ذكريات الطفولة (4)
يوم كنا صغاراً، كنا خليطاً من الذكور والإناث ، تجمعنا هموم اللعب والعبث ولا شيء آخر، كنت لا أحب الشتاء لأنه يحرمني من اللعب مع ابنة الجيران، تلك الطفلة التي كنت أداعبها تتحول مع الأيام إلى فتاة باهرة الجمال يتنافس الشباب على جذب اهتمامها ، وسهام الحب قد حسمت المنافسة حولها لأحد أقربائها.
أوقات جميلة اقتطفنا من أشجارها أجمل ثمار عمرنا. ليت عجلات الزمن توقفت عند تلك الأيام، ليتها تباطأت ، أو زحفت في سيرها كزحف سلحفاة عرجاء، علّها تأخرت فلا تصل بنا إلى ما وصلت إليه اليوم، البنات صرن صبايا فاتنات ، الفتيان صاروا شباباً يزرعون الحي ذهاباً وإياباً ، بانتظار إطلالة منهن تؤرق ليلهم ، أو ابتسامة توّرد أحلامهم ،أو قبلة تنام على شفاههم ، وهنّ فقد بخلن بنظرة ترميهن عليهم ، أو ابتسامة على شفاههن ، أو تحية خجولة تهزّ بها رؤوسهن.
إنه الحنين والشوق إلى بيتنا ، إلى تلك الشتاءات الباردة، حيث كنت أعيش في غرف جدرانها من الطين وسقوفها مدعومة بالخشب. كانت هذه الغرف آمنة من أمطار الشتاء، تدفئها مدفأة تعمل على الحطب، تستريح في زاوية الغرفة تشعلها حنان الأم لساعات قليلة في اليوم !
ما زلت أذكر فرحتي بالشتاء حين كنا أطفالاً نتشارك في الفراش وفي اللهو، ندخل تحت اللحاف والبطانية جاعلين منهما خيمة نتضاحك تحتها حتى يأخذنا الدفء إلى مملكة النوم. أتذكر الخزانة القديمة التي كلما فتحت بابها هبت رائحة الزمن القديم ، صوت صريره يكرر صيحات أزمنة بعيدة أخرى، أشياء كثيرة نكدسها فيها وفي بيوتنا ونؤجل موتها يوماً آخر!