روسيا تنتفض على أميركا وتلتحق بموقف تركيا لاستخدام العملات الوطنية في التجارة الثنائية
أعلن الكرملين أن روسيا تفضل إجراء التعاملات التجارية الثنائية مع كل الدول بعملاتها الوطنية بدلاً من الدولار، لكن هذه الفكرة تحتاج إلى بلورة التفاصيل قبل تنفيذها. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال أخيراً إن تركيا تستعد لإجراء التعاملات التجارية بالعملات الوطنية مع الصين وروسيا وأوكرانيا.
ولدى سؤاله عن اقتراح أردوغان، قال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن روسيا تطالب بمثل هذا الترتيب مع كل الدول. وأضاف أن المسألة أثيرت في أكثر من مناسبة خلال المحادثات الثنائية بين تركيا وروسيا.
وكان النائب الأول لرئيس الحكومة وزير المال الروسي أنطوان سوليانوف أعلن أن روسيا ستواصل خفض حيازاتها من سندات الخزانة الأميركية رداً على العقوبات الأخيرة على بلاده. وقال سوليانوف في تصريحات صحافية: «قلّصنا إلى الحد الأدنى استثماراتنا في الاقتصاد الأميركي والأوراق المالية الأميركية، وسنواصل خفض هذه الاستثمارات، كما سنزيد من استخدام الروبل في تسوياتنا إضافة إلى عملات أخرى بدلاً من الدولار، بما في ذلك العملة الأوروبية».
وأكد الخبير المالي ألكسندر لوسييف أن لهذه الخطوة أبعاداً اقتصادية وسياسية، موضحاً أن «تقليص الاستثمارات الروسية في سندات الخزينة يعود إلى تشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة، ورفع سعر الفائدة من قبل مجلس الاحتياط الفيديرالي الذي سيستمر على الأرجح لأكثر من سنة، ما يجعل من الاستثمارات في سندات الخزينة الأميركية خاسرة، لأن أسعارها ستتراجع مع ارتفاع الفائدة».
وأشار إلى أن تقليص حيازة سندات الخزينة الأميركية بدأ منذ أشهر، مشدداً على وجود «أسباب سياسية داخلية لذلك، انطلاقاً من أن العقيدة الأميركية للسياسة الخارجية والدفاعية تسمي روسيا أنها عدو الولايات المتحدة، وانطلاقاً من هنا، فإن مواصلة دعم وزارة المال الأميركية والمساهمة في تمويل النفقات المتزايدة للبنتاغون وأجهزة المخابرات الأميركية والموجهة من أجل الحدّ من قوة روسيا، إضافة إلى العقوبات الأخيرة، تعد تصرفاً غير منطقي ويصل إلى حد الخطيئة السياسية التي لا تغتفر».
وكانت بيانات وزارة المال الأميركية كشفت في تموز(يوليو) الماضي أن روسيا واصلت للشهر الثاني خفض حيازاتها من سندات الخزينة في شكل كبير، وأنها تخلصت من 47.5 بليون دولار في نيسان (أبريل) و33.8 بليون في أيار(مايو)، ليتراجع حجم الاستثمارات الروسية في هذه السندات إلى 14.9 بليون دولار، وهو أدنى مستوياته منذ العام 2007. وبعد تقليص حيازتها، هوى ترتيب روسيا في قائمة الدول التي تستثمر في سندات الخزينة الأميركية إلى المرتبة 33 من المرتبة 16 نهاية آذار (مارس) الماضي، بحيازات وصلت إلى 96.1 بليون دولار.
وفي حين واجهت الاستثمارات الروسية في السندات الأميركية انتقادات واسعة في الماضي، فإنها حافظت على مستوى مرتفع ولم تنخفض عن 100 بليون دولار في أشد فترات الصراع مع الغرب عام 2014 بعد ضم شبه جزيرة القرم والأزمة الأوكرانية. ودافع وزير المال السابق أليكسي كودرين عن هذه الاستثمارات التي «تؤمن للخزينة الروسية نحو بليون دولار سنوياً».
ورجح كبير الاقتصاديين في «دانسك بانك» فلاديمير ميكلاشيفسكي أن «العوامل الجيوسياسية بين موسكو وواشنطن لعبت دوراً مهماً في القرار الروسي»، مشيراً إلى أن «القرار هدفه الحدّ من الأخطار في حال تدهورت العلاقات أكثر». وفرضت الولايات المتحدة في نيسان (أبريل) الماضي عقوبات على رجال أعمال روس، من بينهم رؤساء ومديرو كبار الشركات والمصارف الروسية، إضافة إلى كبار الموظفين الحكوميين في الوزارات، وحينها تصاعدت الخشية في روسيا من أن تتطور العقوبات وفق السيناريو الإيراني، ومنع المصارف الروسية من استخدام نظام «سويفت»، وفرض إجراءات قاسية على الدين الحكومي الروسي. وإضافة إلى العوامل الجيوسياسية، اعتبر ميكلاشيفسكي أن» قرار التخلص من سندات الخزينة الأميركية جاء في الوقت المناسب ومبرّر من وجهة النظر الاقتصادية على خلفية تشديد مجلس الاحتياط السياسة النقدية، وزيادة عائدات سندات الدين الأميركي». ويتفق المحلل في «نورديا بانك» دينيس دافيدوف مع الطرح السابق، ويؤكد أن «القرار اتخذ بناء على نظرة اقتصادية مرتبط برفع سعر الفائدة، وفي هذه الحال فإن السندات الطويلة الأجل يمكن أن تفقد كثيراً من قيمتها، ومن المربح بيعها والتخلص منها».
وفي حين يستبعد الخبير المالي ألكسندر لوسييف أن تُقدم واشنطن على تجميد الودائع الأميركية في سندات الخزانة، يشير إلى أن الخطوة تعد «حدثاً خطيراً جداً بالنسبة إلى الخزانة الأميركية والنظام المالي العالمي، ويمكن أن تتسبب في ردود فعل غير متوقعة، والواضح أنها سلبية لسوق سندات المال الأميركية».
واعتبر أن «من الأفضل استثمار هذه المبالغ في الاقتصاد الروسي بسبب عدم وجود بديل خارجي في العالم»، مشيراً إلى أن «استثمار هذه المبالغ في روسيا لا يشكل خطراً». وخلص الخبير إلى أن السلطات الروسية أمام خيارات تراوح بين زيادة حيازة الذهب، وهو ما فعلته أخيراً، والاستثمار في أسواق مال تشهد تطوراً مثل البرتغال وإسبانيا وغيرهما».