سُحُب افتراضيَّة تتحكَّم بالأمطار!
عندما كان الجفاف يهدد مجموعات من الأميركيين الأصليين، كانوا يؤدون رقصات المطر. اعتادوا على ممارسة هذه الطقوس الملونة والنابضة بالحيوية، التي تشمل الحلي الفيروزية لتمثيل المياه والريش لتمثيل الرياح، لحث الآلهة على إرسال العاصفة.
بحسب The Economist، اليوم باتت الرقصات مخصصة للسياح وتحوَّلت «صناعة» المطر إلى علم ينطوي على بذر السحب عن طريق إسقاط ثاني أكسيد الكربون المجمد (الثلج الجاف) أو يوديد الفضة فيها من الطائرات.
أكّدت طريقة بذر السحب عبر إسقاط ثاني أكسيد الكربون المجمد أو يوديد الفضة فيها نجاحها في «صناعة» المطر، إلا أن ممارستها لا تتم على نطاق واسع خارج الصين لأنه نادرًا ما تتجاوز الفائدة منها التكلفة الضرورية. تشير دراسة جديدة إلى تقنية مماثلة قد تنتج فوائد كبيرة في الواقع، عن طريق الحد من الدمار الذي يسببه نوع من الطقس لا يرحب به أحد: الأعاصير.
نجحت عملية بذر السحب لأن المواد المستخدمة تجمع جزيئات من بخار الماء حول نفسها لتشكل قطرات. ويمكن مع إحداث ما يكفي من التكثيف، حث سحابة على إنتاج كمية من الأمطار أكبر مما قد تفعل عادة. مع ذلك، لم يهتم آلان غاديان من جامعة ليدز في بريطانيا وفريقه في المطر، بل في فكرة التلاعب بسطوع السحب.
يتشكل الإعصار عندما تسخِّن أشعة الشمس الشديدة سطح البحر، ما يؤدي إلى التبخر الحراري والحمل الحراري على حد سواء. فيما يرتفع الهواء الرطب والدافئ يبرد ويؤدي تكثيف بخار الماء الذي يترتب على ذلك إلى تسخين الهواء أيضًا (تغير الحالة من غاز إلى سائل يظهر الحرارة الكامنة)، الأمر الذي يدفعه إلى الارتفاع أكثر. بالتالي، تتغذى العملية من نفسها لتوليد الرياح القوية وهطول الأمطار الغزيرة.
في معظم أنحاء العالم، ليس سطح البحر دافئًا بما يكفي لتشكل الأعاصير. أحيانًا ينتج ذلك من خط العرض، لكن في أحيان أخرى يعود السبب إلى طبقات السحب المنخفضة التي تغطيه، والتي تعكس ضوء الشمس. وتغطي السحب ما يقارب 30 في المئة من المحيط على هذا النحو. كانت هذه الحقيقة التي جعلت الدكتور غاديان وزملاؤه يتساءلون عما سيحدث للأعاصير إذا تم تضخيم هذا التأثير من خلال جعل السحب أكثر سطوعًا. قد يكون ذلك ممكنًا من خلال صنع البذور التي تزيد من عدد قطرات الماء في السحب.
بدلاً من استخدام الطائرات التي تحمل البذور، اقترح الباحثون رش مياه البحر من السفن الفضائية التي تعمل من دون طيار على طاقة الرياح ويتم التحكم بها من خلال القمر الصناعي، فتجوب خطوط العرض حيث تتشكل الأعاصير، بما أن قطرات مياه البحر تتمتع بالتأثير المماثل للثلج الجاف ويوديد الفضة. مع ذلك، في غياب ميزانية البحث الذي يبلغ مليارات الدولار والتصريحات اللازمة، أبحرت سفنهم من خلال معالج الكمبيوتر فحسب. لكن النتائج أتت مذهلة.
صرح الفريق في Atmospheric Science Letters بأن وجود السحب الافتراضية في جميع أنحاء العالم بهذه الطريقة تسبب بانخفاض درجة حرارة المحيطات في المناطق التي تتشكل فيها الأعاصير بنسبة تصل إلى 4 درجات مئوية. إذا حدث ذلك في العالم الحقيقي، فقد يقمع بشدة حدة هذه العواصف. مع ذلك، يتطلب تنفيذ هذه العملية نشر 200 سفينة افتراضية لرش الرذاذ، والتلاعب أيضًا بأنماط هطول الأمطار بطريقة قد لا تكون موضع تقدير من المزارعين في العالم.
أدّت محاكاة أنشطة سفن الرذاذ في المناطق الثلاث من العالم التي تكثر فيها السحب البحرية المنخفضة المستوى إلى انخفاض درجة الحرارة بنسبة 0.1 درجة مئوية فقط. ورغم أن ذلك لم يجعل الوضع أفضل مما هو عليه الآن، فإنه كان كافيًا لمنع اشتداد العواصف فيما ترتفع مستويات ثاني أكسيد الكربون العالمية وترتفع معها درجات حرارة المحيطات.
هذه الهندسة الجيولوجية الكبيرة النطاق، كما هي معروفة، لن تكون مجرد تحد تقني يجب تنفيذه على أرض الواقع، بل ستكون أشبه بكابوس سياسي وقانوني أيضًا. لكن حتى لو أنها لا تزال محتجزة بأمان في جهاز الكمبيوتر، فهي تدفعنا إلى التفكير في مدى تأثير الناس على المناخ في ظل نهاية محددة في الأفق. قد يحدث ذلك تغييراً.
ذا اكونوميست