رسائل الخاتون صانعة الملوك
في كتابها “الخاتون صانعة الملوك”، قامت الكاتبة العراقية بثينة الناصري بإعداد وتحقيق رسائل السيدة جرترود بيل التي قام بترجمتها والد الكاتبة الباحث العراقي عبدالكريم الناصري، وقام بالتعليق على الكتاب عبدالرزاق الحسني.
توضح الباحثة أن جريدة “الأهالي” نشرت ملخصًا مقتضبًا جدًا للرسائل التي كانت السكرترة الشرقية في دار المعتمد البريطاني في العراق المس بيل تبعث بها من بغداد إلى أبيها السر هيو بيل، وإلى أمها، لا إلى أبيها وأخيها كما ذكر كاتب الملخص. تقول: “ونظرًا إلى أهمية هذه الرسائل، رأيت أن أتوسع في تلخيصها. وأترجم بعضها ترجمة كاملة وأقتطف من بعضها الآخر ما أراه مفيدًا للقراء، ترجمة أو تلخيصًا.”
ويكشف الكتاب الدور الذي قامت به مس بيل، وكيف أنها قامت بكتابة رسائل كانت تبعث بها من سوريا قبل مجيئها إلى العراق وكيف أن ما أرسلته ساهم في التأثير على أوضاع العراق، وكيف أن الرسائل التي أرسلتها أيضا من سوريا أثرت على الكثير من مجريات الأمور السياسية.
كتبت بيل جرترود أيضا كتابًا صغيرًا عن ذكرياتها ببغداد، وكانت تنازع الولاء للسر أرنولد ولسن وكيل المعتمد السامي البريطاني في العراق في أوائل عهد الاحتلال تقريرًا سريًا ملتهبًا يدور أغلبه على السيد عبدالرحمن النقيب.
يوضح الكتاب أن القارئ لا يستطيع أن يكوّن فكرة صحيحة عن هذه الرسائل والتقارير حتى يقرأ شيئًا منها. إنه عندئذ سيفغر فاه عجبًا ودهشة لجهله بحقائق بلاده وحقائق الشخصيات المعروفة فيها. فالسيد عبدالرحمن النقيب يقول للمس بيل أثناء زيارة قامت بها له في داره مقابل جامع الكيلاني على ما ورد في تقرير سري لها قدمته إلى حكومتها ونشره السر أرنولد في كتابه المذكور آنفًا.
– “إن لكم الحق في أن تحكموا العراق لأنكم قد احتللتم العراق بالقوة المسلحة” أو كلامًا هذا فحواه.
على أنه من جهة أخرى يرفض اقتراحها عليه أن يكون ملكًا على العراق – وقد كان من جملة المرشحين البارزين لهذا المنصب – معتذرًا بأنه رجل “درويش” لا يصلح لهذا الأمر.
وتتحدث بيل جرترود عن نوري السعيد في صورة جديدة، تحديدا عن انطباعها عنه حين ألقت أول نظرة عليه عند مجيئه إلى العراق من سوريا بعد الحرب، تقول: “إني ما أن رأيته حتى أدركت أننا أمام قوة عظيمة مرنة، علينا إما استعمالها وإما الاشتباك معها في نزال صعب”. ونراه يشترط شروطًا للتعاون مع الإنكليز ومن جملتها تأسيس جمعية تأسيسية.
وإلى جانب هذه الصورة تتبدى صورة أخرى غير متوقعة: ناجي السويدي يقترح على الإنكليز أن يفرضوا الانتداب على العراق بدلاً من عقد معاهدة معه لأن ذلك يتيح لهم سلطانًا أكبر في البلاد.
كانت المس بيل موظفة في الاستخبارات البريطانية وقبل أن تأتي إلى العراق كموظفة مرت “بدورة” في القاهرة (مركز الاستخبارات البريطانية في الشرق الأوسط) تعلمت منها بعض الأسرار الخاصة بالعراق وبالبلاد العربية جملة. وكان هذا المركز يضم أمثال لورنس وفلبي وستورس.
لقد جاءت جرترود إلى العراق سنة 1971 وحين عين السر برسي كوكس معتمدًا ساميًا في العراق في أواخر سنة 1920، عينها “سكرتيرة شرقية” له وقد لعبت دورًا خطيرًا في توطيد الحكم البريطاني في العراق، وإلى جانب عملها هذا قامت بعملين اثنين بارزين وهما إنشاء المكتبة العامة وإنشاء دار الآثار والمتحف العراقي، وقد كانت مسؤولة عن الدارين وفي المكتبة العامة كتب نادرة تتصل بتاريخ العراق. كتب هي من اختيار المس بيل. ولقد توفيت المس بيل سنة 1926 ودفنت في بغداد. وثمة مكتبة دار الآثار العامة.
تكشف الكاتبة عن وجود كتاب المس بيل بعض الغلطات المطبعية، وبعض الأخطاء التي لا نتوقع صدورها منها وهي تلميذة المستشرق والوكيل البريطاني ديفد هو غادث، ومن هذه الأخطاء إشارتها في رسالة لها إلى عيد الأضحى على أنه عيد الفطر – والظاهر أن الخطأ ليس منها بل من أمها التي نشرت الكتاب.
نموذج من الرسائل
ترتيب البيت
7 ديسمبر/كانون الأول 1919
كتبت الآنسة بيل إلى أبيها من بغداد الرسالة التالية، والنقاط الثلاث التي تتخلل الرسالة تمثل كلامًا محذوفًا والراجح إنه يتصل بأمور عائلية:
“إنك إذا غادرت انكلترا في منتصف شباط (فبراير) فستكون هنا نحو نهاية آذار (مارس) ولكن لا تتأخر عن هذا الوقت لأن الجو في نهاية نيسان (أبريل) سيكون حارًا جدًا. ويجب أن أكاشفك بأني لن أعود معك عند عودتك. إني لا أستطيع حقًا مغادرة هذه البلاد التي أصبحت مرتبطة بها هذا الارتباط في الوقت الذي تمر فيه بمثل هذه الأزمة في حظوظها وستمر بها ولا ريب طوال السنة القادمة، وأنا واثقة بأنك ستفهم ما أعني حين تطلع على علاقاتي بالناس هنا. إني أفكر في الذهاب إلى جورج وبلانش مدة شهر أو نحوه في أواسط الصيف. ولكننا سننظر في ذلك بعد.
إني قائمة بتأثيث داري بالتدريج سيكون جميلاً جدًا، وقد كتبت إلي – ميبل – تقول إن أشيائي قد أرسلت في تشرين الأول (أكتوبر) وقد كنت طلبتها في تموز (يوليو). ثم أني اشتريت في الوقت نفسه من سوق بغداد دولابًا أسود جميلاً، وجد رخيص في الوقت نفسه ولا يمكن تقييم معونة ماري لي في عمل الستائر وفي تعهد شؤون البيت بوجه عام.
إنها أعظم مصدر للراحة لي – ولا أدري ماذا كنت صانعة من دونها – ثم طباخي الجديد. آه يا أبتاه لو رأيته يضفي طابعًا ورونقًا خاصًا على حديقتي حين يتبختر فيها بعباءته. بيد أنه – على إجادته الطبخ وإحسانه صنع الكعك الممتاز – لا يقرأ ولا يكتب ونظرًا إلى ضعف ذاكرته ترى حساب المصرف اليومي معه محنة من المحن”.
ميدل إيست أونلاين