ذكريات الطفولة (2)
رافقت والدي ..يدي الصغيرة ضائعة في كف أبي يقبض عليها بقوة خوف ضياعي في زحام المارّة في الطريق ..
أخذني المصور من يدي وأجلسني على بقايا كرسي خشبي بارد ، تودد إليّ بلطف ، أشار إليّ بالنظر إلى إبهام يده قرب فتحة الكاميرا ، قائلاً لي :اضحك، ابتسم ..
لا أعرف كيف أبتسم، أنظر إلى أبي ، أستأذنه ثم أعاود النظر إلى إبهام المصور الذي مازال يصرّ عليّ أن أبتسم فأجدني أكشّر وكأنني أبتسم ، صرخ في وجهي، حبست أنفاسي ،غرقت في صمتي ، تلعثمت وضاعت مفرداتي مني، وأخيراً أدخل رأسه في كيس أسود والتقط الصورة كيفما كانت.
فجأة يستيقظ في ذاكرتي مدرستي التي بدأت أتعلم فيها حروف الأبجدية ، أول يوم ذهبت فيه إلى المدرسة ، حيث أوصلني إليها والدي رحمه الله، كان يوماً مميزاً في حياتي وذاكرتي ، كنت خائفاً إلى درجة الرعب ، كنت طفلاً نحيلاً كشمعة تنوس حتى لتكاد تنطفئ مع كل هبة ريح ، وكان الاحتماء في حضن والدي ووالدتي يقي هذه الشمعة من الاطفاء.
منذ اليوم الأول لدخولي المدرسة بدأت بحفظ بعض الحروف ،وعندما وصلت المنزل سألني والديّ عن المدرسة وما فعلتْ ، رحتُ أُخرج اللوح الصغير لأكتب عليه بعض الحروف الممزقة ، وأبدأ بكتابة الحرف الأول “أ” الذي كان يميل كلما حاولتُ تجليسه فأضطر إلى إمالة اللوح ، أو إمالة رأسي ليجلس الحرف واقفاً ! ثم أكتب الحرف “ب” فإذا نقطة كبيرة..
ولم تكن الأحرف التالية التي كتبتها بأفضل من الحرفين الأول والثاني !