فن و ثقافة

رسالة مفتوحة إلى تركي آل الشيخ : سلطة الفنان على المجتمع قهرت الثقافة والسياسة والأخلاق!

عماد نداف

لم أتوقع أن يصل الأمر بشتم الفنانين السوريين بهذه الطريقة التي تنتشر في الآونة الأخيرة على وسائل التواصل، فالتشهير بحياتهم الخاصة وأخلاقهم ومواقفهم غطت مساحة كبيرة من تداعيات الحال الثقافي والفني الذي أعقب سقوط النظام السابق في سورية.

وربما يكون بعضهم قد مهد لذلك بممارسات خاطئة، وتحديداً فيما يتعلق بالمسائل الأخلاقية التي يجري من خلالها إفساد المجتمع والتأرجح حسب السوق ومسار رياح الانتاج .

إن ظاهرة شتم الفنانين لاتعني تراجع دور الفن الدرامي السينمائي والتلفزيوني في التأثير في المجتمع ، بل على العكس تشير إلى أن هذا النشاط متابع بكل مافيه، ولذلك يفترض أن ننتبه إلى دلالاته .

قبل أيام جمع المستشار السعودي الأشهر في الوسط الإنتاجي الفني العربي تركي آل الشيخ عدداً من نجوم الدراما السورية في حدث وصف بأنه “أعاد جمع أسماء بارزة صنعت تاريخ الدراما السورية”، و”بين هؤلاء من لم يجتمع بزميله منذ بداية الحرب”، ووعد المستشار المذكور رئيس هيئة الترفيه بمفاجآت قادمة بعد هذا الاجتماع.

هذا هام جدا ، ومن الضروري البحث في مضمونه ونتائجه، ولكن لاحظوا أن أحدا من العرب النافذين لم يفعل ذلك، لا في السعودية ولا في غيرها، مع السياسيين والمثقفين ورجال الدين والمفكرين والصحفيين والاقتصاديين وبقية النخب الاجتماعية السورية، لدفعهم لبناء طريق جديد للمستقبل .

يبدو أن ما يظهر للعلن هو أن سلطة الفنان هي الأقوى في التأثير، وهذه حقيقة سائدة لكنها منقوصة، لأن اللاوعي الجمعي تمت صياغته على أساس موقف سلبي من الفنان كصانع تفاهة، وهذا ينبغي تصحيحه والتراجع عنه بالنسبة لكل من اشتغل على هذا الخط ليراكم أمولا طائلة في العملة الصعبة وخاصة الفنانات ذوات الترند العالي بصورهن الشخصية.

الفنان بحد ذاته هو جزء من النخب الهامة، وهو حامل للمضمون الذي يساهم في صنعه، بل هو حامله الأول ويدفع له الأجر على هذا الأساس، بغض النظر عن سمعته الأخلاقية والفنية وانتمائه السياسي، فهو ابن سوق الإنتاج والشهرة، وليس ابنا للتغيير الذي يطمح إليه المجتمع والذي ينبغي أن يسعى إليه تلقائياَ، مع استثناءات بسيطة نحترم آرائها ونعرف قيمتها في الحياة السورية وتعد على الأصابع.

لا تتعلق المسألة بالمفاجآت المتوقعة، فصناعة الإعلام والدراما في السعودية فاقت التوقعات، وهي ناجحة وقادرة على السيطرة وترويج السياسات المطلوبة، لكن الخوف هو من خطة العمل وهويتها، هذا مانريده من سعادة المستشار، فهناك في سوق الانتاج نوع من إهمال مقومات المجتمع الأخرى بدءاً من الهوية ووصولا إلى النخب.  فأين المثقف السوري مما يجري، وأين السياسي السوري من التأثير، ثم أين رأس المال السوري في إعادة إنتاج الفن والثقافة والسياسة في بلادنا؟

كل الشكر للسعودية، وللمستشار تركي آل الشيخ، ولكن نحن أيضا بحاجة إلى دعم في مجال الصحافة والإعلام وهيئات المجتمع المدني والأحزاب. في أيام النظام كانت الدراما تكتفي بضيعة ضايعة وحارة كل مين إيدو إلو والخربة وضبو الشناتي وباب الحارة وصبايا وكلها أعمال مفتوحة على كل مصاريع التخلف والتلفيق وتفريغ الانسان السوري من أهدافه وهويته، بل وتشويه البيئة التي يعتز فيها كل السوريين.

وإذا كانت الدراما ستذهب الآن إلى سوق التعذيب والتنكيل وحكايات السجون والبكاء على الأطلال، فإن المأساة تعيد إنتاج نفسها ، وخاصة أن أي حوار جدي مع الفنانين لايجري على أرضية الفن والالتزام وإنما على أرضية الفضائح والخصوصيات وحجم المشاهدات الهائل.

إننا في مشكلة أساسية جوهرها هو الهدف الذي يشتغل عليه الجميع .

نحن نشكر آل الشيخ على مبادرته، ولكن يهمنا أيضاً المعنى من خطوته الكريمة، فإذا كانت المفاجآت بالمزيد من الدراما الرائجة، فلابد من رسالة تصل إليه ، ومضمونها :

أولا : قناعتنا بمقدرة الفن على التأثير ، لذلك من حقننا أن نسأل عما سينتجه الفن في المرحلة القادمة، وكيف ينبغي إعادة إنتاج البنية الدرامية السورية والعربية عموما نظرا لتأثير المملكة الواضح عليها، فنحن نخاف من أن تتجه إلى صناعة مجتمع متعدد الجنسيات بلا لون ولا طعم ولا رائحة .

ثانيا : نحن نريد دورا حضاريا للمملكة العربية السعودية في تجربتها الجديدة التي ستغير المنطقة، ولكن هذا الدور يفترض أن يستند إلى الأمة ومصيرها ورغبة الجميع في سلامتها وسلامة مستقبلها وأمنها ، ولا مانع عند كل العرب من أن تكون السعودية هي رائدة هذا الاتجاه، فهي منا ولنا وليست علينا.

ثالثا : يعرف الجميع أن الإفساد في الأخلاق والفكر والسياسة جرى ويجري عبر الفن، لذلك ندعو لأن يكون الإصلاح وتقويم الأمور عبر الطريق ذاته، وخاصة أن الفن دخل الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل بقوة بواسطة المنصات التي تكاد أن تلغي التلفزيون..

رابعا : كنا نقف بحذر أمام سلطة رأس المال المنتج، لكننا الآن نريد لهذه السلطة التي تتبناها السعودية أن تطمئننا إلى دور جديد يذهب بنا إلى طموحات مشتركة بناءة تقرأ الماضي والحاضر وتتطلع بثقة إلى المستقبل.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى