شبح الإفلاس يخيّم على بغداد
كشف رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، في مقالة نشرها ، عن تسلّمه مهماته «في ظل خزينة خاوية وسيادة منقوصة وسلاح منفلت خارج إطار الدولة»، مؤكّداً أن الواقع العراقي «لا نُحسد عليه بعد 17 عاماً من التغيير… بلادنا يُراد أن تصبح ميداناً لصراع الآخرين، وأمن مواطنينا مهدّد، لا من استمرار داعش وخلاياه النائمة، بل أيضاً من السلاح المنفلت». وقال الكاظمي إن «إعادة هيبة الدولة تتطلب ألا تكون قوّة أي طرف فوق الدستور والقانون، وأن يصبح السلاح بيد الدولة وقواتها المسلحة»، متطرقاً إلى الأزمة الاقتصاديّة التي ترزح البلاد تحتها، والتي كشفت عن هشاشة الاقتصاد، بالقول: «الأزمة تشمل مؤسسات الدولة كافة ونسيجها، وتعرقل نهوضها الاقتصادي، إذ لم يجرِ في الفترة الماضية النهوض بقطاعات حيويّة مثل الصناعة والاستثمار والأمن الغذائي وغيرها»، داعياً الكتل السياسية والبرلمانيّة إلى «دعم الحكومة الجديدة عبر التصويت على مرشحي الوزارات الشاغرة».
أسئلةٌ عديدة طرحتها مصادر سياسيّة عقب نشر الكاظمي مقالته، خاصّة أنها «إعلان إفلاس» وفق تعبير البعض، في وقت رفض فيه مطّلعون على الواقع المالي والنقدي هذا «الوصف». هؤلاء، قالوا لـ«الأخبار»، إنهم يميّزون بين «الخزين المتوفّر لدى وزارة الماليّة، وبين الخزين المتوفّر لدى البنك المركزي»، لافتين إلى أن الرئيس السابق عادل عبد المهدي تسلم «الخزين» من سلفه حيدر العبادي وفيه ما يقارب 20 تريليون دينار عراقي (1.6 مليار دولار أميركي تقريباً).
عبد المهدي، في محاولته لاستيعاب التظاهرات المطلبيّة التي انطلقت في 1 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، أطلق عدداً من الحزم الإصلاحيّة كلّفت هذا «الخزين» ما يقارب 15 تريليون دينار (1.2 مليار دولار تقريباً)؛ وعليه، تسلم الكاظمي ما يقارب خمسة تريليونات دينار (400 مليون دولار تقريباً)، وهذا لا يكفي رواتب القطاع العام لشهر واحد، ما دفع الحكومة الحاليّة إلى التوجّه إلى «صندوق النقد الدولي» للاستدانة وتأمين سيولة بقيمة خمسة مليارات دولار في الأشهر القليلة المقبلة.
اليوم، يكمن التحدّي الكبير أمام الكاظمي في تأمين رواتب القطاع العام؛ فالحكومة إن استطاعت تأمينها (نحو 6.5 مليار دولار شهرياً)، يعني ذلك الحفاظ على النظام السياسي القائم وليس العملية السياسية فحسب. هذه المخاوف مردّها إلى هبوط أسعار النفط عالميّاً، وتراجع المدخول إلى ما دون 1.5 مليار دولار شهرياً. ووفق المعلومات، قلصت حكومة الكاظمي نفقاتها التشغيليّة، واعتمدت سياسة أقرب إلى أن تكون «حالة طوارئ ماليّة»، فالأولويّة هي تأمين الرواتب، وهذا ما أعلنته أمس بتأمين رواتب الشهر الجاري من دون أي استقطاع، على أن تقرّ الموازنة شهرياً لا سنوياً كما كان معتاداً.
إلى ذلك، أعلن البرلمان العراقي أمس شراء 1.363 مليون طن من القمح المحلي منذ بداية موسم الحصاد في العشرين من الشهر الماضي، في وقت تتوقّع فيه وزارة الزراعة أن يصل الناتج المحلّي إلى ستة ملايين طن، في الموسم الحالي، بين نيسان/أبريل وأيّار/مايو. وسبق أن أعلنت بغداد، في آذار/مارس الماضي، حاجتها إلى استيراد مليون طن من القمح هذا العام، لـ«تعزيز المخزون، تحسّباً من مشكلات في سلاسل الإمداد بسبب جهود مكافحة جائحة كورونا في أنحاء العالم»، علماً بأنّه في العام الماضي، إبّان حكومة عبد المهدي، حقّق العراق اكتفاءه الذاتي من إنتاج القمح والحنطة.
صحيفة الاخبار اللبنانية