خواطر| الأشياء القديمة
عادة تواجه الكثير منا وهي الاحتفاظ بالأشياء القديمة وبتفاصيل قمنا بتخزينها في مرحلة من العمر! ندفن بها مرحلة من مراحل العمر بتفاصيلها وشخوصها وحكاياتها وأبطالها ونهجرها في محاولة للنسيان والبدء في خطوة جديدة نحو جديد ما وقد لا نصل إلى هذا الجديد مهما خطونا، نتناولها عند الحنين ونعلم بأنها لن تسد جوع تلك السنوات مهما تناولنا منها من وجبات .
لا أدري لماذا نصّر على الاحتفاظ ببقايا الأشياء ؟فيصيبنا الإصرار على الوفاء لتفاصيل مؤلمة بالعجز والتردد في التخلص منها، ربما التمسك بلحظات دافئة أو احتراماً لعمر من حياتنا ، مع علمنا بأن الحياة لن تتكرر لقلوبنا مرة أخرى فنحتفظ بها كإرث ثمين ،نخفيها ، نجمّدها بحروفها وتواريخها ودقائقها، ونتصفحها بابتسامة ميت إذا ما ألقتها الصدفة يوماً ما أمام أعيننا ونقلّب محتواها بحسرة عمر، نبحث عن ثمين ماضينا في كل قطعة ذكرى ،نشم العمر في الذكرى ونشم الذكرى في العمر ،نشم فيها رائحة زمن، رائحة حدث، رائحة حزن ،رائحة فرح ،رائحة لقاء، رائحة وداع ،مجموعة روائح تعيدنا إلى الزمن ذاته والمكان ذاته ،إلى حيث بدأت الحكاية إلى حيث انتهت تلك الحكاية!
تبقى هذه العادة ملاصقة لنا، فإذا قررنا يوماً البدء من جديد فإننا نتوقف طويلاً قبل اتخاذ قرار التخلص منها، فإلقاء مرحلة من العمر في محرقة الأيام يحتاج إلى الكثير من القسوة والكثير من الإرادة!
كثيراً ما نتحايل على قراراتنا ونبرر احتفاظنا بها تحت مسميات مختلفة، ونستبدل قرار التخلص منها بقرار اخفائها عن أعين الآخرين كدليل ثابت لماضي غير مرغوب به من قبل الآخرين ، فبعض القديم يبقى تحت أقدامنا يكرر سقوطنا ويعرقل خطواتنا إلى الأمام ،ونكتشف بعد سنوات من المعاناة أن كل ما تبقى لنا من أجمل سنوات العمر أشياء تتوسد أغبرة الرفوف تحمل في ذاكرتها رسائل وأرقام هواتف وصور لبشر مروا بنا يوماً ورحلوا كما ترحل الأعمار فلا هم داموا ولا دامت الأعمار!
أتساءل متى نتخلص من معاشرة الحزن ومن وفاء الأموات للأحياء، متى نطلق سراح ذكرياتنا ونتركها ترحل بحلوها ومرها، ومتى نتلفها ولا نخزنها حتى لا تتحول إلى مقابر جماعية بلا شواهد!