سيناريوهات العلاقات الجديدة بين مصر وحركة حماس.. كيف نفهمها؟
تتجه العلاقات المصرية مع حركة حماس لبناء نموذج مصلحي يستند إلى مصالح مباشرة من قبل الطرفين. فمصر تسعى لضبط الحدود، وإقامة منطقة عازلة مع القطاع تبدأ من الجدار المصري حتى الشمال بعمق 100 متر، وعلى طول 13 كيلو مترا، وتشمل بناء ساتر، إضافة إلى تعزيز الوجود الأمني على طول الشريط الحدودي بكاميرات مراقبة، وتسوية للأراضي، ووضع سلك شائك لمنع حالات التسلل، فضلاً عن تركيب شبكة إنارة كاملة على طول الحدود، بما يسمح بتقييد كامل للعناصر السلفية الجهادية التي تزحف من القطاع إلى سيناء. وقد شملت المرحلة الأولى من قرار إنشاء منطقة عازلة بين سيناء وغزة تحديد مساحة تتراوح من 400 متر بمنطقة شمال جوز أبو رعد إلى كيلومترين بمنطقة شرق جوز أبو رعد، وشمال شرق أتلة الطيارة، وهو ما مثل أولوية مصرية في التحرك الراهن تجاه قطاع غزة، بصرف النظر عن نجاح خطوة التفاهمات الجارية بين الجانبين في حركتي فتح وحماس، من خلال وساطة مصرية جديدة تحوّل الدور المصري من كونه وسيطا ومقرّبا لوجهات النظر إلى شريك وضامن في الخطوات الجديدة لتحقيق التوافق بين القطاع والضفة الغربية. وفي المقابل، تتجه حركة حماس، بعد تمدد حالة الحصار، وتردي الأوضاع في القطاع، وإجراءات الرئيس محمود عباس المتعلقة بالتعامل مع الجهاز الإداري والخدمي في القطاع، وتداعيات التغيرات العاصفة في الإقليم بأكمله من الأزمة القطرية الخليجية لتطور الأوضاع في الملف السوري، مرورا بعلاقات حركة حماس بإيران، وانتهاء بإدراك واضح من حركة حماس بما يجري في إسرائيل ذاتها من مخطط يستهدف تصفية القضية الفلسطينية من جذورها، واستمرار مخطط تهويد القدس 2020- 2050 – إلى المسار التفاوضي، والقبول بحل اللجنة الإدارية التي كانت تحكم القطاع، والبدء في مفاوضات القاهرة، والبناء على ما اتفق بشأنه، وهو ما سيأخذ عدة مسارات لتنفيذ اتفاق 2011 .
في هذا الإطار، يمكن استشراف علاقة مصر بحركة حماس، وكيفية ما ستؤدي إليه هذه العلاقات في المدى المنظور:
1. لا تعد حركة حماس حركة إرهابية على المستوى الرسمي وفقا للتصور الرسمي المصري بعد صدور حكم مجلس الدولة (قرار محكمة مستأنف الأمور المستعجلة بعابدين ألغى حكما سابقا أصدرته محكمة القاهرة للأمور المستعجلة يقضى بإدراج حركة حماس ضمن المنظمات الإرهابية فى الدعويين اللتين حملتا رقمى 314 و428، واللتين تم فيهما اختصام رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، والنائب العام، ووزراء العدل، والداخلية، والخارجية، إضافة إلى رئيس مجلس الدفاع الوطنى، وذلك لتورطها فى القيام بالعديد من الأعمال الإرهابية داخل الأراضي المصرية). ومن ثم، أصبح التعامل معها من منطلق أنها طرف فلسطيني. وبالتالى، فإن التعامل سيتم في سياق قانوني مصري رسمي حتى الآن. ومن ثم، يجب الفصل بين أمرين، الأول الرسمي والإطار القانوني للحركة والآخر الاتهامات الموجهة للحركة، والتي لا تزال محل تناول قضائي في مصر، على أساس أن الحركة متهمة أمام قطاعات الرأي العام المصري بأنها قامت بالمساس بالأمن القومي المصري ، ولا تزال توجه لها السهام في هذا الإطار.
2. تحاول حركة حماس إعادة تدوير دورها مصريا وعربيا، وقد برز ذلك في إصدارها وثيقة عمل جديدة، وأبقت على الميثاق التاريخي ولم تقم بإلغائه رسميا، وفككت علاقاتها بحركة جماعة الإخوان المسلمين، وقبلت فعليا بحدود يونيو 1967 رسميا، مما جعل الحركة تنتقل من خيارات العقائد والأيديولوجيا إلى كونها باتت حركة سياسية بالمعنى العام، وفي طريقها إلى أن تتبع مسارا سياسيا جديدا، إما بالتحول إلى حزب سياسي، شأنها شأن حزب الله، وإما بالدخول في شراكة كاملة مع القوى الفلسطينية بأكملها، ودون أن تقبل بنزع سلاحها، وهو ما سيكون محل تنازع في الفترة المقبلة على الأقل من جانب الحكومة الإسرائيلية التي اشترطت في أي تعامل محتمل، ولو بصورة غير مباشرة من الحركة، أن تفكك جهازها العسكري أولا، وتقبل بيهودية الدولة، والاعتراف بإسرائيل .
3. ستحكم علاقة مصر بحركة حماس ضوابط أمنية، وسياسية، واستراتيجية، واقتصادية، ليس فقط من جانب الحدود، ولكن أيضا من خلال ما ستقوم به القاهرة بالالتزام به، سواء في التعامل مع منظومة المعابر بأكملها، أو بمراقبة ومتابعة تنفيذ الاتفاق مع حركة فتح على الأرض، مقابل استمرار التزام حركة حماس بمراقبة ومتابعة وضبط أية تطورات ممتدة من القطاع إلى سيناء. وبالتالي، فإن موقف القاهرة سيظل بالأساس معتمدا على عنصر الأمن الاستراتيجي، وإقرار حالة التهدئة من القطاع، مقابل تسهيلات اقتصادية وتجارة فوق الأرض، والسعي للقبول تدريجيا بالمنطقة التجارية الحرة بين مصر والقطاع ، وصولا لرفع حالة الحصار على القطاع، في حال بدء تفاهمات جديدة بين اللجنة الرباعية وحركة حماس عبر الوسيط المصري .
4. لن تدخل القاهرة في مجالات هيكلية على الأقل في الوقت الراهن مع عدم الممانعة في تقديم بعض الخطوات، ومنها القبول ببعض العناصر التي تتبع حركة حماس على أراضيها بهدف التنسيق الأمني المباشر والدوري، وفي إطار الانفتاح على كل القوى الفلسطينية، بما فيها حركة حماس، خاصة أن هذا التصور يخدم الحركة المصرية بصورة أمنية واستراتيجية ولوجيستية، وبما يمنح حركة حماس نمطا جديدا في التعامل السياسي، ويحدد أطر التعامل بعدّها فصيلا فلسطينيا مركزيا وشريكا في المراحل التالية داخل السلطة، بصرف النظر عن طبيعة دورها في الفترة المقبلة ،وهل ستدخل الحكومة أم ستفضل الابتعاد تكتيكيا. كما أن قبول حركة حماس باستمرار الوساطة، وتنفيذ بنودها على أرض الواقع سيدفع بها، وحركة الجهاد الفلسطيني لدخول إطار منظمة التحرير، مما يعني فعليا اعترافها باسرائيل بصورة غير مباشرة لتسقط شرطا.
5. ستنطلق إذن علاقات مصر بحركة حماس على أسس مرحلية متوازنة تراعي متطلبات مصر الأمنية مع عدم الدخول في شراكات خارج دائرة المصالح والأولويات الاستراتيجية التي ستحتاج بعد تنفيذ وتأمين منطقة الحدود إلى ضوابط أخرى سترتبط بدور مصر في قطاع غزة، وهو ما تسعى حركة حماس إليه من خلال ملء الفراغ الراهن، بعد تعثر أعمال اللجنة القطرية للإعمار، وشروع دولة الإمارات العربية في تقديم المساعدات للقطاع، والبدء في مخطط متنام يؤكد إطارا جديدا من العلاقات مع القطاع يبني شراكات مصرية خليجية حقيقية تتجاوز طرح أدوار لبعض القيادات الفلسطينية البارزة، ومنها دور للقيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان، وعبر دور أمني واستراتيجي للتيار الإصلاحي داخل القطاع، والذي لا يروق لحركة فتح، وقد تتحفظ في درجة لاحقة من بدء التفاهمات على هذا التوجه.
6. سترسم منظومة العلاقات بين مصر وحركة حماس على أساس أربعة سيناريوهات. الأول: التوافق الحذر مع حركة حماس إلى أن تدخل بعض التفاهمات حيز التنفيذ بالفعل، وبدء الحركة في إعادة تقديم نفسها لمصر عبر إجراءات تنفيذية كاملة، وتأمين الحدود بصورة كاملة، والتحول لشريك استراتيجي متجاوب ومتفاعل مع المتطلبات المصرية التي تتعامل مع الحركة من منطق فصل السياسي عن الاستراتيجي، والأمني عن الاقتصادي، مع تقديم أولويات الأمن القومي على أي اعتبار آخر. الثاني: التوافق المقيد من خلال ربط الاستحقاقات المطلوبة من الحركة بإطار أشمل مصريا وفلسطينيا، بل وإقليميا، من خلال دور جديد للحركة، مع تأهيل حركة حماس للعب دور مباشر في المعادلة الفلسطينية ،وإعادة تدوير نطاقها من خلال دفعها للقبول بتثبيت حالة الهدنة مع إسرائيل، وإعادة ارتباطاتها عربيا، وتحجيم دور الحركة إزاء تركيا وإيران، بصرف النظر عن الدعم المادي والعسكري المقدم لها. الثالث : التفاعل البناء من خلال بناء تفاهمات فلسطينية شاملة من اقتراب واقعي مع الحركة بوصفها حركة نفعية براجماتية راديكالية مع إدخال شركاء فعليين لمصر في المعادلة، سواء حركة الجهاد الفلسطيني، أو الجبهة الشعبية والديمقراطية، مع تأمين المصالح المصرية في القطاع وفقا لأولويات الأمن القومي المصري، واعتبار تفاهمات الحدود مع حماس بداية لإجراءات كاملة وفقا لمنظومة استراتيجية تضم مصر وحركات المقاومة الداخلية، وحركة فتح ، بما يخدم الحضور السياسي والاستراتيجي في الملف الفلسطيني في الفترة المقبلة. الرابع والأخير: الغموض البناء، وهو نموذج يدفع بالحركة المصرية للإبقاء على علاقاتها مع حركة حماس، وفقا لاستراتيجية الغموض البناء، مع عدم توحيد الأولويات والمهام إلا بعد أن تلتزم الحركة سياسيا وأمنيا، مع مراعاة أن التعثر في تنفيذ التفاهمات الجارية مع حركة فتح لن يؤثر فى الحركة المصرية إزاء حماس، والبناء على ما تم، وهو ما يشير إلى أن القاهرة تعيد ترتيب علاقاتها مع حماس على أسس واقعية نفعية ، وهو ما تدركه قيادات الحركة، ويتفهمون أبعاده، خاصة مع مردود ذلك التوجه الرسمي إزاء القطاع، والذي يرتبط في أذهان بعض قطاعات الرأي العام في مصر بأنه مهدد أساسي للأمن القومي لمصر. ومن ثم، يتطلب الأمر حزما وتوجها مباشرا يتجاوز أية تعاملات هيكلية قد تؤسس لعلاقات مصرية مع القطاع، أو تدفع بتحمل مصر لمسئولية إدارته، وتوفير الخدمات اليومية، إلا بعد التقين تماما من دوافع ونيات حركة حماس إزاء مصر بصورة كاملة.
مجلة السياسة الدولية (تصدر عن مؤسسة الأهرام المصرية)