زلزالٌ سياسيٌّ يُبشّر بالحرب الأهليّة بين “الشرقيين والغربيين”
حتى أشّد الصهاينة تزمتًا وعنصريّةً وتطرفًا باتوا على قناعةٍ تامّةٍ بأنّ السؤال المحوريّ خلال هذه الفترة هو ليس هل ستندلع الحرب الأهليّة، إنّما متى، والشواهد على الخلافات العميقة بين المعسكريْن الاثنيْن كثيرة جدًا، ويُشدّد كبار المحللين السياسيين على أنّ قرار المحكمة العليا في القدس المُحتلّة، ضدّ الوزير أرييه درعي، زعيم اليهود، الذين استجلبتهم الصهيونيّة إلى فلسطين من دول المغرب العربيّ، والذي اتخُذّ أمس الأربعاء، ستكون له تداعياتٍ خطيرةٍ، إذْ أنّ 10 قضاة من أصل 11، أمروا رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بإقالة شريكه الأساسيّ والأكثر قُربًا منه، الوزير آرييه درعي من منصبه، ويؤكّد الخبراء أنّ القرار سيكون ربّما الشرارة الأولى في الحرب الأهليّة التي يُحذّر منه العديد في دولة الاحتلال.
وللتدليل على عمق الفجوة التي باتت تُميِّز المجتمع الصهيونيّ في إسرائيل، فقد شدّدّ الإعلام العبريّ وأيضًا وسائل التواصل الاجتماعيّ على أنّ القاضي الذي رفض قرار إقالة درعي من مناصبه هو من “أصولٍ شرقيّةٍ”، فيما أنّ باقي القضاة هم من “أصولٍ غربيّةٍ”، الأمر الذي يؤكِّد بحسب عددٍ من المحللين والخبراء أنّ “الشرقيين” يتعرّضون للقمع من “الغربيين”.
وكشفت مصادر سياسيّة إسرائيليّة وُصِفَت بأنّها رفيعة المُستوى في تل أبيب، كشفت النقاب عن أنّ حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة، وهي الحكومة السادسة التي يرأسها، تقِف أمام أوّل تهديدٍ على استمراريتها بسبب قرار المحكمة العليا في كيان الاحتلال بإصدار قرارها القاضي بمنع رئيس الوزراء من تعيين زعيم حزب شاس (اتحاد اليهود الشرقيين) آرييه درعي، لأنّ الأخير مُجرم مدان، الأمر الذي يمنعه من تبوأ أيّ منصبٍ حكوميٍّ، خصوصًا وأنّه اعترف في كانون الثاني (يناير) الماضي بإخفاء أموالٍ عن سلطات الضريبة في دولة الاحتلال، وفرضت عليه المحكمة غرامةً ماليّةً بالإضافة إلى حبسٍ احترازيٍّ. وكان قد أُدين سابقًا بالاختلاس وخيانة الأمانة وتلقّي الرشاوى، وزُجّ به في السجن لعدّة سنواتٍ.
وعلى الرغم من ذلك، فقد قام نتنياهو بتعيينه وزيرًا للداخليّة ووزيرًا للصحّة، الأمر الذي أثار حفيظة معارضي الحكومة الجديدة، وأيضًا منظمّات الحفاظ على جودة الحكم في إسرائيل، وقامت الحركة من أجل نزاهة الحكم في الكيان، وهي نفس الحركة التي تقوم بتنظيم المظاهرات التي تعُمّ إسرائيل، قامت بتقديم التماسٍ إلى المحكمة العليا في القدس المُحتلّة ضدّ هذا التعيين، وأمس أعلنت المحكمة عن قرارها الأمر الذي أدّى لزلزال سياسيٍّ واجتماعيٍّ في دولة الاحتلال.
