نسميه السعادة والفرح هي أشياء لا تحتفظ بصفاتها طويلاً، سرعان ما تنقضي شأنها شأن الورود والزهور، عمرها قصير ،لا تعيش أكثر من أيام معدودة ، فكل ثمرة ناضجة نهايتها السقوط.
توقفتُ أمام مقبرة أحلامي أنعي موت روحي ! تهدّم كل ذلك البناء الذي شيّدته في رأسي، وانفتحتْ كل الجروح بداخلي دفعة واحدة ، وبدأ التصحر العاطفي يغزو شعري وقلبي وكل أجزاء جسدي، وشعرتُ بغروب آخر يوم في خريف القلب ، ودخلتُ في سبات طويل لشتاء عاطفي قاسي ينتظرني ،الطقس ينبئني بأن كل الفصول أصبحتْ فصل الشتاء الطويل والقاسي، وأضيفَ إليها فصل يختلف عن فصول السنة ، هو فصل البكاء!
الحب يبكي ..الليل يسقيني بالأحزان، الزمن يعاديني ،وقلبي يسألني متى الأفراح تأتينا ؟ عقارب الساعة صمتت، الزمان سلب مني الصبر، أعيش أسيراً لذكريات قديمة ومريرة ، تزاحمت الأوجاع ، توجعني أحلامي وروحي ، يوجعني قلبها ، ويوجعها قلبي ، تلاحقني الوحدة والصمت، أحسّ بالضيق من نفسي، أحتاج من يقاسمني الفضاء كي أهدأ قليلاً ! أحزان الصقيع تطاردني ،الأفكار تتصارع بداخلي، كم هو صعب أن تصغي إلى صوتك الداخلي بحرية.
زمن العشق ولّى وانصرف ، ورويداً سيضمحل قلبي الذي احتلته ، وسأحيله للصيانة بعد أن أصبح عاطلاً عن الحب! بدأتْ مواسم الدمع ، وليالي الوجع الطويلة ، وحقائب الدموع .. رحتُ أمسح دمعة فارّة من عيني.. يبكي البكاء طويلاً ، كل شيء حولي يكسوه العذاب ، الشمس لملمتْ أشعتها من الكون، السماءُ أعطتْ أذن الهطول لدمعاتها ،قطراتُ المطر أعجبها المسير على وجهي بعد أن اتخذت الدمعات لهن صديقات ، القمر أصبح باكياً ، ينثر نوره مكرهاً ، يودّ أن يضيع ويتلاشى ،ولكنه مقيد في كبد السماء، النجوم تساقطت على أوراقي، الأشجار تكسرت أغصانها وأصبحت عارية بلا أوراق ولا أزهار ولا ثمار، الضوء فقد حنجرته، كتائب الظلام تزحف نحوي، وحان الوقت لبكاء الأصابع! الذاكرة تتربص بي ، فالذاكرة والألم توأمان لا ينفصلان.