كتب

رواية (العربجي) لعثمان جحى : بين الدراما والنص الأدبي في بعديه الرمزي والدلالي

عماد نداف

لفت الكاتب السوري عثمان جحى النظر إلى مسلسله (العربجي) قبل عام من اليوم، وعاد في الموسم الرمضاني الحالي ليتابع سرديته الدرامية مع الكاتب مؤيد النابلسي حاصدا مشاهدات المتابعين الذين أحبوا الجزء الأول منه، ولكن المفاجأة كانت بإصداره رواية (العربجي :أبواب الموت والحياة) لعثمان منفرداً في تواقت ملحوظ مع عرض الجزء الثاني من المسلسل .

ومباشرة، يخطر على بال المتابعين والنقاد، مقارنة تلقائية بين الرواية والمسلسل، لأنها التجربة الأولى من هذا النوع التي يقوم فيها الكاتب الدرامي بإصدار نص روائي مواز يثبت من خلالها جدارته في الكتابة السردية والدرامية معا.

وفي قراءة رواية (العربجي أبواب الموت والحياة) يحقق القارئ متعة خاصة لا علاقة لها أبداً بمتعة مشاهدة المسلسل، الذي أطريته قبل عام باعتباره يقدم نموذج البطل الشعبي بصيغة تجاوزت المألوف.

وخصوصية الرواية، كما قرأتها، أنها تؤسس لرؤية خاصة في الصراع الاجتماعي في مرحلة محددة في النص في مدينة دمشق نفسها أيام تبعية الشام لحكم السلطنة العثمانية، والمدهش هو المزج الخلاق بين التخييل والواقع لبناء تصور خاص عن تطورات الثورات الاجتماعية ومآلاتها عندما يصل (المقهورون) إلى السلطة، ويسلكون سلوك القهر الاجتماعي نفسه الذي عانوا منه من قبل.

ولكي نتعرف على الحامل الأساسي لعنوان الرواية، يؤكد الكاتب أن العربجي ” هو ــ الحاكم ــ الملمح الوحيد لتلك الدولة التي أقامها في العراء على أنقاض ماهدمه الطاعون من حياة البشر..” ص11 ، وهذا التكثيف الذي ورد قبل الدخول في تفاصيل السردية يستبق الأحداث ليؤكد أن صاحب المشروع الثوري المناهض للظلم لايلبث أن يصبح ظالماً عندما يخرج عن المهمة الأساسية التي جاء من أجلها.

في الرواية يظهر كامل آغا الجوخدار مع ابنته (بدرية الجوخدار) في رداء سلطوي ومالي يحتاج إلى وريث، وعلى ذلك تقوم ابنته (الخانم بدرية) بخوض التجربة مع أنوثتها لتقوم بهذا الدور عبر طباع حازمة وصارمة، وفي لحظة ما تجد نفسها أمام حاجة ملحة لمن يقف بجانبها، فتنتقي عفيف عبده النشواتي وتدفعه إلى طلب يدها أمام جبروت والدها، ويجرأ عفيف ويطلب يدها فيوافق الأب، وتتزوجه ليصبح آغا النشواتية وينجب لها ابنة جميلة وشابين، ويستعين عفيف بعبده العربجي الوفي له حتى الموت.

إلى هنا والسردية تمهد لصراع طاحن سنتعرف عليها في المتن، وقد ظهر هذا جليا في المسلسل، وإن غابت متعة النص أمام بهرجة (الأكشن) التي جرى الشغل عليها.

تبدأ تباشير هذا الصراع في الغيرة التي تنشأ في صدر أبو حمزة شقيق عفيف، لذلك عندما يموت عفيف يلجأ  أبو حمزة لنقل أملاكه إليه عبر تزوير أوراق الطابو على يد (مغسل الموتى) وذلك بوضع البصمات على صكوك الملكية من أصابع الجثة، وخلال العزاء يأتي عبده العربجي بالمزور ليكشف اللعبة بناء على طلب بدرية الجوخدار، لكن مكر أبو حمزة النشواتي وسطوته يجهض ما قام به عبده العربجي ، ويعود الصراع ليأخذ أشكالاً جديدة بين أبو حمزة النشواتي من طرف وبين بدرية خانم وعبده من طرف آخر، ويتشعب الصراع في تفاصيل متتالية ليصبح الصراع على أكثر من خط ، ويتبلور بعد ذلك ليصبح طبقيا يقوده عبده العربجي في لعبة سردية رائعة يبني عليها الكاتب الرسالة التي يريدها من النص .

تذهب لعبة التخييل في الصراع المبتكر في السردية ، إلى تقدم عبده العربجي على خصومه، وقد حصل هذا بشكل مقنع يستند إلى فهم الكاتب لآليات الصراع الاجتماعي في المجتمعات، الذي يقوم وفق المنطق الاجتماعي على أن (الثورة الاجتماعية) في المجتمع الإقطاعي والأوليغارشي، وفي أي مجتمع طبقي آخر، لابد لها من أن تمر بعدة حقائق من بينها التناقض القائم بين الطبقات والفئات السائدة، إضافة إلى التناقض بين الطبقة السائدة والطبقة المقهورة مع ازدياد معاناتها ، ومن ثم نضج الظروف المواتية للتمرد أو الثورة.

الذي يحصل في رواية (العربجي)، أن حلفاً واسعاً يقوم بين (الدراويش) و (العربجية) و(الجنود الجائعين) يؤدي إلى زعزعة أركان المجتمع المبني على علاقة السلطان بالوالي بالمتصرف، وينجح عبده العربجي في معركته ويقيم (دولته) في منطقة متخيلة اسمها(عشقة) القريبة من المدينة، وفي هذه المدينة يسعى لتحويلها إلى (جنة الله على الأرض) بل ويجري فيها أنهارا من اللبن والعسل.

لاتلبث دولة (العربجي) أن تنهار، وهو ما قد نشاهده في الجزء الثالث من المسلسل ، وانهيار هذه الدولة التي قام بها المقهورون، مردوه إلى دروس التاريخ نفسها، حيث تحول عبده العربجي إلى (السلطان عبده) ، وأعاد اسطوانة القهر والإذلال فوق العامة ..

كانت النتيجة أن (الشنكل) لم يعد يحميه، وأن حلفاءه نأوا عنه ، وأن دولة (عشقة) أصبحت مهددة بالزوال، وعندما يصاب في معركته الأخيرة تحمله  فوزية فوق العربة ، وتتجه به نحو المغيب (لاحظ دلالة المعنى في اللفظة المستخدمة).

نص ساحر ينبغي الوقوف عنده في النقد الروائي السوري، وهو بحد ذاته تجربة في الكتابة الروائية تحمل في طياتها (رؤية) و(رؤيا) تترك القارئ يعيد حسابات الصراع في المجتمع الذي يقرأ عنه !

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى