دراما للعام 2016 تصنع في دمشق
بدأت الأعمال التلفزيونية السورية الخاصة بالعام 2016 تأخذ شكلاً واضحاً وشبه مكتمل، وكالعادة، تحتوي التشكيلة الجديدة على مجموعةٍ من مسلسلات البيئة الشامية التي أثبتت مهارتها في استقطابها للمتابعين، لكنها في الوقت عينه غدت في مجملها غصةً في صدور مشاهدي الموسم الدرامي السوري، ومادةً دسمةً للسخرية وتأليف النكات عن بعض أحداثها الساذجة، وانهماك شخصياتها بمواقف الرجولة وكيد النساء، وتكرار تلك الشخصيات تجارياً بعد نجاح بعضها وليس لضرورةٍ فنية تخدم مصلحة هذا العمل (الشامي) أو ذاك.. وعلى الرغم من أن الموسم الدرامي الفائت قدم استثناءً، يكاد يكون يتيماً بالنسبة لتلك الأعمال، تمثّل في مسلسل «حرائر» لمؤلفته عنود الخالد ومخرجه باسل الخطيب، لكن حالةً من النفور تتحكم بشعور المتابع السوري وغير السوري لأيّ عملٍ ينضوي تحت مسمى البيئة الشامية، حتى يثبت ذلك العمل تفرده ويبين ابتعاده عن بروتوكولات النمط الشامي التي باتت معروفة من قبل الجميع.
بالنسبة للكوميديا، يبدو أنّنا على موعدٍ مع الجزء الثاني عشر من العمل الظاهرة (بقعة ضوء) الغني عن التعريف، مع أنّ البعض في العام الفائت وجهوا له اتهاماتٍ عدة كان أبرزها خروجه عن المستوى المعهود له، ولاسيما أنّ وجوهاً فنية ارتبطت في العمل غابت عنه في الجزء الفائت، لكنه وكعادته في كل عام يغرّد خارج سرب الأعمال السورية الثانية، ويبقي أبواب لوحاته (الملغومة) مشرّعةً لقلوب المشاهدين السوريين، فالعمل الذي باتت أصداء موسيقاه التصويرية تتردد في رؤوس الكبار والصغار يحكي لسان حالهم، ويتلوّن في كلّ عام ليلتقي بهموم السوريين وأحوالهم الآنية والحرجة، من خلال منطلق فنّي يجمع بين الكوميديا والدراما ويخلق لوحات لطيفةً تداعب عقول وقلوب المتابعين لها.
بالنسبة للأعمال الاجتماعية، يعدنا مسلسل (أحمر) لمؤلفيه علي وجيه ويامن الحجلي ومخرجه جود سعيد، إنتاج سما الفن الدولية، بحكايةٍ مشوقة تشكل نواتها جريمة قتل تقع في بداية العمل مستهدفةً مفتشاً في جهاز الرقابة والتفتيش يدعى خالد، واللافت أنّ العمل يجمع عدداً كبيراً من وجوه الدراما السورية ومبدعيها مثل سلاف فواخرجي، ديما قندلفت، عباس النوري، عبد المنعم عمايري، نجاح سفكوني، زهير عبد الكريم ومن لبنان رفيق علي أحمد. أما إنتاجات المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي، فأغلب الظن أنّ المقيمين على انتقاء النصوص التلفزيونية يرجحون كفة الميزان عند اختيارهم النصوص إلى الأعمال التي تناصر المرأة العربية عموماً والسورية خصوصاً، فبعد أن شاهدنا مسلسلي «حرائر» و«امرأة من رماد» وكانا من إنتاج المؤسسة ذاتها، في العام الماضي ورأينا كيف قدّم «حرائر» المرأة السورية ودورها الفعّال خلال حقبة عتيقة من تاريخ سورية، شوهتها بعض الأعمال التي دارت أحداثها في فترات زمنية متقاربة من تلك الحقبة نفسها، ها هي تنتج هذا العام عملاً يحمل عنوانه «لست جارية» مثل عناوين المسلسلين السابقين، دلالةً واضحة عن أنّه يقف إلى جانب المرأة بوصفها صاحبة حقوق والتزامات، وخاسرةً كبرى في مجتمع مازالت العادات والتقاليد تحرّك مفاصله الهشة، ومن الواضح أنّ شخصية ميس (كندا حنا) تشكل القاعدة الأساس في العمل المعاصر «لست جارية» لمؤلفه فتح الله عمر، إخراج ناجي طعمي. يشارك فيه عددٌ من نجوم سورية مثل ضحى الدبس، سوسن ميخائيل، إمارات رزق، رنا شميس، عبد الهادي الصباغ، زهير رمضان، عبد المنعم عمايري وغيرهم.
يبدو هذا العام كالأعوام القليلة الماضية، إذ إنّه لن يخلو من المسلسلات التي تحاكي النتاج الفاسد للحرب على سورية، إذ إنّ مسلسل «عابرو الضباب» لمؤلفه بشار مارديني ومخرجه يزن أبو حمده ومن إنتاج شركة «ftc» للإنتاج الفني والتوزيع بالتعاون مع مؤسسة يزن أبو حمده للإنتاج الفني، يروي انعكاس الأزمة في سورية على حيوات شخصيّاته، وينقسم العمل صاحب الثلاثين حلقة إلى أربع حكايات لكل حكايةٍ عنوان، تمتد في فترة زمنية تعكس عمر الأزمة في سورية، وتأخذ كلّ حكايةٍ مساراً معيناً لتقديم فكرة ذات طابع اجتماعي وتختلف في بنيتها عن بقية أقسام العمل. يقوم بأداء بعض أدوار المسلسل كل من سلوم حداد، قاسم ملحو، نادين خوري، ضحى الدبس، تيسير إدريس، وحلا رجب. القاسم المشترك بين الأعمال السابقة أنّ جميعها تصور في العاصمة السورية دمشق، ما يعني أنّ مجهوداً إضافياً فرض نفسه على المشتغلين في تلك الأعمال إلى جانب الجهود التي تبذل لتنفيذها على مستوى عالٍ من الاحترافية لكونها في نهاية المطاف تمثّل مصطلح الدراما السورية الذي خرج بسمعة طيبة في العام المنصرم 2015 نتمنى أن يحافظ عليها وأن يزداد تألقاً عاماً بعد الآخر.
صحيفة تشرين السورية