دبلوماسيات إسرائيل السرية (كلايف جُونز، تور بِترسَن)

 
كلايف جُونز، تور بِترسَن


عرض/ زياد منى


-العنوان: دبلوماسيات إسرائيل السرية
– تحرير: كلايف جُونز، تور بِترسَن
– عدد الصفحات: 322
– الناشر: سي هرست آند كو. لندن، المملكة المتحدة
– الطبعة: الأولى 2013


الحديث في الدبلوماسيات السرية ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية سيبقى ناقصا ما دامت القضية الفلسطينية قائمة ولم تحل على أساس القضاء على الأسس الصهيونية لإسرائيل، لذلك فإن أي كتاب يتحدث عن موضوع يُعد سريا لأنه يؤثر في النزاع القائم في فلسطين، لا بد من أنه يخفي أكثر مما ينشر.

في الواقع، نشرت من قبلُ أخبار من هنا وهناك عن علاقات سرية أقامتها دولة العدو الصهيوني مع بعض القوى العربية والفلسطينية قبل إعلان أوسلو.
فقد نشر كتاب "عدو عدوي" ومقالات أخرى عديدة تؤرخ لعلاقة حزب الكتائب والمطرانية المارونية في لبنان من جهة مع الحركة الصهيونية، كما نشرت ليلى بارسنز كتابا مهما يؤرخ لتاريخية العلاقات بين بعض القوى الدرزية في فلسطين والحركة الصهيونية قبل اغتصاب فلسطين.

وهناك كتاب مهم آخر نشره مايكل لسكير عن علاقات بعض دول المغرب العربي بكيان العدو الصهيوني منذ عام 1948 وحتى توقيع اتفاقية أوسلو.
كما أن وثائق ويكيليكس ذات العلاقة بالقضية والمسربة للإعلام تتحدث عن علاقات سرية قائمة بين بعض دول الخليج والكيان الصهيوني، والتوافق على سياسة موحدة ضد إيران.

لكن المحرر كلايف جونز يضيف إلى قائمة المتعاونين مع إسرائيل سرا -والذين تلقوا دعمها المادي- جهات أخرى، منها القوات الملكية في اليمن التي كانت تحارب الثورة التي ساندها جيش مصر عبد الناصر، والتمرد الكردي في شمالي العراق، والحركات الانفصالية في السودان، وحزب الكتائب في لبنان.

ويضاف إلى ذلك ما فضح إبان اندلاع فضيحة إيران/كونترا، حيث قامت الولايات المتحدة بتزويد إيران المنهمكة في حرب مع العراق بأسلحة وصلتها عن طريق إسرائيل، وهو ما صار يعرف بفضيحة إيران/كونترا.

هذا فضلا عن الاتصالات السرية غير الرسمية التي قامت في أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات بين مؤسسات في إسرائيل وشخصيات فلسطينية في منظمة التحرير الفلسطينية، مارست فيها مؤسسات أكاديمية أميركية دور الوسيط، والقائمة تطول وتطول وتطول.

لذلك فإن العمل الذي بين أيدينا ليس الأول ولا يتوقع أن يكون حافلا بالمفاجآت، وهو ليس مؤلفا إذا إنه يحوي مجموعة مقالات، أساسها بعض المحاضرات التي ألقاها عدد من المتخصصين الأوروبيين والإسرائيليين اليهود الصهاينة في مؤتمر "من المركز إلى الهامش: دبلوماسية إسرائيل السرية والشرق الأوسط الحديث" الذي عقدته الجامعة النروجية للعلوم والتكنولوجيا في مدينة ترندهايم يومي 9 و10 مايو/أيار عام 2011.

ورغم أن الكتاب يصف الندوة أو المؤتمر بأنه دولي، فإن قائمة المشاركين فيه المنشورة أعمالهم وعددهم 14 محاضرا، جاؤوا من إسرائيل وبريطانيا، وهناك محاضر نروجي واحد.
انطلاقا مما سبق، علينا أخذ كل النقاط الآنفة الذكر في الاعتبار عند الحديث في الموضوع وتقويم الكتاب ومحتوياته.

فكثيرا ما يتم الحديث عن نشاطات أسطورية وخارقة وما إلى ذلك من المصطلحات الإثارية، إلا أن الحقيقة غالبا ما تكون غير ذلك، فلو أن اغتصاب فلسطين تم رغم أنف الدول العربية التي كانت قائمة في عام 1948، وليس بموافقتها بل وتعاونها الكامل، لصح الحديث عن دبلوماسية إسرائيلية خارقة صنعت المستحيلات.

لكن حقائق الأمور -كما كشفت عنها مؤلفات كثيرة تعتمد الوثائق الأصلية مرجعا- هي أن اغتصاب فلسطين وقيام إسرائيل جزء من صفقة شاركت فيها العديد من الدول العربية، وهو ما يؤكده أحد فصول الكتاب.

إذن، ليس في "دبلوماسيات إسرائيل السرية" ما هو خارق ومعجزة وما إلى ذلك، إلا أنه فعلا سري بالنسبة لشعوب أمتنا العربية.

الكتاب يحوي محاضرات في محاور عديدة موزعة على 13 فصلا، أولها نظري بحت يغطي معظم نشاطات إسرائيل الدبلوماسية.

وفي الواقع، فإن الكتاب -رغم الثغرات الكبيرة فيه، والمبالغة الشديدة في بطولات الدبلوماسية الإسرائيلية المزعومة التي لم تتمكن من منع كل الدول الأفريقية من قطع علاقاتها بالكيان الصهيوني في أعقاب حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973- يتضمن محطات مهمة من المفيد الإشارة إليها.

وأولى هذه المحطات هو خط الاتصالات الأول الذي أقامته الخرطوم مع تل أبيب في عام 1956 عندما أرسل رئيس وزراء السودان حينذاك عبد الله خليل -وهو أيضا من مؤسسي حزب الأمة- رسالة إلى إسرائيل عبر الحبشة (إثيوبيا) وفرنسا ولندن، يعرب فيها عن رغبته في التعاون معها ضد ما أسماه الخطر المصري، أي الناصري.

بل إن أحد كبار المسؤولين السودانيين قام بزيارة سرية إلى إسرائيل في 1956 لبحث التعاون الاقتصادي بين حزب الأمة السوداني والدولة اليهودية الأشكنازية الصهيونية.

كما كانت الخرطوم تسعى وقتها لكسب دعم إسرائيل ضد خطط مصر لإنشاء السد العالي، وتوجت تلك الاتصال السرية بلقاء سري عقده عبد الله خليل مع غولدا مائير في باريس عام 1957.
بل إن إسرائيل طلبت من واشنطن دعم حزب الأمة الذي كان يحكم السودان لمواجهة المد القومي العربي الناصري وقتها.

أما خط الدبلوماسية الثاني فجاء إبان حكم جعفر النميري، حيث تعاونت السودان وقتها مع إسرائيل في ترحيل الفلاشا من الحبشة (إثيوبيا) إلى إسرائيل عبر السودان الذي وضع القرية السياحية المسماة "عروس" -والواقعة قبالة مرفأ بورتسودان- في تصرف إسرائيل لنقل المهجرين إليها، إضافة إلى فتح مجاله الجوي أمام التهجير الذي قامت به إسرائيل عبر الجو.
ثمة أقسام أخرى تثير اهتمام القارئ العربي، ومنها ذلك المتعلق بعلاقات بعض الشخصيات في شرق الأردن بالحركة الصهيونية وطلبهم منها التعاون بحسب الكتاب.

فعلى سبيل المثال، ذكر كاتب المقال الإسرائيلي يوآف ألون أن الشيخ مثقال باشا الفايز زعيم بني صخر وأكبر مالك أراض في شرق الأردن، اتصل في يناير/كانون الأول عام 1930 بالوكالة اليهودية وبالحركة الصهيونية وبناحوم سوكولوف شخصيا عارضا عليهم -في لقاء مباشر بالقدس المحتلة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1932- شراء نحو ثلاثين ألف دونم.

لكن الشيخ مثقال -وفق الكتاب والكاتب- لم يكن وحيدا في عرضه، إذ انضم إليه عدة شخصيات من بعض القبائل.

وفي الواقع، يحتوي الكتاب تفصيلات كثيرة عن كيفية إقامة الوكالة اليهودية والحركة الصهيونية -ومن بعدهما إسرائيل- علاقات سرية مع بعض القوى والدول، لكن ليس فيها ما يستحق الإعجاب والإطناب إلى الحد الذي يدعيه من مقدرات دبلوماسية مزعومة.

ومع ذلك، فالكتاب مهم لأنه يحوي معلومات مذهلة، حتى في هذه الأيام التي وصلت فيها القضية الفلسطينية إلى قاع القاع.

الجزيرة نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى