سعيد إسحق الذي حكم سورية 24 ساعة

تميزت المرحلة السياسية التي عاشتها سورية بعد الاستقلال، بعدم الانتظام وبالاضطراب السياسي وشيوع الفوضى والتظاهرات، ما فتح الباب على مصراعيه للتدخل العسكري المباشر.

وإبان انقلاب العقيد أديب الشيشكلي في العام 1951 برز اسم سعيد إسحق ليس فقط لكونه شغل منصب رئيس الجمهورية لمدة 24 ساعة، بل لأنه المسيحي الوحيد الذي يتولى هذا المنصب في سورية.

ولد إسحق في مدينة ماردين وانتقل إلى عامودا (شمال شرقي سورية) إثر قرار ضم ولاية ماردين إلى الدولة التركية، وهو مسيحي من طائفة السريان الأرثوذكس. تنقل في العمل في أماكن عدة نتيجة الظروف السياسية التي كانت تعصف بالبلاد آنذاك حتى العام 1928، حيث دخل مجال العمل السياسي وانتخب رئيساً للمجلس البلدي في مدينه عامودا، ومن ثم رشح نفسه للمجلس النيابي في العام 1932 وفاز بالنيابة عن مناطق ما كان يسمى الحسجة والقامشلية والدجلة.

وانتخب بتاريخ 12 كانون الأول (ديسمبر) 1949 مراقباً للجمعية التأسيسية، التي تحولت إلى مجلس للنواب، وفي الأول من تشرين الأول (أكتوبر)1951 انتخب نائباً لرئيس مجلس النواب.

وبتاريخ 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1951، نفذ الجيش انقلاباً بقيادة الشيشكلي واستلم زمام الأمور في البلاد، ما اضطر رئيس الحكومة آنذاك معروف الدواليبي الى تقديم استقالته إلى رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي شفهياً.

وبعد ذلك، وفي 2 كانون الأول (ديسمبر) 1951، قدم الأتاسي استقالته إلى إسحق النائب الأول لرئيس مجلس النواب، لأن رئيس المجلس آنذاك ناظم القدسي كان قيد الاعتقال، وسجلت الاستقالة بتاريخ 2 كانون الأول (ديسمبر) 1951 بديوان المجلس تحت رقم 177.

وفي اليوم التالي أصدر رئيس الأركان ورئيس المجلس العسكري الأعلى العقيد الشيشكلي البلاغ رقم واحد، الذي تضمن حل مجلس النواب، و بموجب المادة 87 من الدستور السوري آنذاك، والتي تنص على أن «يمارس رئيس مجلس النواب صلاحيات رئيس الجمهورية، حيث لا يمكنه القيام بها وفي حال الوفاة والاستقالة يجتمع مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، أما إذا كان المجلس منحلاً أو بقي على نهايته أقل من شهرين فإن رئيس المجلس يستمر في ممارسة صلاحيات المذكورة».

وبموجب ذلك، وبحكم أن رئيس مجلس النواب كان قيد الاعتقال، أصبح سعيد إسحق (النائب الأول لرئيس مجلس النواب)، رئيساً الجمهورية بالنيابة لمدة 24 ساعة في الفترة الزمنية بين الثاني والثالث من كانون الأول (ديسمبر) 1951، قبل أن يتسلم رئيس الأركان العامة آنذاك فوزي سلو مهام رئاسة البلاد بمرسوم من العقيد الشيشكلي.

وحصلت بتولي إسحق رئاسة الجمهورية مفارقة دستورية، وهي كونه مسيحياً في الوقت الذي يذهب فيه الدستور السوري إلى اشتراط الإسلام ديناً لرئيس الجمهورية، لكن ذلك كان ممكناً قانونياً إذ أن ذلك لأن الرئيس المكلف لا يشترط فيه شرط الإسلام، لأنه لا تتوافر فيه صفة المرشح التي تتطلب هذا الشرط.

ويقول المؤرخ والصحافي شمس الدين العجلاني: «الرئيس إسحق كان وطنياً إلى حد الإدمان»، فيما قال عنه الأديب عيسى فتوح إن «هذا الرجل الوطني الفذ لعب دوراً مهماً في الحياة الوطنية والسياسية في سورية مدة نصف قرن تقريباً، فاشترك في النضال ضد المستعمر التركي ثم الفرنسي، ودخل السجن أكثر من مرة، حتى استطاع أن يصنع لنا الاستقلال الذي ننعم به اليوم، مع حفنة من أصدقائه المخلصين».

وتوفي إسحق في الولايات المتحدة في العام 1989، بعد صراع مع المرض دام خمسة أعوام وأرسلت السفارة السورية في واشنطن العلم السوري ليلف جثمانه به.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى