سوريالية عربية

قال فنان تشكيلي معرّفاً بلوحاته إلى مسؤول عربي جاء يفتتح معرضه:

ـ ” أغلب هذه الأعمال انطباعية يا سيدي ”

ـ غريب…هي مطبوعة طباعة إذن ؟ ..سامحك الله، لقد حسبتها مرسومة رسماً ” ..

وصادف أن تسلّم صديقي الخطّاط جائزة تقديرية من أحد وزارات الثقافة العربية، سألته عن المبلغ فابتسم قائلاً ” هل تعلم أنّ الخطّاط المجهول الذي رسم اسمي على هذه الكرتونة قد قبض أكثر بكثير من المبلغ الذي استلمته أنا، بسبب اختلافهم المتكرّر في نوعية الخط ، ديواني أم رقعي أم كوفي …كما أنّ سعر البرواظ ونوعية الخشب قد أثارا جدلاً كبيراً بين موظفي الوزارة الذين استفادوا من الفواتير والتحويلات بأرقام لا تقارن بقيمة الجائزة .

هكذا تكثر رواية الحكايات الضاحكات المبكيات حول معاقبة الناجحين ومكافأة الفاشلين في عالمنا العربي كشاهد على تجذّر “تقاليد” الفساد الضارب في عمق المؤسسات الإدارية والاجتماعية بشكل عام، حتى بات ينظر إلى من قال الحقيقة وأتى الصواب بعين السخرية حيناً أو الريبة والاستهجان أحياناً أخرى .

قال الجاحظ ” خطأ منشور خير من صواب مهجور ” …….أظنّ أنتا قد أحسنّا تمثّل مقولة صاحب “الحيوان ” و”البيان والتبيين ” في السلوكيات الوظيفية وليس اللغوية طبعاً .

إنّ نظرة ماسحة فاحصة لكل النكات الاجتماعية المبنيّة على المقاربات اللغوية من شأنها أن تكشف المنطق التبريري لكل الأفعال الشاذة ..وبلغة لا تخلو من الاستعراض والرشاقة والطرافة، ممّا يعكس هوساً رهيباً في تقديم القول على الفعل وتفضيل أسبقية المبنى على المعنى .

لم يكن الدارسون على ضلال حينما ربطوا التخلّف الاجتماعي والانحطاط الفكري بكثرة التزويق والتنميق والسجع وغيره من المحسّنات البديعية التي عرف بها الأدب المملوكي حتى أضحت كتابة الرسائل في ذلك العصر غاية لحدّ ذاتها ….وبصرف النظر عن محتوياتها وجدواها …! ومازالت المهزلة مستمرّة .

لم الاستغراب ؟! …إنّ ما تقدّم هو عيّنة بسيطة ومقتضبة لما أنتجه الفساد المزمن من منطق أعوج هو الآن يمثّل دروساً مثالية في السوريالية ومسرح العبث، والدليل هو ما نتبادله على صفحات التواصل من غريب الفتاوى التكفيريّة .

ليس هذا إلاّ امتداداً للمنطق الذي لا يقدّم العربة على الدابة فحسب، بل يختلف في تعريف الاثنين ..وحتى في مفهوم الطريق ….لأنّ طريق “الألف كارثة ” تبدأ بكارثة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى