شخصية المنطقة.. من يصوغها؟ (الياس سحاب)

 

الياس سحاب

منذ الولادة السياسية المتأخرة للقرن العشرين الى ما بين السنتين 1914 و1918 (الحرب العالمية الأولى)، والصراع مستمر الى يومنا هذا على صياغة الشخصية الحديثة للمنطقة العربية ومحيطها، الخارجة من حطام الامبراطورية العثمانية المنهارة.
وبديهي ان الصراع كان وما زال بين الارادة السياسية والتاريخية لأهل المنطقة من جهة، ومطامع القوى الكبرى الخارجة منتصرة من الحرب العالمية الاولى، والقوة الجديدة التي انضمت اليها (الولايات المتحدة الاميركية) على اثر انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، من جهة ثانية.
والحقيقة ان القوتين العظميين المنتصرتين في الحرب العالمية الاولى (فرنسا وانكلترا) قد بكرتا في وضع خططهما لصياغة شخصية المنطقة العربية وفقاً لمصالحهما المشتركة، وذلك في وثيقتين تاريخيتين شهيرتين: اتفاقية سايكس – بيكو (1916) ووعد بلفور (1917)، وذلك كما يبدو في خضم الحرب العالمية الاولى، وقبل وصولها الى خواتيمها.
ويمكن القول إن تاريخ المنطقة العربية طيلة القرن العشرين وحتى يومنا هذا، ما زال يدور في اطار هذا الصراع، بما في ذلك الاحداث الكبرى التي وقعت في المنطقة.
ولعل ذروة نجاح المخطط الاستعماري الغربي تمت في العام 1948، باغتصاب فلسطين وإنشاء الكيان الصهيوني، استفادة من الدرس التاريخي الكبير الذي تعلمه الاستعمار الغربي من مراقبة حركة محمد علي في النصف الاول من القرن التاسع عشر، حيث كاد بحركة تكامل بين مصر من جهة وبقية أرجاء المشرق العربي من جهة ثانية، أن يشكل وسط الامبراطورية العثمانية، وتحدياً لها، كياناً عربياً حديثاً، كانت مصر ونهضتها المبكرة في القرن التاسع عشر، نموذجاً عنها ومركزاً لها.
أما ذروة صعود حركة الارادة السياسية المستــقلة لاهل المنطقة، فقد تبلورت اكثر ما تبلورت في ثورة 23 يوليو 1952، خاصة بعدما حررت هذه الثورة الارادة السياسية لأكبر الاقاليم العربية (مصر) من خلال اتفاقية كسر احتكار السلاح، وتأميم قناة السويس، وبناء السد العالي، ثم من خلال استكمال البعد العربي لهذه النهضة بقيام الوحدة الاندماجية بين مصر وسوريا.
غير ان هاتين الذروتين المتعاكستين لم تتخذا ابدا شكلا محددا ثابتا، بل تحولتا الى محطات في مسيرة الصراع الطويل، على تحديد الارادة السياسية التي تقرر الصياغة النهائية لشخصية المنطقة العربية ومحيطها: هل هي ارادة أهل المنطقة، ام ارادة القوى الاستعمارية الغربية الطامعة؟
ويمكن القول إن محطات هذا الصراع المتلاحقة، قد تنوعت بين محطات كبرى ومحطات صغرى، وأن من تلك المحطات الاخيرة ذلك الاعلان الشهير الذي فسرت فيه وزيرة خارجية اميركا (كوندليسا رايس) الهجوم الاسرائيلي على لبنان في العام 2006، بأنه ليس سوى مخاض تشكيل الشرق الأوسط الجديد.
أما آخر هذه المحطات فهو ما تشهده مصر في هذه الايام بالذات، من استكمال لثورة «25 يناير»، في مرحلتها الثانية، التي تبدو متجهة الى تخليص الارادة السياسية لمصر، وأهل المنطقة، من سطوة الارادة الغربية، ومن سطوة قوى التخلف المحلية، المستعدة في النهاية للحفاظ على سلطتها بالتحالف مع متطلبات الارادة الخارجية، كما كانت تفعل دائماً طوال الصراع.
قد يطول هذا الصراع في مصر، وقد يقصر، وقد تتأخر بوادر تأثيراته على اوضاع المنطقة العربية وجوارها من حوله، لكن الصراع سائر بلا شك في إطار تحديد الكلمة النهائية في صياغة شخصية المنطقة العربية وجوارها.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى