تحليلات سياسيةسلايد

سوريا … المطالبة بدولة القانون على وقع الضجيج

عالية منصور

كان حفل إطلاق الهوية البصرية لسوريا الجديدة حفلا مؤثرا وجميلا، رافقه كأي حدث في سوريا ، جدل واسع بين السوريين. حفل ضخم في قصر الشعب بحضور الرئيس السوري أحمد الشرع، تزامن مع احتفالات بمختلف المناطق السورية باستثناء الرقة والحسكة الخاضعتين لسلطة “قوات سوريا الديمقراطية”، عروض وشعارات استحضرت مشاهد من الثورة السورية.

 كلمة مؤثرة للشرع خلال الاحتفال أكدت على وحدة سوريا وتنوعها، وقبل أن ينتهي الحفل بدأ الجدل بين السوريين، فهل هذه الهوية البصرية هي حقا سوريا أم “مستوحاة” من دول أخرى، ووصل التشكيك بالبعض أن رآها مأخوذة من علامة تجارية لشركة مشروبات كحولية.

وبين الاتهامات بـ”سرقة” العقاب السوري وهي غير صحيحة بالمناسبة، والردود عليها، كاد أن يضيع جوهر الموضوع، وجوهر الموضوع هو أي سوريا نريد؟ سوريا دولة القانون أم سوريا الخاضعة للمزاج الشعبي بتقلباته؟

الدكتور أحمد القربي، عضو هيئة صياغة الإعلان الدستوري علق على الموضوع بضرورة العودة إلى الأسس القانونية عند الحديث عن اعتماد الشعارات الرسمية، مشيرا إلى أن المادة الخامسة من الإعلان الدستوري تنصّ بوضوح على أن “شعار الدولة يُحدَّد بقانون”، ومؤكدا أن الدولة التي تقوم على القانون لا يمكن أن تُختزل بشعار لم يُقرّ وفق الأطر الدستورية.

وبدل أن يكون هذا جوهر النقاش والجدل في سوريا، انشغل بعض السوريين بتوزيع اتهامات تتعلق بأصل العقاب السوري ورمزيته، فيما هو محفور على آثار سوريا منذ آلاف السنين.

منذ سقوط نظام الأسد ووصول الشرع إلى قصر الشعب، انقسم الشعب السوري بين مؤيد بالمطلق لأي عمل تقوم به السلطة وتحديدا الرئيس الشرع، ورافض بالمطلق لأي عمل أو قول يصدر عن السلطة، وبين المجموعتين تاه صوت من ينتقد بهدف التصويب ويؤيد بهدف التشجيع.

مر 7 شهور على سقوط نظام الأسد، ولا زالت السمة الأبرز للسلطة الجديدة هي غياب الشفافية بالتعاطي مع السوريين، وهو ما يفتح باب التأويلات ويساهم في انتشار الشائعات التي لا يعرف الشارع السوري ماهيتها ومدى صحتها.

في 17 مايو/أيار الماضي أصدرت الرئاسة السورية مرسوما بتشكيل هيئة للعدالة الانتقالية تتولى كشف الحقائق بشأن انتهاكات النظام السابق، ومحاسبة المسؤولين عنها، وجبر الضرر الواقع على الضحايا. ونص المرسوم على تعيين عبد الباسط عبد اللطيف رئيسا للهيئة، وتكليفه بتشكيل فريق العمل، ووضع النظام الداخلي خلال مدة لا تتجاوز 30 يوما من تاريخ هذا الإعلان.

مضى على صدور هذا المرسوم ما يقارب الشهر ونصف الشهر، أي إنه تخطى فترة الـ30 يوما التي نص عليها، فأين أصبحت هذه الهيئة؟ لا جواب، وهذا مجرد مثال، ليس عن غياب الشفافية فحسب، بل عن عدم التزام السلطة بالمراسيم والتشريعات التي تصدر عنها، كحال المادة الخامسة من الإعلان الدستوري.

هنا جوهر القضية: أي سوريا نريد؟

يكاد لا يسمع صوت سوريا دولة القانون والمؤسسات في ظل الضجيج الصادر عن فئتي المؤيدين وجلهم ممن يطلق عليهم السوريون “ثوار ديسمبر 2024” أي الذين لم يكن لهم أي دور أو صوت مسموع خلال سنوات الثورة الـ14 وباتوا اليوم على يمين السلطة، وبين معارضي السلطة الذين ينشغلون بتشويه أي عمل تقوم به السلطة وأغلبهم من الفلول واليساريين، وبين هذا وذاك يتوه صوت العقل.

استقرار سوريا ليس أولوية سورية فحسب، ولكنه أولوية للمنطقة، فسوريا المستقرة هي بداية استقرار دول الجوار، وبناء دولة المواطنة والقانون هو حجر الأساس أمام مستقبل السوريين لعقود، وأي بناء يقوم على أسس غير صحيحة مهدد بالسقوط، خصوصا أن أعداء سوريا لا يزالون يتربصون بها. وسيادة القانون والعدالة والحرية والمواطنة والشفافية من أولويات بناء الدولة التي نريد.

مجلة المجلة اللندنية

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى