«سؤالات في المنهج» لمسفر بن علي القحطاني
«سؤالات في المنهج» كتاب للباحث السعودي مسفر بن علي القحطاني صدر حديثاً عن دار المشرق. يسعى الكاتب إلى الإجابة عن سؤالات كثيرة تتوالد مع مثيرات الفكر عند استجابته للواقع. فالعقل العربي اليوم كما يقول الكاتب، لا يهدأ تفكيره ولا يسكن نتيجة تلك النوازل المدلهمّة التي أُصيب بها في عقر داره، وقضى كثير منها على حاضره، ولا يزال خائفاً على مستقبله. يتساءل هذا العقل عن الحوادث التي تصيبه: كيف يفهمها؟ وكيف يتعامل معها؟ وكيف يتفادى آثارها؟
وثمة تساؤلات أخرى تتوالد كلما أخرج رأسه من قمقم الحزن ونظر إلى واقعه الأليم، هذا الواقع الذي يمر بتحولات لم يسبق أن مرت به خلال العقود الخمسة الماضية، وهي تحولات ليست عادية كما مر على المجتمعات في تاريخها الغابر؛ بل هي تغيرات خلاف المألوف البشري والتاريخي.
إنه التزامن الخطير للتغيرات الناعمة مع التغيرات الصلبة، إنه التوافق المقدور لهذه الأمة أن تعيش حمّى التحولات الناعمة التي فرضتها طبيعة الحياة الرقمية التي أضحت الوصف الثابت لحال المجتمعات اليوم. ومن خلال ذلك التطور الهائل للشبكة العنكبوتية والأجهزة الكفِّية والاتصالات العابرة للقارات، وهذه التحولات تصل بلطفها ودقتها إلى أعماق الوجدان والعقل والهوية، فكيف وقد اجتمعت على عالمنا العربي فتن الثورات، وما قابلها من مدلهمّات الثورات المضادة، فأنتجت لنا الحروب الأهلية وأخرجت معها مكنون العداوات الاجتثاثية، وساهمت في تصديع خريطتنا السياسية لتصبح جزراً متقاتلة تبيع الخبز لنيل السلاح، وتقتل الأخ في الدين والعروبة لأتفه خلاف سياسي.
يقول الكاتب في المقدمة: «المشهد العربي يحكي بأسى، أن دولاً كالعراق وسورية واليمن والصومال وليبيا وغزة، قد عادت ألف عام إلى الوراء! سوى ما خرج من تحت الأرض من ثارات قديمة عفّى عليها الزمن والتاريخ، وأحقادٍ لا يمكن أن تنطفئ إلا بوابل من العفو والتسامح وقوة النظام وهيبة الدولة، وهيهات هيهات أن يحظى العربي في تلك الدول بهذه القيم التي أصبحت كالأحلام في لياليه السود المظلمة باليأس والخذلان.
هذه النظرة القاتمة أمْلَتها نفوسنا المشحونة بالألم وأحوالنا المترعة بالوجع، لكني أعلم أنها ليست هي النظرة الإيجابية التي يجب أن ينظر بها المؤمن، المتفائلُ دائماً رغم الصعوبات، الزارعُ فَـسائـلَ الأمل ولو قـــامت الساعة. ولعل هذا الشعور السعيد بوجــود ضـوء في النفـق البعيـد أن يخفــف بعض المصاب، ويطلق الحركة المكبَّــلة، ويديـر دولاب النشاط في إعادة البـنـاء ورسم خرائـط الإصلاح. وما زلت أومِن أن بعث الأسئلة وتواردها على الخاطــر قـد يــساهم في كشف الخــلل الذي يجب أن نصلحه، والثغرات التي يستوجب سدّها».
ويضيف: «هذه التساؤلات كان أصل بعضها مقالات كُتبت بدافع نظمها في سلك هذا الكتاب متوخياً حوادث الواقع والعالم لربطها بفكرة هذا المؤلَّف، وتحقيقاً للتنوع واستجابةً لرغبة قرّاء اليوم في الإيجاز في العرض والتنقل بين عدد أكبر من الموضوعات، هذه المحاولة على ضعفها أردتها مساهمة في وضع شموع الهداية في طريقنا الطويل، لربما احتاجها عابرٌ للخير، أو باحثٌ عن نهضة وطنه».