شعبية السلطة بالحضيض والتنسيق الأمنيّ لم يتوقّف منذ أوسلو….. يُجمِع الخبراء والمُحللين وحتى صُنّاع القرار في دولة الاحتلال على أنّ إبقاء السلطة الفلسطينيّة كما هي الآن، هو بمثابة مصلحةٍ إستراتيجيّةٍ للكيان، وحتى أنّ المُحلل السياسيّ يارون أبراهام في القناة الـ 12 أكّد أنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو “يُصلي” من أجل بقاء رئيس سلطة رام الله، محمود عبّاس، في الحكم على الرغم من أنّه بات في أواخر الثمانينيات من عمره، لافتًا إلى أنّه رغم “الخلافات” بين الطرفيْن فإنّ التنسيق الأمنيّ هو كنزٌ لا يفنى، لأنّه يعود على أمن إسرائيل ومستوطنيها بالضفّة الغربيّة بالفوائد، على حدّ وصفه.
ومن ناحيتها أوضحت نوعا شوسترمان دفير، رئيسة برنامج فلسطين في مؤسسة التفكير الإسرائيليّ، أنّ “موقف رؤساء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لا ينبع من محبتهم للفلسطينيين، بلْ من إدراكهم أنّ من يحرك الأحداث الآن، هم التنظيمات المسلحة، وانهيار السلطة الفلسطينية يعني خلق فراغ سيستمر، وسيسمح لهذه المنظمات بالنمو والنمو، لأنّ تزايد اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى تزيد من التوترات، بما في ذلك الاستفزازات القادمة من غزة، وأمام هذه الفترة المتوترة، فلا بدّ من تعزيز أيدي الجهاز الأمنيّ العامل بكلّ حزمٍ للقضاء على العمليات، وتشجيعه على مواصلة العمل بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، وتقليص الضجيج الخلفي من جانب السياسيين”، طبقًا لأقوالها.
وأضافت في مقال نشرته على موقع ( (MAKO، التابع للقناة الـ 12، أنّ “الأحداث الجارية هذه المرحلة تذكرنا بما حصل قبل عام ونصف، حين بدأت سلسلة الهجمات الفلسطينية الحالية وأدت لعملية (كاسر الأمواج)، المتمثلة بزيادة اقتحامات قوات الجيش للمناطق (A) بالضفة الغربية، وباتت واقعة تحت سيطرتها، مع العلم أنّه بعد وقت قصير من بدء العملية، خرجت ظاهرة جديدة اسمها (عرين الأسود)، جمعت بين شبان فلسطينيين من مختلف الانتماءات السياسية، عملوا ضدّ أهدافٍ إسرائيليّةٍ في شمال الضفة الغربية بشكلٍ رئيسيٍّ، وأتاحت للمنظمات المسلحة غطاءً ملائمًا“، كما قالت.
بالإضافة إلى ما جاء أعلاه، قالت الباحثة الإسرائيليّة إنّ “جيش الاحتلال انشغل بتحييد واغتيال قيادة ونشطاء الكتائب الجديدة التي اكتسبت زخمًا ميدانيًا، ولم يمانع قادة حماس أنْ تتحمل (كتيبة جنين) أوْ (كتيبة طولكرم) المسؤولية عن العملية، لكنّها في الواقع كانت عبارة عن مزيج من النشطاء من جميع التنظيمات التي عملت بشكلٍ مشتركٍ ضد العدوّ الإسرائيلي، وقد حظيت باهتمام الجيش والجمهور الفلسطيني والساحة الدولية، فيما تراجعت شعبية السلطة الفلسطينية”، كما أكّدت وتابعت أنّ “إسرائيل واصلت عملياتها المكثفة في الضفة الغربية، وأطلقت عملية (البيت والحديقة) في شهر تموز (يوليو) الفائت بمخيم جنين، وبعدها جاء وفد من السلطة لتقديم التعازي، والمشاركة في تشييع الشهداء، لكن الوفد تمّ طرده، ممّا شكلّ وصمة عار“.
وأكدت الباحثة أيضًا أنّ “هذا الحدث كان بمنزلة نداء استيقاظ لمحمود عبّاس، وفي الأسابيع الأخيرة بدأت أجهزته الأمنية نشاطًا مكثفًا في المناطق التي عانت من غياب الحكم، بما في ذلك مخيما جنين وبلاطة للاجئين، وعادت للعمل هناك بينما يعمل الجيش في الوقت نفسه، وبتنسيقٍ متزايد على ما يبدو، مما يجعل من تزايد النشاط المسلح الذي تقوم به حماس معارضًا للتحركات التي يروج لها عبّاس لتعزيز قبضته على الضفة، الأمر الذي دفع إسرائيل لإعادة تبنّي السياسة التي بموجبها يجب اتخاذ إجراءات لتعزيز السلطة، رغم محاولات الوزيرين بن غفير وسموتريتش رسم سياسة مختلفة“، كما قالت نقلاً عن مصادرها الأمنيّة والسياسيّة في تل أبيب.
ولفتت الباحثة الإسرائيليّة في الخُلاصة إلى أنّه “حان الوقت لدعم السلطة الفلسطينيّة، والتصرّف ضدّ سياسة حماس في الضفة الغربية القائمة على تجنيد وتسليح العناصر دون الإضرار بمصالحها الأساسيّة في غزة، وتستقِّر في مخيمات اللاجئين، وفي هذا السياق يتعيَّن على إسرائيل توحيد قواتها مع السلطة الفلسطينية، التي تبدي استعدادًا أكبر للتحول، وتحسين القدرات، وهذا العمل لا يمكن أنْ يتجاهل ما يحدث في غزة، حيث يجب جباية الأثمان من حماس هناك، لكن مهمٌ التذكر أنّ أيّ عمليةٍ كهذه من حماس، قد تؤدي لجولةٍ أخرى يجب الاستعداد لها، باستراتيجيّةٍ مختلفةٍ عن الجولات السابقة“، طبقًا لأقوالها.
جديرٌ بالذكر أنّ السلطة في رام الله أعلنت مرارًا وتكرارًا عن وقف التنسيق الأمنيّ مع الاحتلال الإسرائيليّ، ولكنّ هذه القرارات، كما تبينّ كانت وما زالت حبرًا على ورق، وأنّه منذ توقيع اتفاق أوسلو بالعام 1993 لم يتوقّف التنسيق الأمنيّ بين الطرفيْن بتاتًا.