وقُبيل قرار المحكمة العليا انتقل نوّاب الكنيست من حزب (شاس)، وهم 11 نائبًا، الذي يقوده درعي، من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم، الأمر الذي دفع المحللين والخبراء إلى التأكيد بأنّ حكومة نتنياهو دخلت في مأزقٍ سياسيٍّ خطيرٍ جدًا وغيرُ مسبوقٍ، وإذا رفض نتنياهو الانصياع لقرار المحكمة القاضي بإقالة الوزير درعي، فإنّ الدولة العبريّة ستدخل في مأزقٍ قانونيٍّ لم يسبِق أنْ شهدته منذ إقامتها في العام 1948، إذْ أنّ جميع رؤساء الحكومة في الماضي وحتى الحاضر التزموا بتنفيذ قرارات المحكمة العليا، بمَنْ فيهم نتنياهو نفسه.
إلى ذلك، أكّد قال وزير الرفاه الإسرائيليّ، يعقوب ميرغي، من حزب شاس، في حديثٍ مع الإذاعة الإسرائيليّة شبه الرسميّة (كان) إنّه في حال قررت المحكمة العليا إلغاء تعيين رئيس حزبه، أرييه درعي، وزيرًا فإنّ نتنياهو يعلم أنه لن تكون هناك حكومة، على حدّ تعبيره.
وتابع الوزير الإسرائيليّ قائلاً للإذاعة: “إذا ألغت المحكمة تعيين درعي، فإنّ رئيس الوزراء سيضطر لأنْ يتخّذ قرار حول كيفية تصرفه”، مُضيفًا: “قلنا طوال الوقت إنه لا يوجد أي سبب ألّا يكون أرييه درعي وزيرًا كبيرًا في إسرائيل”، مُشدّدًا على أنّه سيقوم بتقديم توصيةٍ لمجلس حكماء التوراة بأنّه إذا لم يكن درعي في الحكومة، فإنه لا توجد حكومة”، على حدّ تعبيره.
وقالت صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة، نقلاً عن مقربين من وزير الداخلية والصحة آرييه درعي، قولها إنّه لن يستقيل من منصبه، في حال قررت المحكمة عدم شرعية تعيينه وزيرًا، بسبب ادانته في المحكمة المركزية في شهر كانون الثاني (يناير) من العام الماضي بجرم التهرب الضريبيّ، وفرضت عليه حكمًا بالسجن مع وقف التنفيذ.
وتابعت الصحيفة، إنّه وفق مقرّبين من الوزير، فإنّ درعي قال لمقربين منه، إنّه بحسب تقديراته، فإنّ المحكمة العليا سترفض تعيينه وزيرًا في هذه الحكومة، وبحسب تقديراتٍ سابقةٍ، فإنّ المحكمة العليا أمامها ثلاثة احتمالات، رفض تعديل القانون الأخير الذي يسمح لمدانٍ لم يُفرَضْ عليه سجنًا فعليًا أنْ يتولى حقيبةٍ وزاريّةٍ، أوْ أنْ تقبل بالتعديل لكن بشكلٍ لا يسري بأثرٍ رجعيٍّ على درعي، أوْ أنْ تقبل بالتعديل، وهذا الاحتمال الأضعف.
وتابع المقرّبون، بحسب الصحيفة العبريّة، إنّ درعي ألمح إلى نيته تجاهل قرار المحكمة، وعدم التعليق عليه، ما يعني أنّه لن يتجاوب معه ولن يبادر للاستقالة من منصبه، وفي هذه الحالة سينتقل الأمر إلى رئيس الوزراء نتنياهو، صاحب الصلاحية بإقالة وزير من حكومته.
وقال عضو الكنيست أفراهام بتسليئيل من حزب (شاس) للموقع الإخباريّ العبريّ (YNET) إنّه “مَنْ يرفض قبول درعي كوزيرٍ في الحكومة سيضطر لقبوله كرئيسٍ للوزراء”، بحسب تعبيره.
وكانت المستشارة القانونية للحكومة الإسرائيليّة غالي بهراف ميارة قالت للمحكمة العليا التي نظرت في الالتماس “إنّ تعيين درعي لمنصبٍ وزاريٍّ يتعارض مع معايير مبدأ المعقولية وتقع الإدانة في جرائم العار المشينة، فيجب إلغاء التعيين”، وفق أقوالها.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية