رؤية مشوقة للكون بعد إثبات موجات آينشتاين

أعلن علماء فلك عن رصد أمواج ثقالية للمرة الرابعة في تاريخ البشرية وفي هذه المرة، بالإضافة للباحثين الأميركيين، تمكن علماء أوروبيون من دراسة تلك الأمواج الآتية من أعماق الكون بشكل أدق. ويعد هذا لبنة جديدة تضاف إلى صرح ثورة يعيشها علم الفلك منذ ثلاث سنوات.

انتشرت شائعات في الأسابيع الأخيرة بالأوساط الفلكية حول اكتشاف هام، فجاء إعلان مرصد “فيرغو” في إيطاليا الأربعاء ليؤكد ذلك، للمرة الرابعة منذ صيف عام 2015 تم رصد أمواج ثقالية (المعروفة إعلاميا بأمواج الجاذبية). وهي ناتجة عن اهتزازات وتموجات صغيرة لما يُعرف بالزمكان، كما تنبأ بذلك ألبرت أينشتاين قبل قرن من الزمن ضمن نظريته الشهيرة “النظرية النسبية”.

مثل المرات السابقة، الأمواج التي تم اكتشافها في 14 آب/أغسطس الماضي ناتجة عن تصادم ثقبْين أسوديْن بعيدا عنا في أعماق الكون. فعلى بعد مليار وثمانمئة مليون سنة ضوئية عن مجرتنا، انتهى تجاذب ثقبين أسودين بتداخلهما. كتلة الثقب الأول تبلغ 31 مرة كتلة نجمنا الشمس. أما كتلة الثقب الثاني فتبلغ 25 مرة كتلة الشمس.

وأطلق تصادم الثقبْين طاقة هائلة هزت ما يسند كل شيء في هذا الكون الرباعي الأبعاد، أي الزمكان. تلك الهزات المتناهية الصغر لا تؤثر علينا، غير أن الإنسان تمكن من تطوير تقنية لاستشعار ودراسة تلك الهزات عبر ما يسمى بالتداخل الليزري.

ولأول مرة، جاء تحديد الموجات الثقالية الأخيرة عبر ثلاثة مراصد في آن واحد مما يزيد من متانة المعطيات المستقاة. اثنان منها في ولاياتي لويزيانا وواشنطن الأميركيتين وتابعة لمشروع “ليغو”. وكان هذا المشروع سباقا في تأكيد حسابات أينشتاين واستشعار الموجات الثقالية لأول مرة قبل ثلاث سنوات. أما المرصد الثالث في أوروبا قرب مدينة بيزا الإيطالية وتابع لمشروع “فيرغو” الأوروبي والذي أطلقته فرنسا وإيطاليا.

وسيلة جديدة لفهم الكون

وهذه المرة الأولى التي يرصد فيها الأوروبيون الأمواج الثقالية بعد عشر سنوات من العمل المضني لتحسين مدى حساسية مرصد “فيرغو” بالتعاون مع الأميركيين. المكافأة بالنسبة لهم كانت بأن المعطيات التي تم جمعها الشهر الماضي هي أكثر دقة بعشر مرات من الاكتشافات الثلاثة السابقة. وساهم ذلك في تحديد مكان تصادم الثقبين الأسودين بشكل أفضل.

الباحثون يعدون بتحسين مدى دقة المراصد الأميركية والأوروبية في الأشهر والسنوات المقبلة. والهدف الرئيسي من هذه الأبحاث التي كلفت عشرات الملايين من الدولارات هو تطوير طريقة جديدة لرؤية ودراسة الظواهر الضخمة التي تحدث في أبعد مناطق الكون والتي يصعب استشعارها بالتلسكوبات، تلك التلسكوبات المتعددة على الأرض وفي الفضاء لا ترصد إلا الأشعة المرئية (الضوء، الأشعة السينية X، الأشعة تحت الحمراء، أشعة غاما…) غير أن تلك الأشعة لا تنبعث من الثقوب السوداء مثلا.

بفضل الأمواج الثقالية، بدأ الإنسان في تطوير وسيلة جديدة لسبر أغوار الفضاء. هي مرحلة تحاكي تلك التي بدأ فيها غاليليو بتوجيه أول تلسكوب إلى السماء لرؤية الأجرام التي تحيط بالأرض.

وفي كل مرة يتم فيها ابتكار وسيلة جديدة، تظهر لنا أمور لم تكن متوقعة غيرت نظرتنا للكون ولقوانين الطبيعة. وهذا ما يتوق إليه العلماء عبر مراصد “ليغو” و”فيرغو” ومراصد مماثلة في طور الإنجاز. وما أظهرته حتى الآن تلك المراصد من معطيات يعد بمزيد من المفاجآت العلمية المشوقة.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى