روسيا تتدخّل لنسف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية (سليم نصار)
سليم نصار
عندما أعلنت وزيرة العدل الاسرائيلية ورئيسة الوفد المفاوض، تسيبي ليفني، أن المباحثات مع الوفد الفلسطيني يمكن أن تستمر أكثر من تسعة أشهر، كانت تسعى الى تعويم العملية الديبلوماسية المتعثرة. وفي سياق حديثها عن ملف المفاوضات، قالت ليفني "إن تحقيق نتائج إيجابية أهم بكثير من التقيّد بالبرنامج المحدد بتسعة أشهر".
أيدّ ليفني في هذا التحفظ رئيس حزب "اسرائيل بيتنا"، افيغدور ليبرمان، الذي قال في هذا الصدد: إن حل القضايا الجوهرية مع الفلسطينيين، وإبرام إتفاق دائم، يحتاجان الى فترة زمنية طويلة. وفي حال لم تؤخذ هذه الاعتبارات في الحسبان، فان الفريقين سيصلان في نهاية المطاف الى طريق مسدود.
ويُستَدَل من مضمون التسريبات الصحافية، أن اسرائيل رفضت خلال الجولة الأولى فكرة تبادل الأراضي وترسيم الحدود. وأعتُبِرَت هذه الانطلاقة الخاطئة سبباً لاحتجاج مندوب نتنياهو الى المفاوضات المحامي اسحق مولخو الذي كتب الى الوسيط الاميركي مارتن انديك يشجعه على التدخل من أجل فرض التكتم على سير المباحثات.
مرة اخرى، وعد الرئيس الاميركي باراك اوباما بواسطة وزير خارجيته جون كيري بالتدخل مع نتنياهو من أجل تسهيل مهمة رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض صائب عريقات. علماً أن اسرائيل أوحت لواشنطن بأن إستبدال عريقات بشخص آخر أكثر ليونة وأقل حدة، يمكن أن يحرز بعض التقدم في القضايا الجوهرية. ثم تبيَّن بعد التحقيق، أن الخلاف الحقيقي مع عريقات لم يكن حول مسألة الحدود وقضية المستوطنات، وإنما حول مستقبل الأغوار.
وحكاية الخلاف، كما تناقلتها الصحف، بدأت بمقتل ضابط متقاعد يدعى شريه عوفر. وقد نُفّذت عملية القتل بطريقة عنيفة جداً إستُعمِلت فيها الفؤوس وقضبان الحديد. والسبب أن الضابط عوفر قام بتشييد منتجع سياحي واسع في الغور أطلق عليه إسم "بروش هبكعا." وقد حصل على إذن رسمي من وزير الاسكان الاسرائيلي باستثمار رقعة الأرض التي يحتاجها.
ثم تبين من التحقيقات والملفات العالقة أن صائب عريقات إعترض مراراً وتكراراً على القرصنة التي إستُخدمَت لمصادرة أرض الأغوار. وهي أرض تشكل مساحتها ما نسبته 28 في المئة من مساحة الضفة الغربية. ولما أثيرَ موضوع الأغوار في المفاوضات، كرر المفاوض الاسرائيلي الحجة التي طرحها أثناء حكم شارون، مدعياً أن العسكريين هم الذين أفتوا بضرورة الاحتفاظ بالأغوار لأسباب تتعلق بأمن اسرائيل.
مرة أخرى، كرر ممثل نتنياهو في وفد المفاوضات طلب إستئجار أرض الأغوار لمدة أربعين سنة. وإستخدم "الأمن الاسرائيلي" كحجة للبقاء طوال هذه الفترة.
الوفد الفلسطيني إستعان بالمنطق الذي إستعمله حافظ الأسد سنة 1974 لمواجهة المشروع المريب الذي حمله هنري كيسينجر، مدعياً أن اسرائيل لا تشعر بالأمان إلا إذا شاركت قواتها في حماية المناطق الشمالية.
أجابه الأسد: ربما نسيت يا مستر كيسينجر أنك تتحدث مع رجل عسكري. فالحجة الواهية التي تستغلها اسرائيل ربما كانت صحيحة في عصر المنجنيق. أما في عصر الطائرات النفاثة والصواريخ العابرة للقارات، فان التلطي وراء ذريعة الأمن هو ذريعة ساقطة.
إضافة الى هذا، فقد بيّن صائب عريقات للرأي العام أن اسرائيل إستثمرت الحجة الأمنية بغرض إستغلال الأرض. فهي مثلاً تملك في الغور أكبر مزارع للنخيل والأزهار والدواجن. وقد أنشأت خلال السنوات الأخيرة خمس بحيرات اصطناعية لتربية التماسيح التي تُستعمل جلودها في صنع الحقائب والأحذية. وبسبب مساحاتها الواسعة، قامت اسرائيل ببناء 37 مستوطنة لم تلبث الشركات الزراعية أن إستثمرت إنتاجها للتصدير الى اوروبا. وتقدر الأرباح السنوية التي تجنيها اسرائيل من محاصيل الأغوار بأكثر من 600 مليون دولار.
ولما أثار عريقات هذا الموضوع الحساس الذي تجاهلته اسرائيل مدة أربعين سنة، هدد نتنياهو بوقف المفاوضات، زاعماً أن الأغوار ليست على جدول الأعمال. وقد إضطر ياسر عبد ربه، أمين سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، الى الكشف عن المعايير الثابتة التي تستخدمها اسرائيل في المفاوضات السابقة والحالية. أي المعايير الخاضعة لمصالحها الأمنية. ومعنى هذا أن العسكريين وحدهم يشكلون المرجعية الأخيرة… وأن السياسيين مكلفون باتقان فن الحوار وشراء الوقت المضاع.
ويبدو أن الوزير الاميركي جون كيري شعر بأجواء الاحباط التي تخيّم على سير المفاوضات، لذلك وعد الرئيس محمود عباس بالتدخل المباشر إذا إستمرت حال الاحتقان والجمود. ولكن وعده لم يثمر بدليل أن التهديد بنسف المفاوضات جاء من قِبَل وزراء شركاء في الحكومة. وكان في طليعتهم وزير الاقتصاد نفتالي بينيت، رئيس حزب "البيت اليهودي." وقد إتخذ قراره السلبي بعدما تبين له أن نتنياهو وافق على التنازل عن منطقة "غوش عتصيون" جنوب بيت لحم في مقابل تنازل السلطة الفلسطينية على ضم مناطق إستيطانية في ضواحي نابلس.
من أجل إنقاذ هذا الموقف الذي دعمته إدارة اوباما، يبدأ الرئيس محمود عباس جولة تشمل عدداً من الدول الاوروبية بهدف التشاور والتنسيق حول مستقبل المفاوضات. ومن المقرر أن يبدأ جولته بايطاليا والفاتيكان، على أن يزور المانيا وليتوانيا وبلجيكا في المرحلة الأخيرة. ومن المتوقع أن يلتقي ممثلي دول الاتحاد الاوروبي الداعمة لاقامة دولة فلسطينية مستقلة خالية من المستوطنات غير الشرعية.
أما زيارته للفاتيكان فستكون مخصصة لبحث مستقبل الأماكن المسيحية المقدسة التي تتعرض للنهب والمحاصرة. وهو في الوقت ذاته يحمل دعوة خاصة للبابا فرنسيس لعل باستطاعته، آخر هذه السنة، زيارة الأراضي المقدسة.
الحكومة الروسية تراقب باهتمام بالغ توجهات رئيس السلطة الفلسطينية في حال جرى الاعلان عن فشل مفاوضات السلام. وقد أرسلت، في هذا السياق، مقترحات إدارية عدة تتعلق بضرورة توسيع الرباعية من طريق ضم الصين والهند. كما تقترح أيضاً تغيير مبعوث الرباعية الحالي الى الشرق الأوسط، طوني بلير، بسبب إنحيازه الأعمى لاسرائيل. وقد أتبعت موسكو تحفظها عن دور طوني بلير بتجميع كل ما كُتِبَ عن صفقاته المالية مع دول الخليج… وكل ما نشرته الصحف البريطانية حول تورطه في حرب العراق.
يقول المراقبون إن التغيير المفاجىء في موقف روسيا فرضته المتغيرات التي أحدثها "الربيع العربي" على أرض الواقع. وفي تقديرهم أن مكانة الولايات المتحدة قد ضعفت في الشرق الأوسط وعلى الساحة الدولية عموماً. في المقابل، إزدادت موسكو ثقة بنفسها عقب تراجع اوباما عن إستخدام القوة العسكرية ضد سوريا.
الأمم المتحدة بدورها تتطلع الى حدوث هجمة ديبلوماسية روسية في حال وصلت المسيرة السلمية، التي ترعاها الولايات المتحدة، الى طريق مسدود. خصوصاً بعدما أعلن الرئيس بوتين أن القضية الفلسطينية هي مسألة مركزية في المنطقة، كونها تمثل أهم الأسباب المؤدية الى عدم الاستقرار الاقليمي. كما يرى فيها أيضاً عنصر تفجير لمختلف التيارات الراديكالية في العالم الاسلامي.
وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، ينتقد واشنطن بسبب سيطرتها الحصرية على المسيرة السلمية، والعمل على إبعاد بلاده عن شؤون الشرق الأوسط. وهو يدعي أن روسيا، في عهد بوتين، حققت موقفاً متوازناً حيال كل الأطراف، بمن في ذلك الطرف الاسرائيلي. وهو بذلك يشير الى الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الروسي لاسرائيل.
وذكِرَ في حينه أن بوتين تحدى نتنياهو بالقول إنه أكثر شعبية منه لدى الجالية الروسية اليهودية التي يزيد عددها على المليون ونصف المليون. وأخبره أن نصف هذا العدد يجهل اللغة العبرية، وأن جذوره الوطنية ما زالت تتحكم بسلوكه وثقافته.
إضافة الى هذه المعطيات، فان بوتين يؤمن بأنه يمثل الجهة الأساسية التي بوسعها التأثير على مفاوضات السلام. كما يعتقد أن روسيا حسّنت صورتها كوسيط نزيه لدى العرب والاسرائيليين معاً. خصوصاً أن علاقاتها الحسنة مع ايران وسوريا والصين و"حزب الله" و"حماس"، يمكن أن تساهم في التأثير على المسيرة السياسية في الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق يرى الوزير لافروف أن إنقضاء ثلاثة عقود من المحاولات الاميركية الفاشلة لتحقيق التسوية، يدل على ضعف التسوية. وتكرار الفشل، في رأيه، يعني أن الوسائل التي اتُبِعَت لهذا الغرض لم تكن صالحة منذ البداية. كما أن حصر الذنب بتعقيدات فكرة حل الدولتين ليس سوى إعفاء اسرائيل من المسؤولية عن تعنتها… وتحرير الفلسطينيين من المسؤولية عن أخطائهم… وإعفاء واشنطن من مسؤوليتها التاريخية عن المبادرات الفاشلة.
الجامعة العربية تعيد الفشل الى عدم التوازن بين الفريق الاسرائيلي الذي يملك مئتي رأس نووي… والفريق الفلسطيني الذي يملك غصن الزيتون. وربما كان في هذا التفسير بعض التبرير. علماً أن محمود عباس دخل المفاوضات مع دعم عربي واسع ودعم اوروبي مشجع، الأمر الذي أخفق في توظيفه لتحقيق الحد الأدنى من اتفاقات اوسلو.
بقي أن نذكر أن لاسرائيل هماً سياسياً واحداً يتعلق بمدى التقارب الذي حققته المكالمة الهاتفية بين الرئيس باراك اوباما والرئيس الايراني حسن روحاني. ويرى الاعلاميون الاوروبيون أن هذا الهم قد تضاعف لدى اسرائيل بعد الانفتاح الذي أظهره المفاوضون الايرانيون في جنيف بخصوص الملف النووي.
وحول مسألة توقع غير المتوقَع، ذكرت الصحف الاسرائيلية أن سلاح الجو أجرى الأسبوع الماضي تدريبات واسعة النطاق مع سلاح الجو اليوناني، بهدف إمتحان قدرته على الطيران في مهمات بعيدة.
هدف مهمة التدريب أوضحه رئيس الأركان الاسرائيلي بني غانتس في خطاب ألقاه في قاعة جامعة بار ايلان. فقد وصف الشرق الأوسط بأنه منطقة تعيش في حال من التوتر والتشويش وعدم الاستقرار.