سلايدصحافة عالمية

سبب حاجة الإمارات للشرع.. وحاجته لها

جورج كافييرو

حظي الرئيس السوري الجديد بترحيب حار في الإمارات، وطالب بتخفيف العقوبات. فما الذي ستجنيه أبو ظبي من ذلك؟

 

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

 

تجهد الحكومة السورية الجديدة لتوسّع الاعتراف بشرعيّتها من الدول الغربية والعربية على حدّ سواء، الأمر الذي جعل من زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى الإمارات العربية المتحدة في الأسبوع الماضي، مهمّة لمستقبل بلاده التي مزّقتها الحرب والتي تفرض عقوبات قاسية عليها.

بعد السعودية، أصبحت الإمارات ثاني دولة خليجية يزورها الرئيس السوري، وقد أظهرت دمشق وأبو ظبي إيلاءهما قيمة كبيرة للمحادثات الثنائية، على الرغم من انعدام الثقة الكبير في العلاقة بين الطرفين.

وكان وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني قد أعرب خلال الزيارة، عن أمل حكومة دمشق الجديدة في “تعزيز الروابط الأخوية والتعاون” بين سوريا والإمارات. كذلك تمنّى رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد، التوفيق للرئيس الشرع بمهامّه، مؤكّداً التزام أبو ظبي بدعم وحدة سوريا الوطنية ووحدة أراضيها.

يذكر أنّ من بين جميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي، كانت الإمارات العربية المتحدة الأكثر قلقاً بشأن تداعيات سقوط الأسد في آخر السنة الماضية. كذلك، كانت أبو ظبي قد أدّت دوراً مركزياً في إعادة تأهيل النظام السابق منذ أواخر عام 2018 حتّى سقوطه، الأمر الذي شكّل تحدّياً استراتيجياً كبيراً للقيادة الإماراتية.

تعارض أبو ظبي بشدّة الحركات والقضايا الإسلامية، مثل “الإخوان المسلمين” في العالم العربي. وهذا يفسّر إلى حدّ كبير دعم الإمارات في الماضي للأسد، إلى جانب القوى المناهضة لجماعة الإخوان في مصر وليبيا والسودان.

حين أطاح تحالف المتمرّدين بقيادة “هيئة تحرير الشام” بنظام “حزب البعث” في سوريا، كانت أبو ظبي قلقة من أنّ الجماعات الإسلامية “الجهادية” الإقليمية الأخرى سيلهمها هذا الحدث، وربّما تحاول القيادة الجديدة في دمشق تصدير أيديولوجيتها إلى دول عربية أخرى، ومن ضمنها دول مجلس التعاون الخليجي.

مع ذلك، ومن خلال إشراك السلطات السورية الجديدة بعد فترة وجيزة من سقوط نظام الأسد واستضافة الشرع والشيباني في أبو ظبي، فإنّ الإمارات تظهر موقفاً براغماتياً من الواقع الجديد الناشئ في سوريا، وتفضّل الاحتكاك مع الحكومة السورية الجديدة، كي تتمكّن من إبعاد دمشق عما قد يهدّد المصالح الإماراتية.

في الوقت ذاته، للرئيس الشرع مصلحة في إقامة علاقة ودّية مع الإمارات، وفي حاجة ماسّة إلى مبالغ هائلة من الاستثمارات الأجنبية لإعادة الإعمار والتنمية، وهو ليس في وضع يسمح لها برفض المساعدة من الدول العربية الغنية. يدرك الشرع أنّ دعم أبو ظبي هامّ في بقاء حكومته، ويقلّل من فرص تقديم الإمارات الدعم لأيّ أمير حرب أو رجل قوي آخر في سوريا قد يتحدّى قيادة الشرع لاحقاً.

كما أنّ قبضة الشرع على السلطة لا تزال ضعيفة، وهو يريد التأكّد من أنّ أبو ظبي لا ترى في هذا الضعف فرصة لصدّ الصعود السريع لـ”هيئة تحرير الشام” من خلال أيّ انقلاب أو تمرّد مدعوم من أبو ظبي.

الزميلة في “معهد بيكر” في جامعة رايس ميريسا خورما تقول: “لطالما كانت الإمارات ثابتة في معارضتها للأحزاب الإسلامية وخاصّة للنشاط والتغيير الثوري في المنطقة، وبصمتهم في الأحداث في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من مصر إلى السودان إلى ليبيا يثبتون هذا الأمر”. وهم بالتأكيد يتخذون الآن نهجاً براغماتياً مع الشرع، وربّما يفعلون ذلك استجابةً لبراغماتية الشرع الظاهرة.

وأضافت خورما، أنّ الشرع “صرّح علناً أيضاً أنّه وجماعته غير مهتمّين بتصدير الثورة إلى بلدان أخرى في المنطقة، وهي خطوة لطمأنة القادة العرب الذين أقلقتهم إطاحة هيئة تحرير الشام بنظام الأسد في دمشق في آخر السنة الماضية|.

العقوبات

لا تزال عقوبات قانون قيصر التي فرضتها واشنطن في عهد الأسد حجر عثرة أساسية بوجه إعادة إعمار سوريا وتنميتها. ومع استمرار هذه العقوبات في خنق الاقتصاد السوري، لا يمكن للإمارات ودول أخرى الاستثمار في سوريا. ولأجل ذلك دعت أبو ظبي ودول مجلس التعاون الخليجي وتركيا إلى رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا.

في الواقع، يشكّل نفوذ الإمارات في واشنطن والعواصم الأوروبية الأخرى، سبباً وجيهاً ومهمّاً لجهود الشرع الودّية تجاه الإمارات، التي يتمتّع رئيسها محمد بن زايد بعلاقة وثيقة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وغيره من القادة الغربيين، الأمر الذي تريد حكومة دمشق الجديدة استغلاله بالطلب من أبو ظبي أن تقنع إدارة ترامب برفع العقوبات المفروضة على سوريا، أو تخفيفها على الأقلّ.

تقول الباحثة في “مركز الوليد” في جامعة إدنبرة ميرا حسين لموقع “روسيا اليوم”، إنّ الإمارات “لاعب إقليمي رئيسي، وتتمتّع بنفوذ كبير في كلّ من واشنطن والعواصم الأوروبية، ويمكن لها أن تكون شريكاً جيو-استراتيجياً حيوياً للحكومة السورية الجديدة، بينما السعودية التي لا تزال ثقلاً إقليميّاً لا غنى عنه يمكنها أن تكون وسيطاً لإدماج سوريا في الجامعة العربية”.

وأضافت ميرا حسين، بأنّها غير مقتنعة أنّ “الإمارات مستعدة للدفاع عن سوريا ما بعد الأسد في واشنطن، ويعود ذلك في المقام الأوّل إلى شكوكها المستمرّة في الحكومة السورية التي تهيمن عليها هيئة تحرير الشام”. وبينما تشاطر الإمارات ظاهرياً موقف سوريا بشأن صوابية رفع العقوبات الأميركية، فمن غير المرجّح أن تكون مدافعاً صريحاً عن هذا التحوّل في واشنطن في هذه المرحلة.

ولا تزال أبو ظبي حذرة للغاية من الإسلام السياسي بكلّ أشكاله، والقيادة السورية الجديدة رغم تغيير هويّتها، تحمل دلالات أيديولوجية لطالما نظرت إليها قيادة أبو ظبي بريبة وعداء شديدين.

وتضيف الباحثة ميرا حسين أنه “في حال قدّمت الإمارات تأييداً سياسياً كاملاً لحكومة دمشق واستعداداً لاستخدام نفوذها في الولايات المتحدة لصالحها، فمن المرجّح أنّ موقفها البراغماتي نابع من رغبتها تجنّب الاستبعاد من نظام إقليمي يتطوّر بسرعة، ويرسم معالمه تدخّل تركيا والمملكة العربية السعودية، وتريد أن تحجز لها مقعداً على الطاولة، من خلال المشاركة في تشكيل معالم مستقبل وإعادة دمج سوريا، وعلى نطاق أوسع، في توازن القوى الإقليمي”.

ويرى الباحث قتيبة إدلبي في “مركز رفيق الحريري التابع للمجلس الأطلسي”، أنّ المملكة العربية السعودية، وليس الإمارات العربية المتحدة، هي اللاعب العربي الرئيسي الذي يدعم حكومة دمشق في واشنطن. والرياض “تسعى لضمان حضور سوريا اجتماعات البنك الدولي في واشنطن قريباً، دعماً لها كي تحصل على رعاية البنك المذكور”.

إسرائيل

لا شكّ في أنّ الأعمال العدوانية الإسرائيلية ضدّ سوريا ما بعد التغيير، تضعف بشكل خطير فرص البلاد في استعادة وحدتها واستقرارها. ونظراً لتطبيع العلاقات بين الإمارات و”إسرائيل”، فقد كانت القضايا الأمنية المهمّة المتعلّقة بسلوك “تلّ أبيب” ذات صلة بزيارة الشرع لأبو ظبي.

وبالنظر إلى العلاقات الأمنية والسياسية “المثمرة” للإماراتيين مع الإسرائيليين، يمكن لأبو ظبي أن تؤدّي دوراً “بنّاءً” في مساعدة دمشق على إشراك “تلّ أبيب” بطرق تقلّل من وجود “إسرائيل” في سوريا. ووفقاً للباحثة ميرسا خورما، ليس هناك دولة أخرى في المنطقة، “قادرة على إيصال هذه الرسائل إلى إسرائيل سوى الإمارات”، التي استمرّت بعلاقاتها الدبلوماسية مع الإسرائيليين رغم الضغوط الناجمة عن حربهم الوحشية على غزّة، وتصاعد موجات الغضب والمشاعر المعادية لـ “إسرائيل” في كلّ أنحاء المنطقة والعالم.

مع ذلك، لا يعتقد المراقبون أنّ أبو ظبي تمتلك نفوذاً كافياً على “إسرائيل” لمنع توغّلها في أراضي سوريا. في حين أنّ لكلّ من الإمارات و”إسرائيل” أهدافاً متعارضة في مرحلة ما بعد نظام الأسد لأسباب مختلفة. كما أنّه لا يوجد مؤشّر واضح على أنّ الإمارات ستطرح هذه القضية كوسيط محتمل. كما أنّ فكرة أنّ عاصمة عربية ما من ضمنها أبو ظبي، يمكن أن تمارس ضغطاً على “إسرائيل” تبدو غير معقولة إلى حدّ كبير.

الصورة الأوسع

في الحقيقة لا تزال هناك تحدّيات جدّية، خاصّة أنّ الدعم التركي والقطري لـ “هيئة تحرير الشام”، وهما خصمان للإمارات، ما قد يؤجّج مشكلات خطيرة في العلاقات بين دمشق وأبو ظبي مستقبلاً. في حين أنّ الشرع يتصرّف حتّى الآن بذكاء في تجنّب الاصطفاف مع أيّ دولة أو تكتّل إقليمي يمكن أن ينفّر الآخرين.

ومن هذا المنطلق، أثبت أنّه أكثر حكمة من النظام السابق، ومن خلال إشراك جميع الدول العربية الكبرى وتركيا والاتحاد الأوروبّي وروسيا، يتجنّب الشرع الاصطفاف مع دول معيّنة. كما أنّ زيارته إلى أبو ظبي توافق استراتيجية دمشق والسعي لتصفير مشكلات السياسة الخارجية.

المصدر: مجلة “Responsible Statecraft” الأميركية

نقله إلى العربية: حسين قطايا.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى