سحر خليفة: هل لا يزال أحد يذكر القضية الفلسطينية؟
أعربت الروائية والكاتبة الفلسطينية سحر خليفة عن سعادتها بحصولها على جائزة دبي الثقافية عن فرع “المبحث النسوى العربي”، وقالت في لقاء معها على هامش حفل توزيع الجوائز الذي أقيم أخيرا بدبي، إن الجائزة تعد الأولى بالنسبة لها عربيا في مجال البحث النسوي، وأضافت “هذه أول جائزة عربية أحصل عليها تحديدا في الأدب والبحث النسوي، من قبل حصلت على جوائز أخرى خاصة بالأدب، أما عن المبحث النسوي فلم أحصل إلا على جائزة فلسطينية من جامعة بيت لحم، لكن هذه هي المرة الأولى التي أكرم فيها عربيا ككاتبة وباحثة نسوية”.
وأكدت خليفة أن الأدب النسوي شهد تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، وقالت منذ أن دخلت المرأة ميادين التربية والتعليم صار هناك مؤهلات أكاديميا وتعليميا وتربويا بالملايين، وهو الأمر الذي انعكس على الأدب فخرجت أصوات أدبية بالمئات، وإذا قارنا ذلك بفترات الخمسينيات لم يكن هناك سوى أديبات يمكن عدهن على الأصابع مثل ليلى بعلبكي وكوليت خوري، أما الآن فهناك العشرات بل المئات مما يصعب حصرهن، فأكيد صارت لدينا وجوه أدبية نسائية كثيرة. هناك تطور كمي وكيفي أيضا.
وأشارت إلى أن الكاتبات والشاعرات اللاتي يرفضن إطلاق لفظة “نسوي” على أدبهن، ومع ذلك هو أدب نسوي، وإليك مثلا أمي الروحية الشاعرة فدوى طوقان كانت تقول “لست شاعرة أو أديبة نسوية” لكن عندما تقرأ مذكراتها في “رحلة جبلية.. رحلة صعبة” كلها تعبر عن المعاناة التي عاشتها فقط لكونها امرأة. فالأديب يعكس تجاربه الخاصة والعامة، والمرأة المبدعة مهما حاولت أن تحيد نفسها أو تبدو بمظهر الموضوعية وأنها لا تؤمن بالحركة النسوية، لكن عندما تكتب عن مشاعرها تظهر مشاكلها النسوية.
ورأت خليفة أن تصاعد المد السلفي عربيا ألقى بظلاله على الحركة النسوية لكنه لم يؤثر في الأدب النسوي، وقالت “تأمل الشارع العربي الذي لم تكن في الخمسينيات ترى فيه امرأة محجبة أو منقبة كيف هو الآن، أنا أول مرة أرى امرأة ترتدي الحجاب في نابلس ـ فلسطين كان عام 1972، إن ارتداء الحجاب وراءه الأطروحات المعيبة للأفكار السلفية، حتى المثقفات من الأكاديميات والمعلمات أصبحن نرى بينهن محجبات ومنقبات، لكن الأدب النسوي من حيث هو أدب لم يتأثر، لأن الكاتبة عندما تبدأ في الكتابة تكون اخترقت الحواجز الاجتماعية ودخلت مكشوفة الرأس ومفتوحة القلب وتمكنت من ملكة التعبير عن نفسها. وكل الأديبات اللائي لهن وجود مؤثر في المشهد الإبداعي العربي هن مكشوفات الرأس من الداخل والخارج”.
وعن المشهد الإبداعي النسوي في فلسطين الآن قالت خليفة “حتى الآن لم تظهر وجوه يعتد بها، وجوه تستطيع أن تقول إنها قادرة على استكمال مسيرتها الأدبية على المدى الطويل، تخرج وجوه شابة صغيرة تقدم عملا أو اثنين وتتوقف، ربما بسبب الوضع القاتم للإحتلال يؤثر سلبا على الإمكانيات الأدبية بالتراجع، حيث لا أرى وجوها تثبت وتستمر، وإنما تضيء عبر عمل أو عملين وتتوقف وتنطفئ، حتى الآن لا أجد كاتبات جديدات لديهن قوة الاستمرار”.
وأضافت “لكن الوعي النسوي موجود وقوي، قبل دخول السلطة على فلسطين كانت الحركة النسوية الفلسطينية واحدة من أهم الحركات النسوية في العالم، لكن للأسف عندما جاءت السلطة تهمشت الحركة النسوية وحتى النقابات تهمشت، الحركة الوطنية كلها تهمشت، وبالنهاية السلطة نفسها تهمشت.
الوضع كله في الداخل الفلسطيني في تراجع، وأكبر دليل حركة الشبيبة بالسكاكين التي تؤكد أن الإحباط وصل لقمته، هؤلاء الشباب مندفعون دون تنظيم، دون حتى معرفة الأهل، إذ يفاجأ الأهل بالشاب وقد حمل سكين المطبخ وراح، هذا دليل يؤشر لمرحلة اليأس الكامل”.
وأكد خليفة أن الوضع العربي يلقي بظلاله على فلسطين وقضيتها، وقالت “كما ترى القضية الفلسطينية التي كانت القضية المحورية في العالم العربي تراجعت إلى الخلف تماما. من يحكي عن فلسطين وسوريا اليوم تذبح كل يوم وكذا العراق، لم نصدق أعيننا ونحن نرى جيوشا كاملة تكلفت المليارات تنهزم أمام جماعات مثل داعش. الوضع العربي إذن يلقي بظلاله على القضية الفلسطينية والدليل أن أحدا لا يتحدث عنها الآن”.
وأدانت خليفة مناهج التربية التعليم وقالت “هي مناهج فاشلة أنتجت جيلا غير كفء وغير مهيأ للعصر الحديث وغير مهيأ للحياة، مناهج متخلفة تماما، ومن ثم سهل اصطياد الشباب الصغير من قبل هذه الجماعات الارهابية والمتطرفة، ليست هناك تربية وطنية أو قومية، والأحزاب القومية واليسارية هزمت وحلت محلها أحزاب إسلاماوية شددت على أن الدين هو الهوية وليس القومية، وهذا جعل الشباب الصغير يفكر أن أفغانستان أقرب إليه من مصر ومن سوريا والعراق، فالجيل المحير بالهوية هو نتاج النظم التربوية في كل العالم العربي”.
وأوضحت أنه على المستوى الثقافي أيضا كانت هناك هزيمة، فهناك كثير من الأقلام التي كنا نعتز بها في الوطن العربي أو الفلسطيني تحديدا التي كانت ترفع راية الفكر الاشتراكي والتقدمي والعلماني هزمت وأصبحت أذنابا للسلطة، والبعض ملاحق من قبل السلطة، والمخضرمون الذي كانوا يقبضون على نفس الخط الوطني القومي كبروا ولم يعودوا قادرين على الكتابة، والأجيال الجديدة لا أرى منها أقلاما تحمل ـ عن جد ـ الراية القومية وهذا هزيمة على المستوى الثقافي أيضا.
وقالت خليفة “نحن كأمة عربية في حالة هزيمة، يجب أن نقر بهذا، وأظن أننا مقرون على أكثر من مستوى، كيف الخروج من هذا المأزق؟ هذا هو السؤال الكبير، هل هو بتغيير الأنظمة؟ لقد رأيت نتائج ما يطلق عليه الربيع العربي، لقد فرحنا بما جرى في مصر واليمن وتونس وغيرها ثم ماذا بعد؟ من الذي تولى؟ الإسلاماويون.
يجب أن تكون هناك أحزاب، الآن لا وجود للأحزاب، لقد دهستها الأنظمة السابقة وجعلت منها مجرد ديكور تركبه وقت الحاجة ولم تجعل هناك مجالا لتنميتها، وهذه الأحزاب كان بينها وبين الاسلاماويين غزل، وهذا الغزل هو الذي أدى إلى هذا الجو المائع، فلا وجود للقيادة الحزبية التنظيمية التي كان يمكن أن تحمى الثورات العربية وتعمل منها مستقبلا يليق بالشباب القادم، ومن ثم جاء الاسلاماويون، حتى حزب عريق كالوفد في مصر لم يستطع أن يفعل شيئا.
إذن يجب أن نقر بأننا أمة مهزومة على كل المستويات سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. ويجب مراجعة كافة الميادين وتوضع خطط للقيام من هذه البؤرة الفاسدة على كل المستوى العربي”.
ميدل ايست أونلاين