رومني.. مدى الإستفادة من رايان (د. منار الشوربجي)
د. منار الشوربجي
بعد إعلان مرشح الرئاسة الأميركي ميت رومني اختياره لبول رايان نائباً له، تشير استطلاعات الرأي إلى أن الأخير لم يسهم في رفع أسهم رومني في سباق الرئاسة. فقد جرت العادة في انتخابات الرئاسة الأميركية، على أن يقوم المرشح بإعلان اسم نائبه قبل المؤتمر العام لحزبه بهدف خلق بعض الزخم، فترتفع حظوظه بنسبة تدور حول 5 % تقريباً. ثم يذهب المرشح ونائبه للمؤتمر العام، فيتسع ذلك الزخم طوال أيام المؤتمر، فتكون تلك دفعة قوية للأمام مع بدء معركة الخريف.
واختيار النائب عادة ما يكون بمثابة فرصة للناخب للولوج إلى عقل المرشح. فلأنه أول قرار سياسي يتخذه المرشح خلال حملته الانتخابية، فهو يلقي الضوء على مدى قدرته على اتخاذ القرارات السليمة.
فعلى سبيل المثال، أضر اختيار سارة بيلين كثيراً بجون ماكين في انتخابات 2008، ليس لأن أداء بيلين كان فضائحياً من حيث قدراتها الفكرية وإلمامها بالقضايا فقط، وإنما لأنه أثار الكثير من الشكوك حول قدرة جون ماكين على حسن الاختيار.
لكن المخاطرة التي يحملها بول رايان لحملة رومني، ذات طابع مختلف هذه المرة. فهو على قدر ما يحدث زخماً بين قطاعات بعينها، فإنه يستفز بالدرجة نفسها قطاعات أخرى من الناخبين. فاختيار المرشح لمن يتولى منصب نائب الرئيس، يهدف دوماً لدعم فرصه في الفوز عبر علاج نقاط ضعفه.
فإذا كان المرشح ذا خبرة محدودة في السياسة الخارجية، فإنه يختار نائباً له خبرة في هذا المجال، وإذا كان من إحدى ولايات الشمال فالأرجح أن يبحث عن نائب من الغرب أو الجنوب، وإذا كان المرشح مسناً فإنه يختار شاباً وهكذا…
واختيار رومني لبول رايان ليس استثناءً من القاعدة، فرومني منذ البداية يلقى معاملة فاترة من قاعدة الحزب الجمهوري، التي لم ينجح في إقناعها بأنه محافظ بالدرجة التي يطمحون إليها. فهو كان حاكماً لولاية ماساتشوستس الليبرالية بامتياز، والتي إذا انتخبت جمهورياً فإنه يكون في أغلب الأحيان من المعتدلين الجمهوريين. وهو كان قد وقع أثناء حكمه للولاية، على قانون للرعاية الصحية في الولاية قريب الشبه بقانون أوباما. ثم إن ديانة رومني المورمونية، وضعت بعض الحاجز بينه وبين اليمين الأصولي المسيحي.
لذلك كان اختيار رومني لبول رايان هدفه الأساسي هو تبديد المخاوف حول التوجه الأيديولوجي الذي سيتبناه إذا فاز بالرئاسة. فبول رايان هو رئيس لجنة الميزانية في مجلس النواب، وصاحب تاريخ معروف، وجدلي بالمناسبة، كرمز من رموز اليمين.
فهو تقدم بمشروع جدلي للميزانية، وهو كاثوليكي يحبه الأصوليون البروتستانت، لأنه معروف بتدينه ومواقفه المحافظة من القضايا الاجتماعية. ومن هنا، فإن الهدف الرئيسي لرومني كان إشعال الحماس داخل الحزب الجمهوري، وخصوصاً بين قاعدته الأكثر يمينية.
لكن اختيار رايان يحمل مخاطرة، لأنه يستنفر قطاعات واسعة من الناخبين الأميركيين، خصوصاً أولئك الذين قد يضارون اقتصادياً إذا ما صارت أفكاره هي الموقف الرسمي حال فوز رومني. فالأميركيون لم ينسوا بعد أن مشروع الميزانية الذي قدمه رايان أوائل العام الحالي، أثار جدلاً صاخباً لأنه تضمن خفضاً ضريبياً مذهلاً للقطاعات الأكثر ثراءً من الأميركيين، وتفكيكاً لبرامج اجتماعية تخدم المسنين والفقراء بالدرجة الأولى.
فقد تضمنت ميزانية رايان رفعاً لسن الحصول على مزايا برنامج الضمان الاجتماعي إلى سن السبعين، وتفكيكاً للبرنامج الذي يقدم الرعاية الصحية لكبار السن والمعروف باسم "الرعاية الطبية"، عبر خصخصته، فضلاً عن إعطاء الولايات كامل الصلاحيات في تقديم خدمة الرعاية الصحية للفقراء، بحيث يصبح بإمكانها أن تقرر من يستحق الحصول على مزايا برنامج "المساعدة الطبية" وتحديد مدة الانتفاع بالبرنامج، في لحظة تعاني فيها الولايات من أزمات اقتصادية طاحنة.
ولأن تلك الموضوعات مرتبطة مباشرة بحياة قطاعات واسعة من الأميركيين، بما يستنفرها ويثير قلقها، يحتمل أن يتحول برنامجا الرعاية الطبية والمساعدة الطبية، فضلاً عن برنامج الضمان الاجتماعي، إلى قضية انتخابية محورية في الحملة. وهو ما يمثل مخاطرة لحملة رومني، لأن حزب أوباما يحظى تقليدياً بثقة الناخب بشأن تلك البرامج، كونه الحزب الذي أنشأها في القرن العشرين ودافع عنها منذ ذلك الوقت.
وميزانية رايان تصبح مخاطرة أكبر، حين يكون هو مرشح ميت رومني صاحب الثروة الضخمة. فرومني الذي رفض الإفصاح عن سجله الضريبي، من الشريحة الأكثر ثراءً، والتي وفقاً لميزانية رايان ستزداد إعفاءاتها بالمقارنة بالأقل ثراءً بمن فيهم رايان نفسه، الأمر الذي يكرس الانطباع بأن رومني لا يشعر بمعاناة الطبقة الوسطى.
ومن اللافت للانتباه أن رايان الذي لم يؤد انضمامه إلى فريق رومني لزيادة شعبيته، قد جلب أضواء سلبية في الأسبوع الأول. فهو كان من أشد الرافضين علناً لبرنامج إنعاش الاقتصاد الذي دعا له أوباما في 2009، لكن ما إن صدر القانون من الكونغرس حتى راح رايان يخاطب سراً مختلف الوزارات، مطالباً لدائرته الانتخابية بحصة من تلك الأموال "لإنعاش الاقتصاد فيها"
لكن الأنكى أن رايان ظل طوال ثلاثة أعوام امتدت حتى الأسبوع الماضي، ينفي بشدة أنه طلب أياً من تلك الأموال لدائرته. لكن الصحف استطاعت أن تحصل على الرسائل التي أرسلها رايان للوزارات ووقعها بخط يده، فاضطر للاعتراف بأنه عارض القانون علناً ثم سعى للاستفادة منه سراً.
باختصار؛ صحيح أن اختيار رايان قد يساعد رومني في إثارة حماس اليمين المحافظ، إلا أن المرشح الجمهوري قد يجد نفسه إزاء موقف يتحول فيه رايان نفسه إلى القضية الانتخابية الرئيسية في الحملة، عبر استنفار قطاعات واسعة من الناخبين، واستعداء الناخبين المستقلين على وجه التحديد، الذين يحسمون عادة نتيجة الانتخابات.
صحيفة الاتحاد الإماراتية