سقوط بيت الأسد: مستقبل النظام السوري بين صراع البقاء والحرب الأهلية (ديفيد ليش)
ديفيد ليش*
عرض: نسرين جاويش**
David W. Lesch ,Syria: The Fall of the House of Assad;(USA: Yale University Press; 2012
ما إن تقلد بشار الأسد مقاليد السلطة في عام 2000، عقب وفاة والده الرئيس الراحل حافظ الأسد، حتى عقد الكثير من أبناء الشعب السوري، سواء داخل سوريا أو خارجها، العديد من الآمال على الطبيب الشاب في قدرته على تحقيق الإصلاح المنشود الذي طال انتظاره، بل ذهب الكثير منهم إلى الدفع بأنه سيكون مثالا للزعيم القادر على توجيه بلاده نحو الديمقراطية الحقيقية، وأنه سيكون بذلك نموذج الزعيم المبتغي في الشرق الأوسط، لكنه خيب آمال الكثيرين، فقد فشل في قيادة بلاده نحو الديمقراطية. ولم يكتف بذلك، بل تحول إلى طاغية، واتجه لقمع المعارضة الناشئة لنظامه عقب موجات الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة.
وعلى الرغم من مرور ما يقرب من عامين على بداية الانتفاضة السورية، فإن نظام بشار الأسد لا يزال قائما. وكلما زاد بقاؤه، زادت الدماء المراقة، وكذا حدة الصراع، والتي أدت إلى الآلاف من اللاجئين السوريين في العديد من الدول العربية.
وفي هذا السياق، يأتي هذا الكتاب الذي يتميز كاتبه "ديفيد ليش" بمعرفته الوثيقة بالرئيس السوري بشار الأسد، لكونه المسئول عن الاتصالات التي بدأت في عام 2004 بين الولايات المتحدة الأمريكية وسوريا، في إطار محاولات الأولى لتحسين العلاقات مع سوريا.
يحاول ليش في كتابه كشف تكتيكات النظام للبقاء في السلطة، وردود الأفعال الدولية، والجهود الدءوب المبذولة من مختلف الأطرف، سواء الهادفة إلى دعم بقاء النظام، أو معارضة استمراره، لينهي تحليله باستعراضه السيناريوهات المختلفة التي يمكن أن تتكشف في المستقبل القريب، في ظل ضبابية المستقبل السوري.
سوريا بين الاستبداد والربيع العربي
"قد يكون بشار الأسد لا يزال في السلطة، ولكنه سقط بالفعل" .. بهذه العبارة، يستهل ليش تحليله للوضع الراهن في سوريا، مؤكدا أنه بالرغم من استمرار الأسد في السلطة حتى الآن، فإنه فقد شرعيته الحقيقية، وسقوطه الذي بات وشيكا ما هو إلا مسألة وقت فقط. مصطحبا القارئ في رحلة استكشافية لسياسات الأسد إبان الهجوم الأمريكي على العراق في 2003، واستغلاله لتناقضات الساحة العراقية آنذاك، وقتل رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري في عام 2005، ونجاح الأسد في تخطيه للأزمة الناتجة عن هذا الحادث، واتهام سوريا بالتورط في مقتله، على خلفية مساعي رئيس الوزراء اللبناني الراحل لإخراج سوريا من الأراضي اللبنانية، وهو ما ولد لدي بشار الأسد الغطرسة تجاه شعبه، وزاد من ذلك "إعادة انتخابه" في 2007، والذي مرر في مجلس الشعب السوري بنسبة 97 %، ليصبح الأسد بحلول علم 2008 واثقا من دعم الشعب المطلق له، والذي لم يكن حقيقيا على الإطلاق. فإدراك الأسد لحقيقة موقعه كان ولا يزال خاطئا، وساعده على ذلك دعم حزب البعث الحاكم، وكذا المعلومات الخاطئة التي يتم تزويده بها حول حقيقة وضعه وشرعيته في بلاده وبين أبناء شعبه.
يؤكد ليش أن المتتبع للواقع السوري يجد أن الطريق إلى الثورة مهد جزئيا مع توريث الأسد لحكم والده الذي حكم سوريا لمدة ثلاثين عاما، وبداية ظهور الصراع ما بين التكنوقراط داعمي استمرار النظام القديم، والفريق الهادف إلى الإصلاح. وقد نجح الفريق الأول في السيطرة على مفاصل الاقتصاد السوري، مما دفع بشار الأسد نحو اتباع سياسات التحرير الاقتصادي التي جلبت الزيادة الظاهرية في النشاط الاقتصادي السوري حتى عام 2010، والتي لم يستفد بها سوي أبناء الطبقة العليا في المجتمع السوري، والتي أدت في الوقت ذاته إلى زيادة الفقر بين أبناء طبقات الشعب السوري العادي، ومن ثم تدهورت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى سوء الأحوال السياسية، وسيطرة حزب البعث على مقاليد الأمور في كافة أرجاء الدولة.
وكنتيجة مباشرة للإحباط الاجتماعي من عدم المساواة بين الطبقات الاجتماعية المختلفة في الدولة السورية، كان اندلاع الثورة السورية بين الطبقات ذات الدخل المنخفض والمتوسط في مارس 2011 لتهدم الثورة تصور بشار الأسد بأن الارتباط الشعبي السوري بدولته أقوي مما كان عليه فيما قبل لتضعه الثورة أمام حقيقة، مفادها "أن النظام هش وضعيف، وأن الانشقاقات بداخله أعمق من أن يتم احتواءها أو حتى قمعها بالعنف". ويؤكد الكاتب أن نظام الأسد يعاني من فكرة استهداف النظام الحاكم، وهو ما يدفع به إلى استخدام العنف المتزايد لقمع المعارضة ضده. ويساعده على ذلك بعض القوي الدولية التي تؤازره، وعلى رأسها روسيا والصين اللتان تحولان ضد صدور أي فيتو ضدها بالتدخل العسكري في الأراضي السورية.
سوريا بين الحرب الأهلية والتدخل الدولي
يؤكد ليش أن ردود الأفعال الدولية تجاه الثورة العارمة التي اجتاحت الأراضي السورية تباينت فيما بينها، ويأتي على رأسها تصريح الرئيس الأمريكي أوباما إزاء إعلانه أن مسألة سقوط نظيره السوري لن تكون مسألة إذا .. ولكن مسألة متي .. فالتوقيت هو الأهم من حيث التعليق من وجهة نظر الإدارة الأمريكية، وليس ماذا سيحدث إذا سقط النظام السوري. بالإضافة إلى ذلك، تعليق كوفي أنان على الأوضاع في سوريا، بعدما تم اختياره كمبعوث لحل الأزمة في سوريا بقوله "لا وجود لأي حل عسكري للأزمة في سوريا، فاللوحة في سوريا لا يمكن أن تكتمل إلا بضم جميع الألوان لها، لذا فلن تستقر الأوضاع، ولن تنتهي الأزمة بانتصار فصيل على بقية الفصائل، ولن تتضح الصورة إلا بتسوية الأوضاع بين جميع الأطراف.
فالأمر في سوريا ليس سهلا، والصورة ليست بسيطة، بل هي متداخلة ومتشابكة، نظرا لتعدد عناصرها بين سني، وشيعي، وعلوي، ومسيحي، وكردي، ودرزي على أقل تقدير". وهو ما دفع ليش لتأكيد أن الحل الأمني منذ بداية الانتفاضة في الأراضي السورية لم يكن أبدا الحل المناسب لاحتواء الأزمة، خاصة مع عدم توقع بشار الأسد لتفاقم الأمور بهذا الشكل، ومن ثم اختياره للطريق الأسهل ومفرداته بقمع المعارضة، والقضاء على أي معارضة لنظامه، فهو يقود الدولة السورية نحو الجحيم. وعلى الرغم من قيامه بوصف (الجيش السوري الحر) بالإرهابيين، فإنه هو من يمارس الإرهاب على الشعب من خلال الأقلية المهيمنة "العلويين"، والذين يفضلون بقاء الأسد في السلطة، ويضخمون من مخاطر أن تكون السنة السلفية هم البديل لهذا النظام.
وينهي الكاتب تحليله بتأكيد أن سقوط نظام الأسد سيكون بمثابة سقوط مدو قد يؤدي إلى انتشار الحرب الأهلية بين الأقلية الحاكمة (العلويين) والأغلبية المحكومة من (السنة)، إضافة إلى الأكراد والشيعة، وهو ما لا يؤخذ في الحسبان من جانب السياسيين الغربيين والمحللين السياسيين. فالمعركة الدائرة رحاها في الأراضي السورية هي معركة استراتيجية أكثر من مجرد كونها نضالا من أجل الحرية.
*خبير في شئون الشرق الأوسط
**باحثة في العلوم السياسية
مجلة السياسة الدولية (تصدر عن مؤسسة الأهرام المصرية)